حتى إقدام أمين السوقي، مرافق النائب الدرزي طلال أرسلان، إلى أستلال قاذف أر بي جي، ورمي مركز الحزب التقدمي الاشتراكي في الشويفات بقذيفة صاروخية قتل بها علاء أبو فرج في مايو 2018، لا يتذكر أحدٌ وقوع اي حادث دموي داخلي بين طرفي الثنائية الدرزية الجنبلاطية – اليزبكية (الأرسلانية)، خلافًا لمجازر وقعت في طوائف أخرى؛ كالمعارك العنيفة بين أمل وحزب الله الشيعيين في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وفي مناطق الجنوب اللبناني، وتحديدًا النبطية وإقليم التفاح، وهي الحرب التي سميت حرب الإخوة، &وكالمعارك الطاحنة التي وقعت بين جيش العماد ميشال عون (رئيس الجمهورية الحالي) حين كان رئيسًا لحكومة عسكرية عينها الرئيس الأسبق أمين الجميل في اليوم الأخير من عهده الرئاسي، وبين القوات اللبنانية التي ما زال يتزعمها سمير جعجع إلى اليوم، في ما عُرف مسيحيًا بحرب الإلغاء.

كانت بداية حرب الإخوة الشيعية – الشيعية حين رأى النظام السوري ودميته حركة أمل، التي يرئسها نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني، في نشوء حزب الله تهديدًا إيرانيًا لدوريهما على الساحة اللبنانية ذات البعد الإقليمي.

يتجنب قادة حزب الله تذكر تفاصيل حوادث حرب الإخوة، لأن تذكرها وحده يكفي لتقويض زعم الحزب إنه لم – ولا - يوجه سلاحه إلى أي طرف في الداخل اللبناني، بل هو سلاح مرصود لقتال إسرائيل فحسب. فهذه الحرب دخلت كل بيت شيعي وتركت فيه قتيلًا أو جريحًا أو معوقًا. وحصلت فواجعها بينما كان الإسرائيليون في جنوب لبنان يتفرجون على الحزب الذي تدعمه إيرانيًا يحتفل بتحرير أزقة ضيقة في الضاحية الجنوبية من مسلحي أمل، وعلى الحركة التي تدعمها سورية تحتفل باقتلاع الحزب من الجنوب وإقليم التفاح.

لا يُذكر السبب الحقيقي والمباشر لهذه الحرب، إلا أن بعض المقربين من الحزب يقولون إن الشرارة&كانت هجوم الاستخبارات السورية بقيادة الرائد جامع جامع على ثكتة فتح الله لحزب الله في برج أبي حيدر ببيروت في 25 فبراير 1987، ورميها 21 عنصرًا من الحزب بالرصاص بعدما صفتهم على الجدار، في عملية إعدام جماعية.

استمرت حرب الإخوة الشيعة عامين، بين 1988 و1990، إلى أن كان اتفاق "الشرع-ولايتي" الذي ركز هدنة طويلة بين الجانبين. وبعد أن اتفق السوريون والإيرانيون، اكتسح حزب الله الساحة الشيعية بفضل الدعم الإيراني الهائل، وابتلع حركة أمل، لتبدأ بعدها مرحلة الشراكة والثنائية.

أما حرب الإلغاء، فقد بدأها عون بوجه القوات اللبنانية بعدما وافقت على اتفاق الطائف ورفضه هو. فقد بدا الاتفاق في بداية تسعينيات القرن الماضي ضروريًا لإنهاء الحرب الأهلية. لكن عون أراد أن يكون الأمر له وحده في المناطق المسيحية، فبدأ سياسة توحيد البندقية، معلنًا حرب إلغاء دموية على القوات اللبنانية، ومستخدمًا في ذلك ألوية الجيش اللبناني، بحجة أن لا سلاح في هذه المناطق إلأا سلاح الشرعية اللبنانية، علمًا أن القوات اللبنانية كانت أشبه بجيش نظامي، قاتلت في الحرب الأهلية اللبنانية إلى جانب ألوية الجيش اللبناني التي انضمت إلى القيادة المسيحية، بعيد انقسام الجيش، وتقاسم الزعماء السياسيين اللبنانيين، في اليمن واليسار، مقدرات الدولة اللبنانية.

كانت حرب الإلغاء من أعنف ما شهدت المناطق اللبنانية عمومًا، والمناطق المسيحية خصوصًا، في خلال الحرب اللبنانية. ذهب ضحيتها الآلاف من الشباب المسيحي، ووصلت إلى أن يقتل الأخ أخاه لانتماء كل منهما إلى أحد طرفي النزاع.

لأن ليس للسنة أطراف مسلحة فعلية تتحارب، بقي الموحدون الدروز وحيدون من دون حرب داخلية... إلى الآن. فلم الآن؟&

في غزوة الجبل في 11 مايو 2008، استسهل حزب الله، الذي لا يوجّه بندقيته إلى الداخل (!)، استهداف أنصار جنبلاط، الذي كان متصدرًا جماعة 14 آذار، المناهضة لحزب الله منذ مقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في انفجار كبير استهدفه في 14 فبراير 2005. لكن، كانت المفاجأة أن المواجهة الأولى حصلت بين عناصره وعناصر أرسلانية في منطقة عرمون، أول بلدات الجبل صعودًا من الخط الساحلي، علمًا أن أرسلان يقف في صف حزب الله وجماعة 8 آذار، أي لم تكن المواجهة الأولى مع عناصر جنبلاطية.

توحدت البندقية الدرزية تحت لواء جنبلاط في مواجهة غزاة حسن نصرالله. فأدرك هذا أن ما يقال عن توحد الدروز على اختلاف مذاهبهم السياسية في مواجهة أي خطر خارجي يهدد طائفتهم صحيح. فهم توحدوا مع جنبلاط في السابق، في عام 1983، حين حاولت القوات اللبنانية السيطرة على الجبل تحت الحماية الإسرائيلية، فدحروها.

لا يمكن أن تستمر الوحدة الدرزية إن وقع الدم بين الدروز أنفسهم، وهذا ما يحاول حزب الله، من تحت الطاولة، أن يحققه. فإضعاف جنبلاط لا يمكن أن يحصل إذا توحد الدروز خلفه في كل مرة تعرضوا للتهديد.

حادثة السويفات كانت البداية. وحادثة قبرشمون استمرار في المؤامرة على جنبلاط، هذه المؤامرة التي لن ترتاح بقايا النظام السوري وحزب الله إلا عندما يتمكنون من تطويق بك المختارة الإشتراكي لمنعه من أداء أي دور سياسي في المرحلة المقبلة، وهي المؤامرة التي لا يمكن أن تمر إلا باستفحال الدم بين الدروز أنفسهم.

إن كانت حرب الإخوة أسفرت عن تسيّد حزب الله الساحة الشيعية، وإن كانت حرب الإلغاء ما حققت هدفًا إلا تسجيل أسماء آلاف القتلى والجرحى، فإن حرب شق الدروز اليوم وتسييل الدم بينهم هي المسمار الأخير في نعش لبنان الذي يعرفه اللبنانيون، والمطلوب اليوم، وسريعًا، أن يتدارك عقال الدروز الأمر بتحريم أي اقتتال داخلي في الطائفة، ليمنعوا بذلك سقوط آخر الحصون اللبنانية، وليوقفوا مسلسل تتبيع لبنان لمشاريع إيران التوسعية، من خلال تسليم مقدرات البلد كلها لحزب الله.