&
&
في الحادي عشر من شهر أكتوبر-تشرين ألأوّل 1963 توفّي الكاتب،والشاعر والفنّان الفرنسي الكبير جان كوكتو المولودفي الخامس من شهر يوليو-تموز 1889.ورغم الشّهرة التي طبعت مسيرته الأدبيّة ،فإن رحيله لم يلق صدى كبيرا بسبب آنشغال وسائل الإعلام بمختلف أنواعها بفقدان سيّدة الفنّ الغنائي إديث بياف التي توفيّت في ذات اليوم،وبفارق ساعات قليلة. وكان جان كوكتو متعددّ المواهب .فقد أبدع في فنون مختلفة مثل الرواية ،والمسرح ،والشعر والسينما,وحتى الرّسم. ومثل بودليركان أنيقا ،يرتاد الصّالونات الفاخرة ،ويعاشر المشاهير من الكتاب والشّعراء والفنّانين .وإليه يعود الفضل في آكتشاف كتّاب موهوبين من أمثال جان راديغات صاحب رائعة "الشّيطان في الجسد" والذي توفّي وهو في الخامسة والعشرين من عمره.كما انه دافع عن جان جينيه عندما كان معتقلا ،وكتب عنه يقول:”عار على فرنسا أن تترك عبقريّا مثل جان جان جينيه يتعفّن في سجونها".
وفي المجلّد السّابع من يوميّاته الصّادر عن دار "غاليمار" في باريس ،يصف جان كوكتو نفسه قائلآ"أنا شبح في قصر فارغ....ودائما تحدّثت عن نفسي بدقّة".مع ذلك كان يرغب في أن يكون "أمير الشّعراء"،وأن يكون في نفس مستوى شاعريّة رامبو ،وأن يكون "أسطورة حيّة".وباستثناء القليل من أصدقائه المقربين من امثال الممثل جان ماريه،وموريس ساخس،ورايمون راديغات،لم يكون كوكتو رحيما بأحد. ولم يكن يكفّ عن مهاجمة العديد من مشاهير الكتّاب والشّعراء في عصره ،و من السخرية منهم ،ومن أعمالهم بطريقة لاذعة .فسان -جان بيرس "فم قذر"،وشعره "مزيّف".وأندريه بروتون "حقود ويغار منه"،وبول كلوديل "عبقريّ مزيّف".كما سخر من يونيسكو،ومن مورياك،ومن سانت -أوكسبيري ومن كتابه "الأمير الصّغير".ومن خلال يوميّاته ،نعاين أن كوكتو كان يشعر أنه يعيش عزلة قاتلة في بلاده إذ أن الكثيرين يتحاشونه .وهو لا يشعر بالإطمئنان ،ولا يلمس إشراقة عبقريّته الإبداعية إلاّ في البلدان الأخرى التي يزورها من حيت لآخر مثل بولونيا،والسّويد ،وألمانيا وإسبانيا التي يعشق غجرها ،وموسيقى الفلامينكو .وأمّا فرنسا فكانت تبدو له مقفرة ثقافيّا ،وليس فيها ما يستحقّ الإهتمام! وعندما آنتخب في الأكاديميّة الفرنسيّة عام 1955،كان يشعر بالضّجر خلال الجلسات والحفلات التي تقام في المناسبات الكبيرة .وغالبا ما يخرج غاضبا ناعتا أعضاء الأكاديميّة بأقبح النّعوت.ولم يكن يسلم من لسانه أحد لا في فرنسا ،ولا في بلدان أوروبيّة أخرى.وبيكاسو ،صديقه الحميم "عبقريّ لكنه شديد الحماقة لانه لا يفهم عبقريّة الآخرين".وعن جيد كان يقول:”جيد يزعجني وأنا ازعجه .وكل واحد منّا بريئ من ذمّة الآخر...وعلى أيّة حال انا الوحيد الذي كنت أقنعته بقراءة عمل بروست:”البحث عن الزمن امفقود " والذي لم يكن يعيره في البداية أية قيمة".
وكان جان كوكتو قد آلتقى ببروست في عام 1909.وكلّ واحد منهما آرتبط مع الآخر بصداقة عميقة،غير أن هذه الصداقة لم تكن تخلو من معارك ،ومن خلافات .ومرة كتب جان كوكتو عن بروست يقول بنبرة ساخرة:”لا تنتظروا منّي أن ألاحق بروست في هذه الجولات الليليّة التي يعود منهاعند الفجر وقد شبك فرويّته،مزرقّ الملامح،وعيناه محاطتان بالسّخيم،وليتر من ماء ايفيان" خارجة من جيبه،وعلى جبهته سواد،وفردة من حذائه النصفيّ حلّت خيوطها،وقبعته المستديرة المنتتفخة في يده.شبيها بشبح لساشر مازوخ،يأتي بروست بأرقام وحسابات كانت تسمح له بأن يبني كاتدرائيّة في غرفة مغلقة،وفيها يُنبت زهرات النسرين".
&
&
&
&
&
&
&