quot;هجمات11

هجمات11 سبتمبر: الإرهاب والحرب المضادة

نضال وتد من تل أبيب: إذا كان القول المأثور مصائب قوم عند قوم فوائد يسري في أحيان معينة، فإنه يسري بشكل لافت وقاطع في حالة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، إذ يتفق محللون إسرائيليون وفلسطينيون من داخل الخط الأخضر على أن إسرائيل استغلت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر ووظفتها لخدمة سياستها وموقفها العسكري quot;العدوانيquot;، أو التفاوضي إزاء العرب والفلسطينيين. وبحسب هؤلاء المحللين، فإن التفجيرات كانت بمثابة هدية لإسرائيل كدليل على صدق quot;الموقف الإسرائيليquot;، وإجراء مقاربة بين حق الولايات المتحدة والعالم الغربي في حماية نفسه من الإرهاب، وحق quot;إسرائيل في الدفاع عن نفسها من منظمات الإرهاب، خصوصا المنظمات الأصولية والإسلامية بدءا من حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة ومرورا بحزب الله في الجنوب اللبناني وحتى مجاهيل آسيا الوسطى، وتأليب الرأي العالمي حتى على دول وأنظمة عربية برمتها بدعوى مناصرتها وتأييدها لإرهاب القاعدة. وتوظيف مكافحة الإرهاب لتبرير بناء جدار الفصل العنصري، أمام المحكمة الدولية في لاهاي وكانه جدار أمني وليس جدارا سياسيا، تماما مثل السياج الفاصل على مئات الكيلومترات بين الولايات المتحدة والمكسيك، لكن مع فارق أن إسرائيل تحارب تسلل الإرهابيين وليس المهاجرين غير الشرعيين.. وبدأت في مواجهتها للانتفاضة الثانية، واجتياح الأراضي الفلسطينية عام 2002 في حملة السور الواقي، وضرب الحصار على الرئيس الفلسطيني الراحل، وضرب خلايا وتنظيمات المقاومة الفلسطينية، على صعيد العمل العسكري الميداني.

وكانت ذريعة محاربة الإرهاب، وأحداث سبتمبر وراء وصول التعاون والتنسيق، بل التحالف الإسرائيلي - الأميركي، الى ذروته في عهد بوش، وانخراط إسرائيل في quot;حروب بوش ضد الإرهابquot; مقابل الدعم الأميركي - الجمهوري المطلق لحكومات إسرائيل بدءا برسالة ضمانات بوش لشارون، ومرورا بتأييد الحرب على لبنان، والحرب الأخيرة على غزة، تحت ذريعة محاربة الإرهاب الإسلامي والأصولي.

اوباما خلال كلمته أمس في ذكرى أحداث 11 أيلول

ومثلما تم توظيف أحداث سبتمبر وضرورة quot;بناء جبهة عالمية ضد الإرهاب، على الساحة الدولية وحتى العربية (وصلت ذروتها في خطاب ليفني قبل عامين في العامة القطرية، ودعوتها لحلف بين إسرائيل ودول الاعتدال العربي لمواجهة التطرف الإسلامي الأصولي ومحور التطرف (ممثلا بسوريا وإيران وحزب الله وحماس)، يرى محللون أن الأحداث أعطت إسرائيل مطلق الحرية في قمع حريات الفلسطينيين في إسرائيل، والتضييق على نشاطهم السياسي وحتى الاجتماعي، ومحاربة جمعيات الإغاثة المدنية والوطنية بدعوى مكافحة تمويل الإرهاب، كما تجلى ذلك في الملفات التي فتحتها إسرائيل ضد رئيس الحركة الإسلامية الشمالية، الشيخ رائد صلاح، وضد زعيم التجمع الوطني، عزمي بشارة، الذي غادر إلى الأردن حيث يعيش اليوم متنقلا بين عمان وقطر.

quot;إسرائيل استغلت التفجيرات على كافة الأصعدةquot;
يقول يوآف شطيرن:quot; إن كثيرا من الإسرائيليين لا يزالون ينظرون إلى أحداث سبتمبر باعتبارها الدليل على أن مكافحة الإرهاب شأن عالمي لا يقتصر على النزاع الإسرائيلي العربي، والاعتقاد السائد عندهم هو أنه إذا تحول الإسلام إلى دين يصدر الإرهاب لأنحاء العالم، حيث لا يسيطر الإسلام، فهذا يعني أن العالم الحرب ملزم بالتجند لمحاربة هذه الظاهرة وليس فقط أن تنشط جهات وأذرع الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيينquot;.

