واشنطن: يختزل قطبا الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديد، رئيس الوزراء quot;بنيامين نتنياهوquot; ووزير خارجيته quot;أفيغدور ليبرمانquot;، مستقبل عملية السلام للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في quot;السلام الاقتصاديquot; بعد وصولها إلى طريق مسدود ـ من وجه نظرهما ـ، وهو ما يتعارض مع رؤية الإدارة الأميركية الجديدة بشأن حل الدولتين للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. ناهيك عن اختلاف رؤية quot;باراك أوباماquot; مع حكومة quot;نتنياهوquot; حول الانفتاح الأميركي على إيران وقوى المقاومة quot;حزب اللهquot; وحركة quot;حماسquot;؛ وهو ما يثير الهواجس الأمنية الإسرائيلية. كانت تلك الاختلافات جلية في زيارة المبعوث الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط quot;جورج ميتشلquot; خلال لقائه مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة أمس الخميس.

ففي أول زيارة له إلى المنطقة بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة دافع quot;ميتشلquot; عن الرؤية الأميركية لحل الدولتين، قائلاً: quot;إن سياسة الولايات المتحدة تقوم على إعطاء أولوية لحل دولتين تعيشان بسلام، دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل كدولة يهوديةquot;، مضيفًا أن واشنطن تتوقع حلاًّ سياسيًّا شاملاً في المنطقة باعتباره أولوية أميركية. هذا الاختلاف في الرؤية الأميركية ـ الإسرائيلية قد يكون سببًا لإرجاء اللقاء الذي كان يُفترض عقده بين نتنياهو والرئيس باراك أوباما في واشنطن مطلع الشهر المقبل.

ومع الالتزام الأميركي بعلاقات خاصة مع إسرائيل والالتزام بأمن إسرائيل، دعا quot;ستيفن والت الإدارة الأميركية الجديدة بممارسة دور أكثر قوة وفاعلية من دور الإدارات الأميركية السابقة، ووضع قيود قوية على طرفي الصراع (فلسطين وإسرائيل) للتوصل إلى اتفاق بشأن اتفاق حل الدولتين الذي هو في صالح الأمن الإسرائيلي من عدة أوجه في مقالة تحت عنوان quot;هل تستطيع الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل؟ دليل المستخدم على الموقع الإلكتروني لـquot;مجلة السياسة الخارجيةquot;.

ستفين والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد كلية كيندي للدراسات الحكومية، ومؤلف كتاب اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية مع زميله بجامعة شيكاغو ldquo;جون ميرشايمرquot;. وقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها لتناوله تأثير دور اللوبي في السياسة الأميركية تجاه عدد من قضايا منطقة الشرق الأوسط لاسيما سياسة إدارة بوش الابن تجاه غزو العراق (مارس 2003) وسياساتها تجاه أزمة البرنامج النووي الإيراني وعزل سوريا، وعلى تأييد إسرائيل وممارساتها العدوانية ضد الفلسطينيين وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.

حل الدولتين في مهب الريح

يرى quot;والتquot; أن هناك اتجاهين يقوضان حل الدولتين أولهما: الاستمرار في بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية. فهناك ما يقرب من 290 ألف مستوطن يعيشون على أراضي الضفة الغربية وهناك ما يقرب من 185 مستوطن آخر في القدس الشرقية. معظمهم مدعومون بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الحكومة الإسرائيلية. ويقول quot;والتquot; في مقالة أخرى تحت عنوان quot;ماذا نفعل إذا انهار حل الدولتينquot;: إنه من غير المقبول طرد ما يقرب من نصف مليون شخص إسرائيلي ـ حوالي 7% من سكانها ـ من ديارهم. كما أن التصور من الناحية النظرية لاتفاق سلام يُبقي على معظم المستوطنين داخل الحدود النهائية لإسرائيل مع حصول الدولة الفلسطينية على أراضٍ أخرى كتعويض سيجعل من الناحية العملية استحالة إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ثانيهما: هو الاتجاه المتطرف على الجانبين. فيقول quot;والتquot;: quot;إن الوقت ينفد بشأن حل الدولتين. فالمعارضون لحل الدولتين، حزب الليكود وحلفاؤه في إسرائيل وحركة حماس، أضحوا أكثر شعبية في أوساطهم. فارتفاع شعبية أفيجدور ليبرمان العنصري كفيل بتوضيح هذا الاتجاه.

