&
يتميز مجال المستقبليات بأفكاره وأدبياته وتنوع مناهجه، لكن يقل الاهتمام بلغته ومفاهيمه، ويُعد نقص وجود مفاهيم محددة للمستقبليات من أولى الصعوبات التي تواجه طلاب الدراسات المستقبلية، ويعني الجزء الأول من هذه الدراسة الصادر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية بعنوان "الدراسات المستقبلية: إطار مفاهيمي" من تأليف عالم المستقبليات ريتشارد أ.سلوتر وترجمة خلود سعيد، بدور المفاهيم كأسس للرؤية المستقبلية الاجتماعية؛ أما الجزء الثاني فيناقش مختارات من مفاهيم المستقبليات.
وتُوفر مفاهيم المستقبليات والخطاب الذي تدعمه المصادر التي يحتاجها مجال المستقبليات للتخطيط والابتكار الاجتماعي وخلق مشروعات جديدة، كما تساهم في تمكين الناس من تحديد مستقبلهم بأنفسهم ولكن بدون معرفة عملية بهذه المواد الرمزية، لا يمكن استيعاب مجال المستقبليات. وتعد هذه المشكلة المدخلية أحد معوقات إدراك المجال ومعرفته بتوسع. وبالرغم من هذا، فإن أحد فوائد مفاهيم المستقبليات إنها تلقي الضوء على نظم واختيارات كانت غير معروفة وغير مرئية وضبابية. فتُلقي الورقة نظرة عامة على عشرين مفهومًا أو مجموعة مفاهيم علم المستقبليات.&
وربما يتعجب البعض كيف يمكن دراسة شيء غير موجود بالأصل، ولكن لدى علماء المستقبليات عدة طرق للرد على هذه التحديات؛ فيمكن مثلا الاشارة إلى أن دراسات المستقبليات ليست الوحيدة التي تتعامل مع غير الملموس؛ فعلم الجمال والموسيقى والقانون والأخلاق والدين كلها تتعامل مع ظواهر غير مادية، ولكن لا يمكن التقليل من إسهامها في الفهم والإدراك الإنساني.
يقول البعض إن دراسات المستقبليات تهتم بالأساس بالأفكار والمشاعر والأهداف المعاصرة التي ربما تؤثر على المستقبل، بينما يجادل أخرون أن المعرفة البديلة أو التأويلية يمكن أن تحل محل الحقائق المستقبلية، وهي الرؤية المعتمدة في هذه الورقة، يُشير إلى المستقبل باعتباره أحد مبادئ الفعل الحاضر؛ حيث يلقي المصطلح الضوء على التفاعلات الحركية بين الماضي والحاضر والمستقبل. ولكن يظل المستقبل تجريديًا لمعظم الناس.&
وقد أثقلت حكايات الأطفال الذين نشأوا في ظروف صعبة الرؤية القائلة بضرورة تربية الصغار في أسرة مهتمة، وضرورة تقديمهم إلى عالم اللغات والثقافات من أجل إنسان حقيقي، لسوء الحظ يتشبع معظم من شبوا في ثقافات غربية أو مستغربة بافتراضات نمطية تتضمن مفاهيم التفوق الثقافي، والطبيعة كموارد، والنمو بوصفه خيرًا قطعيًا، وأولوية العلوم والتكنولوجيا، وسلطوية الماضي، والاستبعاد الاعتيادي للمستقبل.
تقترح دراسات المستقبليات النقدية أن مثل هذا الفهم الثقافي المتضمن يشارك بفعالية في ظهور الاشكالية العالمية والحفاظ عليها في جميع أبعادها. يعتمد كل جيل إذًا مثل هذه الالتزامات والافتراضات التي تساعد على إدامة النظام العالمي غير المستدام. ويتأثر المجتمع بشدة بعدد من الخطابات السائدة والتي تُلائم تأطير الموضوعات والمآخذ الحالية. يُعد الاقتصاد أحد هذه الخطابات السائدة التي تستخدمها الحكومة للتشريع والتحكم واتخاذ القرار وإدارة الموارد.&
ويُعد الخطاب الأكاديمي أحد الخطابات الجديدة الناشئة في مراحل مختلفة من عملية الشرعنة؛ مثل خطاب السلام والخطاب البيئي والخطاب النسوي، والتي تحاول جميعها شرعنة اهتمام معين من خلال اللغة. يشترك خطاب المستقبليات في هذه الحاجة إلى الحصول على القبول والشرعية، ولكنه ربما يكون أقل تركيزًا على الحصول على أهداف ثقافية محددة لجمهور ناخبين بعينه.
