نصر المجالي من المنامة: الأغنية التي لم تشطب من أرشيف الإذاعة الأردنية هي تلك التي غنتها المطربة اللبنانية سميرة توفيق بعد حرب 1967 هي التي تقول quot;وحسين حالف بالصخرة وحبيبة الكل .. الضفة الغربية ترجع نكسيها فُلّquot;، وكانت الضفة ضاعت مثل غيرها من أراض عربية وفلسطينية في تلك الحرب التي هزمت فيها إسرائيل جيوش دول عربية ثلاث هي مصر التي فقدت سيناء وقطاع غزة وسورية التي فقدت هضبة الجولان والأردن الذي فقد نصفه الغربي الذي كان متحدا معه منذ العام 1951 وهو الضفة الغربية.

وتشير تداعيات الأحداث في الأسبوعين الأخيرين إلى أن الأردن وجد نفسه معني في حال الضفة الغربية أكثر من أي وقت مضى، حيث ليس لأنها كانت جناحه الغربي، بل لأنها ظلت على الدوام مصدر قلق له على كل المستويات الديموغرافي منها والأمني سواء بسواء. هذا مع العلم ان كافة سكان الضفة يحملون الجنسية الأردنية، ولا يزالوا أردنيين بحكم الدستور رغم حكاية الأوراق الخضراء وغيرها.

كما ان الأردن لا يزال يرعى الأماكن المقدسة سواء كانت اسلامية او مسيحية في القدس الشرقية التي كانت تسمى عاصمته الغربية، وهي ذاتها مطلب الفلسطينيين لتكون عاصمة للدولة المستقلة مستقبلا.

والأردن الذي احتفل عاهله الملك عبدالله الثاني بعيد ميلاده الرابع والأربعين يستعد لاستقبال زعماء المكتب السياسي لحركة حماس الذين كان أبعدهم إلى الدوحة العام 1999 للتشاور حول استحقاقات المرحلة المقبلة على صعيد استئناف محادثات التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد فوز حماس الكاسح في الانتخابات التشريعية حيث تتأهب لتشكيل حكومة جديدة.

وما يعطي الأردن دورا جديدا في التسوية كشريك مهم، او يجعله مستعدا لذلك بحذر هو تلميحات ايهود اولمرت خليفة رئيس الوزراء حين اعلن خطة حزب كاديما من اجل التسوية في الضفة الغربية حيث حدد نهر الاردن حدودا شرقية آمنة لإسرائيل والاحتفاظ بثلاث تجمعات استيطانية تلتهم اجزاء كبيرة واستراتيجية في الضفة الغربية.

وتعتبر خطة اولمرت الى حد بعيد مشابهة لخطة ايغال آلون وزير الدفاع الاسرائيلي العام 1972 وهي تعطي الاردن دورا استراتيجيا في اية تسوية مستقبلا، وكان الاردن في حينها اعلن عن مشروع بديل من خلال طرح المملكة المتحدة الفيدرالية بين الاردن والاراضي الفلسطينية، لكن المشروع الاردني الذي كان طرحه الملك الراحل الحسين بن طلال تم رفضه من الجانب الإسرائيلي وكذلك من منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تنازع الأردن الحديث باسم الشعب الفلسطيني ممثلا شرعيا وحيدا.

وكان الأردن وافق في قمة الرباط في العام 1974 على القرار العربي باعتبار المنظمة ممثلا شرعيا وحيدا، لكه حذر من خلال خطاب شامل للعاهل الأردني الراحل من خطورة هذا التمثيل الوحيد، على اعتبار ان الضفة الغربية جزءا من اراضيه حسب القانون الدولي وان مواطنيها تابعون له بالجنسية حسب الدستور.

وظلت المماحكة مستمرة بين عمّان ومنظمة التحرير مستمرة حتى اتفاق 11 فبراير(شباط) 1985 بينهما للتحرك المشترك نحو عواصم الدول الكبرى، لكن الاتفاق سرعان ما انهار بعد رفض المنظمة توقيع وثيقة امام الحكومة البريطانية تنبذ الارهاب وتعترف بحدود آمنة لإسرائيل، وفشل لقاء لوفد مشترك مع اركان الخارجية البريطانية.

وفي العام 1987 اضطر الأردن تحت ضغوط عربية لإعلان فصم عرى الوحدة مع الضفة الغربية، وظلت الأمور تراوح مكانها حتى مؤتمر مدريد 1992 حيث ذهب الاردن ومنظمة التحرير بوفد مشترك ، ولكن في العام 1994 فوجىء الأردن بتوقيع المنظمة اتفاقا سريا مع اسرائيل اقيمت بعده السلطة الفلسطينية بزعامة الرئيس الراحل ياسر عرفات، الأمر الذي اضطر الأردن الى توقيع اتفاق وادي عربة العام 1995 للسلام مع اسرائيل.

ومنذ ذلك الحين حيث اعترف الاردن بالسلطة الجديدة واقام معها علاقات دبلوماسية مؤكدا وقوفه الى جانبها في كل ما يخدم اهداف قيام الدولة المستقلة، وهو ساهم بتدريب قوات من الشرطة الفلسطينية واعرب عن استعداده لارسال قوات من لواء حطين الفلسطيني الذي ينتشر على اراضيه لدعم شؤون الاستقرار والامن في الضفة الغربية.

كما أن الأردن بالمقابل استمر محافظا على حمل جنسيتة من جانب أبناء الضفة وكذلك في شكل مؤقت لأبناء قطاع غزة، ولكنه ظل حذرا من مسالة تكاثر عقد الاجتماعات والندوات في المخيمات الفلسطينية المنتشرة على أراضيه، على انه ايضا ظل على الدوام يحذر من ازدواجية الولاء. وهو منح حق التصويت والانتخاب لابناء تلك المخيمات التي اوصلت عدديدا من النواب الى قبة البرلمان، وكان جلّهم ينتمون الى حركة الاخوان المسلمين.

ومع تحالف اتضحت معالمه بين حركة (فتح) كبرى الفصائل الفلسطينية والاردن، فإن الاسلاميين ابدوا خشيتهم من ذلك وقاد هذا الموقف الى التصادم مع حركة حماس وكانت النتجة ان تم ابعاد قادتها الاربعة العام 1999 الى دولة قطر.

وأخيرًا، فإنه مع هزيمة فتح في الانتخابات الأخيرة، فإن الأردن وجد نفسه في مواجهة بدء الحوار مع حركة حماس التي يمثل حيويتها وحراكها في الخارج مكتبها السياسي بزعامة خالد مشعل ومحمد نزال وابراهيم غوشة وموسى ابومرزوق وجميعهم يحملون الجنسية الاردنية ولم يتنازلوا عنها الى اللحظة رغم كل ماجرى. ومن هنا فإن عمّان تجد نفسها تطرق من جديد بوابات ضفتها الغربية السابقة في أشكال أخرى.