رؤية quot;والتquot; الداعية إلى الضغط الأمريكي على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لها رواجها ومؤيديها داخل الولايات المتحدة وخارجها. فخلال الأسابيع الماضية دعت لجنة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري برئاسة quot;هنري سيغمانquot; وquot; برنت سكوكروفت في تقرير لها حمل عنوان quot;فرصة أخيرة لاتفاق حلال الدولتينquot; الرئيس quot;باراك أوباماquot; إلى الانخراط الفعال لحل الصراع العربي ـ الإسرائيليquot;، ونجاح الانخراط الأمريكي في منطقة الصراع العربي ـ الإسرائيلي يتطلب مزيجًا من الإقناع والحوافز والضغط. كما دعت مجلة quot;الإيكونوميست إدارة أوباما إلى تقليل المساعدات الأمريكية لإسرائيل إذا استمرت حكومة نتنياهو في سياساتها لفرض حل الدولتين، مشيرة إلى أن خطوات نتنياهو في ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي قد تحسن أو تعقد من العلاقات الإسرائيلية الخاصة مع الولايات المتحدة. وفي هذا السياق أشارت صحيفة quot;هآرتسquot; العبرية إلى أن الرئيس أوباما يُعد قيادات بالكونجرس لمواجهة حكومة نتنياهو.

استراتيجية من ثماني نقاط للضغط

يشير quot;والتquot; إلى نجاح الإدارة الأميركية في الضغط على الجانب الفلسطيني، ولكنها لم تمارس ضغطًا كبيرًا على الجانب الإسرائيلي في المقابل، حتى وإن كانت إسرائيل منخرطة في سياسات كالتوسع في بناء المستوطنات التي ترفضها الولايات المتحدة. ولكن سياسات ومواقف قطبي الحكومة الإسرائيلية الجديدة (نتنياهو وليبرمان) تثير تساؤلاً رئيسًا مفاده: إذا استمرت حكومة نتنياهو ـ ليبرمان في رفض حل الدولتين، فماذا يجب على الرئيس أوباما وإدارته فعله؟، وما الوسائل التي تمتلكها الولايات المتحدة لإثناء إسرائيل عن فكرة quot;إسرائيل الكبرىquot;، ودفعها إلى القبول بحل الدولتين؟

هل تتخلى واشنطن عن تل أبيب؟

ويرى quot;والتquot; أن إدارة أوباما ليست في حاجة إلى استخدام تلك الأدوات التأثيرية الثمانية كلها في الضغط على إسرائيل فضلاً عن عدم تفضيله استخدامها كلها مجتمعة في التأثير على حكومة نتنياهو، ويرى أن تلك الوسائل التأثيرية ستدفع الحكومة الإسرائيلية إلى التفكير في مواقفها التي تتعارض مع السياسة الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

ومن المهم أن تتواصل إدارة أوباما مع مؤيدي إسرائيلي داخل الولايات المتحدة وأن يوضح لهم أن الضغط الأميركي على إسرائيل لإنهاء احتلالها ضروري لإسرائيل على المدى الطويل لاستمرار إسرائيل. إن واشنطن لن تتخلى عن التزامها بتأييد أمن إسرائيل كمصلحة أمريكية. ويؤكد في الوقت ذاته على استمرار الضغط على حركة المقاومة الإسلامية حماس للتعديل من مواقفها المتشددة، ودفع السلطة الفلسطينية إلى زيادة فاعلية مؤسسات الحكم.

ويؤكد والت على ضرورة إدراك أن ضغط الولايات المتحدة على كلا طرفي الصراع وليس على طرف واحدٍ لا يعني ممارسة واشنطن سياسة مناهضة لتل أبيب، ولكنها تهدف إلى التوصل إلى حل الدولتين الذي هو في صالح إسرائيل والولايات المتحدة. وفي هذا السياق سيكون أمام إسرائيل خيار هو إنهاء إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية والعمل بنشاط من أجل حل الدولتين وبالتالي تظل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة أو التوسع في نطاق الاحتلال وفقدان الدعم الأميركي تدريجيًّا وتحملها عبء حكم ملايين الفلسطينيين بالقوة.

يطرح quot;والتquot; ثمانية أفكار رئيسة تشكل محور التحرك الأميركي، وهي:

أولاً: خفض المساعدات الأميركية لإسرائيل. تحصل إسرائيل على مساعدات إجمالية تُقدر بحوالي 3 بليون دولار في السنة ما بين اقتصادية وعسكرية، بما يمثل 500 دولار كل إسرائيلي. ومن وجهة نظر quot;والتquot; ستحقق هذه الوسيلة كثيرًا من النجاح، ولكنه لا ينصح بأن تكون أولى وسائل الضغط الأميركي على إسرائيل. فأي محاولة لخفض المساعدات الأميركية لإسرائيل سيشعل مواجهة حامية الوطيس داخل الكونغرس الأميركي حيث تنشط جماعات اللوبي الإسرائيلي لاسيما لجنة الشئون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية (أيباك).

