&
حتى وإن كان الإهتمام بالفلسفة والسياسية أكثر شمولا وجديّة من ما هو عليه، فإنه لن يكون كافيا لتربية الأمة. ولا بدّ من وضع حدّ للاّفهم غير المحدود والذي بسببه انحط الفن، وخصوصا الشعر لدى من يمارسونهما، والذين يرغبون في التمتع والتلذّذ بذلك. ومن قبل كنّا قد أطنبنا في الحديث عن تأثير الفنون الجميلة على تربية الناس، لكن كما لو أنه لا أحد يأخذ المسألة بجدية، وكما لو أن الأمر طبيعي، إذ أنه لا أحد فكر في الطبيعة الحقيقية للفن، وخاصة الشعر. ولم يتمّ تفحّص الشعر إلاّ من خلال جوانبه الخارجية المتواضعة، والتي لا يمكن فصلها بطبيعة الحال عن جوهرها ولا يمكنها مطلقا أن تمثل طبيعته. وقد اعتبر الشعر لعبة ذلك أن يظهر كما لو أنه شكل بسيط للعبة. وإذن، منطقيا هو لا يستطيع أن يحدث فعلا مخالفا لما تحدثه اللعبة، أي التسلية التي تتعارض تعارضا مطلقا مع الفعل الذي يحدثه حين يتجلى في طبيعته الحقيقية. عندئذ يسمح للإنسان أن يستغرق في التأمل. ويعفيه من الراحة، لا الراحة الفارغة، لكن الحيّة ، تلك التي تكون فيها كل القوى مُسْتنْهضة، ومتحفزة، ووحده انسجامها العميق يحول دون إدراك ذلك. إنها تُقرّب بين الناس وتوحدهم، لكن ليس بالطريقة التي تتسم بها اللعبة، حيث الرابطة تفترض أن ننسى أنفسنا، وحيث الخصائص الحيّة للفرد لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تبرز وتتجلى.

لنرَ الآن إذا ما أنا استطعت أن أبلور ما أريد قوله قبل قليل في ما يخصّ الشعر. الرابطة التي يخلقها بين الناس ،كما سبق وأن ذكرت، ليست رابطة اللعبة. وعندما يكون حقيقيا وناجعا، هو يوحد بينهم بأفراحهم وأوجاعهم، ورغباتهم، وآمالهم، ومخاوفهم، وأفكارهم، ونواقصهم ومحاسنهم وكل ما يصنع مجدهم وضعفهم، صانعا رابطة تتوثّق شيئا فشيئا إلى أن تتحوّل إلى كلّ حيّ وعميق بآلاف التفاعلات والإرتباطات. على هذه الصورة ينبغي أن يكون الشعر. لكل دافع نتيجة، أليس كذلك يا عزيزي، والألمان قد يكونون في حاجة إلى ترياق من هذا النوع، حتى بعد نقاهتهم الفلسفية والسياسية . إذ أنه، بقطع النظر عن كل ما تبقّى، تحمل التربية الفلسفية-السياسية في ذاتها عَقَبةَ عجزها عن توحيد الناس في علاقاتهم الجوهرية والضروريّة.، في الحق والواجب. لكن انطلاقا من هنا وصولا إلى الإنسجام البشري ثمة مسافة مديدة. تصميم متقدم، وتصميم خلفي مرسومان بحسب القواعد البصرية لا يقيمان، حتى ولو بطريقة تقريبية، لا ينجزان مشهدا يمكن مقارنته بالمشهد الخاص بالطبيعة الحيّة. لكن أفضل الألمان ما زالوايعتقدون أن كل شيء يمكن أن يُتَدبّر أمره، شريطة أن يكون العالم تناسقيّا. أوه أيتها اليونان ماذا حلّ بعبقريتك، وبوَرَعك؟ أنا نفسي، رغم حسن إرادتي، بفكري وبنشاطي، لا أفعل شيئا آخر غير تتبع هؤلاء الرجال الفريدين من نوعهم في العالم متلمّسا طريقي مثل الأعمى. وإذا في ما كل شيء أقوله، وكل شيء أفعله، أكون أخرق وعديم المهارة، فلأنني أتخبّط في المياه الحديثة مثل الإوز ذي القوائم المريضة، عاجزا عن الإنطلاق إلى السماء الإغريقية! لا تلمني بشأن هذه المقارنة. هي في غير موضعها، لكنها صحيحة. بيننا يمكن أن يمر هذا وبالأحرى أنا لآ أقوله إلاّ لنفسي.&