ويضيف شطيرن الذي عمل محللا ومراسلا للشؤون العربية في صحيفة هآرتس، ويعمل اليوم في مركز بيرس للسلام، إنه بنظرة إلى الوراء فإنني أعتقد أن هذه التفجيرات أعطت إلى حد كبير دعما لكل من دعا في إسرائيل على تشديد القبضة ضد الفلسطينيين في إطار مواجهة انتفاضة الأقصى. ففي نهاية المطاف فإن من دفع ثمن العمليات الإجرامية للقاعدة في الولايات المتحدة كانوا الفلسطينيين الذين تضرروا من شن حملات عسكرية مثل quot;السور الواقيquot;، عام 2002، أو من بناء جدار الفصل، إذ كان من الأسهل بالنسبة للرأي العام العالمي القبول والتسليم بالنشاطات الإسرائيلية باعتبارها عمليات دفاع عن النفس في مواجهة الإرهاب، وأقل من كونها احتلال غير شرعي.

وإذا كان شطيرن حصر تقييمه في انعكاس التفجيرات على العلاقة مع الفلسطينيين، فإن الكاتب والمحلل الفلسطيني، وديع عواودة، من الجليل، يرى أن التوظيف الإسرائيلي طال كل جبهة وكل صعيد ممكن، سواء على صعيد العلاقات مع الفلسطينيين أم مع مجمل المنطقة العربية وحتى الساحة الأوروبية نفسها.

ويقول عواودة quot;إن إسرائيل تدير عدة معارك على عدة جبهات في آن واحد، فبالإضافة إلى توظيف قوتها العسكرية الطاغية لتثبيت الحقائق على ارض الواقع، وتقطيع أوصال الضفة وزرعها بالمستوطنات حتى لا يبقى سوى مكان لكانتونات منعزلة في الضفة والقطاع، فإنها اعتبرت أحداث سبتمبر منجما لا ينضب من الذخيرة اللازمة لها في الساحة الدولية، بدءا بتبييض صفحة الاحتلال وتبرير وشرعنة كل ما تقوم به من جرائم في الضفة الغربية والقطاع، ومن حروب شنتها على لبنان ( حرب تموز 2006)، وحملة السور الواقي في الضفة الغربية، 2002، والحرب الأخيرة على غزة. فإنها أشهرت دبلوماسيا سلاحا ذو حدين في صالحها، أولا التستر وراء الدفاع عن النفس في وجه الإرهاب، وبالتالي ضاع مفهوم وبُعد كون إسرائيل آخر حالة احتلال في العالم، لدرجة تغييب خطاب الاحتلال ( وهو ما نلمسه خلال زيارات لأوروبا وأحاديث مع أطراف دولية) وتحييد الانتقادات والمعارضة الأوروبية لإسرائيل، حتى تحولت إيطاليا مثلا من دولة مناصرة للقضية الفلسطينية إلى دولة مناصرة لسياسات إسرائيل المتشددة ضد الفلسطينيين والعرب، بدعوى ضرورة انخراط العالم الغربي في الحرب العالمية ضد الإرهاب. الحد الثاني لهذا السلاح هو التلويح بتهمة مناصرة الإرهاب وشيطنة الطرف الآخر بدءا من الشريك في أوسلو الرئيس الراحل ياسر عرفات وانتهاء بحركات المقاومة، مع التهديد باتزاز كل مناصر لحركات المقاومة باعتباره مؤيدا ومساندا للإرهاب، وهي التهمة الموجهة منذ ذلك الحين لسوريا وإيران وحزب الله وغيرها.

ولا ينسى عواودة أن يشير إلى أن تهمة مساندة الإرهاب ومعاداة السامية طالت في بعض الأحيان الدول العربية quot;المعتدلةquot; كلما رفضت الأخيرة السير في الاتجاه الإسرائيلي.

...اسر ضحايا 11 سبتمبر - أمس

مقابل ذلك يرى عواودة أن الدبلوماسية الإسرائيلية تمتعت بدعم مجموعات الضغط الإسرائيلية واليهودية في مختلف أنحاء العالم التي تجندت لصالح ترسيخ فكرة العالم الحر في مواجهة الإسلام والمسلمين والخطر الأصولي ومنابعه في الجزيرة العربية، من جهة، واستغلت الأخطاء العربية من جهة أخرى، إذ ترصد جمعيات وأطراف إسرائيلية مختلفة، بينهما منظمات يهودية عالمية، كل كلمة في العالم العربي وكل خطبة صلاة جمعة ولو كانت في قرية معزولة ونائية للتدليل على تورط العرب والمسلمين في الإرهاب والتحريض عليه.