وتوفر مفاهيم المستقبليات للأفراد إذًا أسس خطاب المستقبليات ومنظوره التطبيقي، ولن يتطور الثاني بدون الأول. ولكن الشكل الثاني يقترح أن لأدوات المستقبل ومنهجياته دورها النقدي، فهي تُشكل الخطوة القادمة؛ لأنها تزيد القوة التحليلية لعمل المستقبليات، ولهذا فإن المعاهد البحثية والمؤسسات والجامعات ومستشاري المستقبل الناجحين يعدون جميعًا أمثلة لمؤسسات الاستبصار.
وتُشكل هذه المؤسسات الخطوة التالية من التعقيد والقدرة الاجتماعية، وتُمكن مشروعات وعمليات المستقبليات من المضي قدمًا في مجالات؛ مثل تعليم المستقبليات والتخطيط الاستراتيجي ودراسات القرن الواحد والعشرين. حيثما توجد مؤسسات استبصار كافية تدعم فرقًا بحثية وتنتج أعمالًا على المستوى المطلوب، يُمكن للمجتمع المضي قدمًا نحو الوصول إلى قدرات اجتماعية ومستقبلية واسعة، وبعبارة أخرى، يُمكن للاستبصار الاجتماعي المستقبلي بناء طبقة بعد طبقة من هذه العناصر.
وتناول الجزء الثاني من الورقة؛ مفاهيم المستقبليات وتحدث فيها عن عناصر الأسباب العقلانية عند فعل أي شيء جديد ومنها؛ نظرة إلى النتائج طويلة المدى للقرارات، واختيار بدائل المستقبل اختيارات في الحاضر، وتفضيل التفكير المستقبلي على إدارة الأزمات، وحتمية التحولات المستقبلية، فغالبًا ما ستكون التغيرات المتوقعة خلال المائة عام القادمة بمقام التغيرات التي حدثت خلال الألف سنة الماضية.
وفي الختام ناقش الكاتب فكرة هل دراسات المستقبليات علم بذاته؟ فالدراسات المستقبلية تتواجد؛ لأن المستقبل، كما أشار شيل، مُنح لنا وعلينا الان تحقيقه، وهذا تصريح مُدمر لكنه صحيح للأسف. بطريقة لدينا خيارات محدودة فبينما نمتلك مدى واسعًا من الخيارات التقنية بين أيدينا، أزال تعداد السكان الكبير وحركيات نظمنا الاجتماعية مفهوم أن المستقبل ما هو إلا امتداد طبيعي للماضي والحاضر، ويواجهنا بدلًا عن هذا مدى واسع من الاحتمالات المستقبلية تفرض طلبات جديدة كليًا على الأفراد والثقافات. سواء أحببنا ذلك ام لا، أو كنا مستعدين أم لا، وبغض النظر عن القصور الواضح للمنهجيات الحالية، أصبح المسح المستقبلاتي شرطًا لازمًا للحياة الحضارية.
يُذكر أن الدراسة هي أصلًا فصل من كتاب The knowledge Base of Future studies، وورقة توجيهية لChristian futures consultation في الفاعلية التي عُقدت بتاريخ 20 و21 يوليو 2003 بسان فرانسيسكو، الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان "هل وزارتكم مستعدة للمستقبل؟".
ويعد المؤلف ريتشارد أ. سلوتر عالم مستقبليات بارز يعمل ويعيش في ميلبورن في أستراليا، وحصل على درجة الدكتوراة في المستقبليات من جامعة لانكستر بإنجلترا عام 1982، وكانت أطروحته هذه إحدى أوائل الأطروحات في المجال. وعكف بعدها على استكشاف التفكير المستقبلاتي في التعليم والتخطيط الاستراتيجي والقيادة وتحديد القاعدة المعرفية للدراسات المستقبلية.
&
التعليقات