ثانيًا: تغيير الخطاب الأميركي. حيث ينصح quot;والتquot; إدارة أوباما بتغيير خطابها ولغتها في وصف الممارسات الإسرائيلية. فيقول: إنه مع الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل وأن تكون دولة يهودية على دبلوماسي الولايات المتحدة تغيير لهجتهم في وصف ـ على سبيل المثال ـ توسع المستوطنات الإسرائيلية، والبعد عن استخدام مصطلح quot;غير مساعدة quot; التي تُعبر عن ضعف الخطاب الأميركي الرسمي. وينصح باستخدام مفاهيم ومصطلحات جديدة في وصف تلك المستوطنات من قبيل quot;غير شرعيةquot; وquot;منتهكة للقانون الدوليquot;. وهذا الوصف الأميركي للمستوطنات يستند على المواثيق والأعراف الدولية حيث يمنع ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة التهجير القسري للسكان والاستيلاء على الأراضي بالقوة المسلحة. ووصف الولايات المتحدة توسيع المستوطنات الإسرائيلية بغير الشرعية يدفع باقي دول العالم إلى حذو الوصف الأميركي للمستوطنات. وعن وصف الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي ينصح بأن يتضمن القاموس الأمريكي أوصافًا جديدةً لهذا الاحتلال من قبيل quot;يتعارض مع الديمقراطيةquot;، quot;غير حكيمquot;، quot;قسريquot; وquot;غير عادلquot;. يرسل تغيير الخطاب الأميركي وتضمنه مفاهيم وأوصافًا جديدة رسالة إلى الحكومة والمواطن الإسرائيلي أن رفض حل الدولتين يُهدد العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية الاستراتيجية.

ثالثًا: تدعيم قرار من الأمم المتحدة يدين الاحتلال. فمنذ عام 1972 والولايات المتحدة تستخدم حق الفيتو في الاعتراض على قرارات مجلس الأمن التي تنتقد إسرائيل، وهو رقم يفوق حق الفيتو للدول الأعضاء دائمة العضوية في المجلس مجتمعة. ولتوصيل رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية بعدم رضا الولايات المتحدة على التصرفات الإسرائيلية على حكومة باراك أوباما رعاية وتبني قرار يدين الاحتلال ويدعو إلى حل الدولتين. واتخاذ الإدارة الأميركية دورًا في صياغة مثل هذا القرار يوضح بصورة جلية ماذا تريد الولايات المتحدة ويجنبها انتقادات لا تريدها.

رابعًا: تقليل مستوى التعاون الاستراتيجي القائم حاليًا. هناك حاليًا اتفاقيات تعاون عسكري بين وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وقوات الدفاع الإسرائيلية، وبين الاستخبارات الأميركية ونظيرتها الإسرائيلية. ويمكن لأوباما استخدام هذا التعاون الاستراتيجي كآلية للتأثير على الجانب الإسرائيلي من خلال إرجاء عدد من اجتماعات المشتركة أو خفض مستوى التمثيل الأميركي لاتفاقيات التعاون المشترك. ومثل تلك الخطوة ستكون محط اهتمام المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

خامسًا: تقليل شراء الولايات المتحدة معدات عسكرية إسرائيلية. فبالإضافة إلى تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية إلى إسرائيل ـ التي تستخدم في شراء أسلحة أميركية ـ يشتري البنتاغون بملايين الدولارات أسلحة وخدمات أخرى من إنتاج الدفاع الإسرائيلي. وفي هذا الصدد يستطيع أوباما أن يطلب من وزيره للدفاع quot;روبرت جيتسquot; أن يقلل من الشراء الأميركي لأسلحة إسرائيلية. والذي من شأنه أن يرسل رسالة جلية إلى الجانب الإسرائيلي أنه لم تعد العلاقات التجارية كما كان في الماضي. وهذه الوسيلة سيكون لها كبير التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالمي والتي لم ينجُ منها الاقتصاد الإسرائيلي.

سادسًا: اتخاذ موقف متشدد من المنظمات الخاصة التي تدعم المستوطنات. فقد كتب دافيد إنغاتيوس في واشنطن بوست أن التبرعات الخاصة للمنظمات الخيرية العاملة في إسرائيل مستقطعة ضريبة داخل الولايات المتحدة تشمل تبرعات تدعم النشاط الاستيطاني الإسرائيلي. والذي يعني أن دافع الضرائب الأميركي يدعم بصورة غير مباشرة أنشطة تتعارض مع السياسة الأميركية، والتي تؤثر على مستقبل إسرائيل على المدى الطويل. فيقول quot;والتquot;: كما تراقب الولايات المتحدة الإسهامات الخيرية إلى ما تطلق عليهم المنظمات الإرهابية، على وزارة الخزانة الأميركية اتخاذ خطوات صارمة تجاه المنظمات الخيرية بما فيها المنظمات الصهيونية المسيحية البارزة التي تدعم الأنشطة غير القانونية.

سابعًا: وضع قيود على ضمانات القيود الأميركية. فالولايات المتحدة تقدم إلى إسرائيل ضمانات قروض بمليارات الدولارات في مناسبات عدة والتي تسمح لإسرائيل بالاقتراض من البنوك التجارية بسعر فائدة منخفض. فعلى سبيل المثال حافظت إدارة بوش الأب في عام 1992 على ما يقرب من 10 مليار دولار ضمانات إلى أن وافقت إسرائيل على وقف بناء المستوطنات وحضور مؤتمر مدريد للسلام، والتي أسهمت في الحد من قوة الاتجاه المتشدد في حكومة الليكود بقيادة إسحاق شامير ومجيء إسحاق رابين والذي توصل إلى اتفاق أسلو.