quot;11 سبتمبر أعطى إسرائيل فرصة للمطالبة بحق الدفاع عن النفس!quot;
يتفق المحلل الصحافي، مراسل معاريف، ايتمار عنباري في جوهر الأمور مع القول بأن أحداث سبتمبر ساعدت إسرائيل في المواجهة الدبلوماسية مع الفلسطينيين. ويقول عنباري: quot;أعتقد أن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ساعدت إلى حد كبير دولة إسرائيل، وبشكل أساسي في كل ما يتعلق بالساحة الفلسطينية. ويتجلى تأثير هذه التفجيرات بالأساس في حقيقة أنها سمحت لإسرائيل بأن تقدم معادلة تقول إنه مثلما يحق للولايات المتحدة ويجب عليها أن تدافع عن نفسها من خطر بن لادن والقاعدة فإن إسرائيل هي الأخرى لها الحق بالتصرف بنفس الأسلوب ضد الفلسطينيين. بكلمات أخرى فإن إسرائيل أوجدت معادلة يكون فيها بن لادن مساويا لعرفات، والسلطة الفلسطينية للقاعدة. بهذه الطريقة يمكن القول إن هذه التفجيرات خدمت الدعاية الإسرائيلية من حيث توفيرها لإسرائيل فرصة لعرض المواجهات والصدامات مع الفلسطينيين كمواجهة شرعية وعادلة للإرهاب، خلافا ربما لأغلبية الاعتقاد السائد عند الرأي العام العالمي الذي يعتبر الفلسطينيين شعبا يحارب احتلالا ويسعى للاستقلال وإن عبر القوة.


وإذا خرجنا عن نطاق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن المتتبع للدبلوماسية الإسرائيلية منذ أحداث سبتمبر يلاحظ كيف أن ساسة إسرائيل، من الائتلاف والمعارضة، كانوا يقفون وراء الولايات المتحدة تحت قيادة بوش بل كانوا جمهوريين أكثر من بوش نفسه، وحثوا الولايات المتحدة على الضغط على الدول العربية، وفي مقدمتها العربية السعودية، حتى تقوم هذه الدول بquot;كبح جماح الدعاة والائمة والدعوة إلى حوار الأديان، بعيدا عن quot;التطرف والعنفquot;. وكان نتنياهو على سبيل المثال حمل على نحو خاص، ومعه مجموعة من مؤيديه في الأكاديميا الإسرائيلية على الدول العربية مثل السعودية لأنها quot;مهد حركات الأصولية والتطرفquot;، ووضع نتنياهو كتبا اعتبر فيه أن على العالم الحر التوحد في حربه ضد الإرهاب.

على الصعيد الداخلي، يرى رئيس جمعية حماية الحريات في الداخل الفلسطيني، أمير مخول أن إسرائيل وظفت تفجيرات لندن لتؤجج على الصعيد العالمي الحرب على العرب والإسلام والمسلمين، وأنها لم تترك جهدا إلا وبذلته للربط حتى على مستوى العقل الباطني، بين العرب والمسلمين، وزيهم وبين الإرهاب، ومحاولة وصم كل من يعارض مشروعها بأنه سلفي وأصولي ومتطرف مساند للقاعدة حتى وإن كان هذا النظام علمانيا كما هو الحال في سوريا مثلا.

ويلفت مخول إلى أن الدبلوماسية الإسرائيلية تمكنت بعد تفجيرات سبتمبر من طمس كثير من الحقائق وإظهار quot;حقائق جديدةquot; على مستوى الرأي العام المحلي الإسرائيلي والعالمي وحتى العربي. فشارون تحول من quot;مجرم حربquot; (وفق تقرير لجنة كاهان، لدوره في مجرزة صبرا وشاتيلا وحرب لبنان الأولى)، إلى رجل سلام يحتفى به في كل مكان، وأصبح الرئيس عرفات من قائد شعب وثورة، إلى quot;إرهابي محاصر في رام اللهquot;.

ويرى مخول أنه لولا اعتماد إسرائيل على quot;الحرب على الإرهابquot; لما كانت حكومة يشغل فيها شخص مثل ليبرمانquot; تحظى بشرعية دولية، ولما تمكنت المؤسسة الإسرائيلية من سن وتشريع قوانين تضيق على الفلسطينيين في إسرائيل بدءا بحرمانهم من حرية الزواج من فلسطينيات من الضفة الغربية وغزة، بحجة قانون المواطنة( سن عام 2005) ، مرورا بالملاحقات السياسية للناشطين السياسيين (رائد صلاح تحت بند محاربة وتمويل الإرهاب، وعزمي بشارة بدعوى الاتصال بجهات معادية خلال الحرب).

ويرى مخول أن quot; محاربة الإرهابquot; توفر للشاباك ( المخابرات) الإسرائيلي أدوات كثيرة لترهيب العرب في إسرائيل ومنعهم من التواصل مع العالم العربي والأمة الإسلامية، ولو أثناء رحلات سياحية أو جولات عمل في الخارج، ومحاولة زرع الخوف في نفوسهم من أن يكون هؤلاء العرب أو من يلقوهم من المسلمين، ينتمون لتنظيم ما يمكن بعد لقائهم اتهام العرب في إسرائيل بالتعاون مع منظمات إرهابية، كما هو الحال مع الشاب راوي سلطاني، الذي اتهمته السلطات الإسرائيلية، مؤخرا بالتعاون مع حزب الله سعيا لمدهم بالمعلومات اللازمة لاغتيال رئيس هيئة الأركان العامة غابي أشكنازي، ويقول مخول إن أكثر من 700 حالة سجلت تم خلالها التحقيق ومساءلة فلسطينيين عن علاقات لهم مع أطراف عربية، التقوا بها خارج إسرائيل.