هم يبكى 00 وهم يضحك

زينب عبد المنعم من القاهرة: أكثر ما يلفت النظر فى الانتخابات البرلمانية المصرية 2005 هو التواجد القوى السافر للإخوان المسلمين رغم حظر النشاط السياسى للجماعة، غزا شعارهم " الإسلام هو الحل " كافة شوارع القاهرة، ووضعوه على لافتات مرشحيهم بلا أية مواربة أو مداراة، هذه هى المرة الأولى التى يحدث فيها ذلك، لكن إذا أخذنا فى الاعتبار أن مرشحى الرياسة فى الانتخابات التى لم يمر عليها سوى بضعة أسابيع قد حاولوا استرضاء الجماعة و كسب أصواتهم، بل و كانوا يحجون الواحد تلو الآخر لزيارة المرشد العام وطلب الدعم منه، ونفس الشىء فعله بعدهم بقليل مرشحو النقابات المهنية، ناهيك عن تناول أخبارهم و أفكارهم بشكل غير مسبوق و بهذا الزخم فى الجرائد الحزبية و المستقلة التى تصدر بالعشرات الآن و تباع على أرصفة الشوارع، و مع هذه الحالة من الحرية التى تصل لحد المرض و السفه الإعلامى أحيانا كثيرة، كل ذلك جعل الجماعة المحظورة تستعيد عافيتها فى الشارع المصرى، و إن كان كثير من الساسة يرون أنها فى الحقيقة قد أخذت أكثر من حجمها 0
خاض الإخوان المعركة بشراسة و خاف منهم المرشحون المستقلون و مرشحى الحزب الحاكم على السواء، و اتجه البعض إلى القضاء لرفع شعارات " الإسلام هو الحل " من الدوائر الانتخابية، و قالوا أن الجماعة توظف الدين لخدمة أهدافها السياسية التى ترمى للوصول إلى مجلس الشعب، و الوصول إلى الحكم فى المستقبل 0

زكاة رمضان و زكاة المال
لمساندة مرشحى الإخوان

فاجأ الإخوان المسلمين الناس فى شهر رمضان عندما أصدرت طالبوا أن تمول الحملات الانتخابية لمرشحيهم من فلوس الزكاة سواء كانت زكاة رمضان أو زكاة المال و أصدروا فتوى بذلك، و استندوا فى كلامهم إلى ما جاء فى كتاب " فتاوى معاصرة " للدكتور يوسف القرضاوى، حيث جاء فى الجزء الأول منه صفحة 289 ما يفيد استعمال سهم " فى سبيل الله " لإعادة حكم الله، وهو ما رد عليه علماء الأزهر الشريف بأنه تحريف للمفهوم من النص، كما أننا لسنا فى حالة حرب توجب ذلك، وقالوا أن الانتخابات مسألة شخصية، و أنه لا يجوز على الإطلاق الخروج عن مصارف الزكاة الثمانية المتعارف عليها، و استعمال مصرف الزكاة الخاص ب " سبيل الله " يجب ان يكون فى سبيل الله حقا لا فى سبيل مرشح من المرشحين 0

نجاح غير مشرف

دخل انتخابات هذا العام فئات عديدة حرص كل منهم على أن يسبق اسمه اللقب الوظيفى : الطيار، اللواء، الصحفى، الدكتور، الأستاذ بجامعة كذا، المهندس، المحاسب، و لكن كل ذلك لم يكن له تأثير كبير على اللعبة الانتخابية، و رغم الملايين التى أهدرت و الصراعات التى استخدم فيها البلطجة أحيانا فقد كان الإقبال أقل من المعتاد و نجح بعض الوزراء فى دوائرهم بنسب 3% و 7% من أصوات الناخبين، و كالعادة حدثت تجاوزات انتهت بشكاوى و طعون يبحثها القضاء الإدارى 0
الشارع المصرى مازال يعيش المولد الانتخابى بضجيجه، و الشائعات لا تنقطع، لا أحد يصدق تلك القصة الساذجة لنجاح وزيرة الشؤن الاجتماعية السابقة فى دائرة الدقى على آخر لحظة خاصة أن التليفزيون المصرى أذاع من قبل خبر دخولها الإعادة مع مرشح الإخوان، ولا أحد يعرف كيف نجحت أسماء عديدة كانت السبب المباشر فى الهجوم على الرئيس مبارك أثناء انتخابات الرئاسة السابقة، وظهر للجميع أنها أصبحت وجوها غير مرغوب فيها، و الناس تضرب كفا بكف حين تسمع عن ناخب ذهب للإدلاء بصوته فوجد أن بطاقته دخلت الصندوق بالفعل قبل و صوله، أو أن هناك بعض الموتى استخدمت أصواتهم و هم فى ذمة الله، كلها أشياء معتادة، نحن فقط الذين نظن أن الدنيا تغيرت، و لذلك أصاب البعض الدهشة حين أعلن أحد المرشحين و نشر فى صحيفته التى يرأس تحريرها أن صندوقا به أكثر من 800 صوتا لصالحه قد تم تهريبه، بالضبط كما كان يحدث دائما من قبل عندما كانت الصناديق يتم استبدالها فى الطريق و تلقى الصناديق الحقيقية فى الترع وتطير الأوراق كالطيور المهاجرة قبل أن تغرق فى المياه، يا خسارة الحبر الفسفورى و الصناديق الشفافة الزجاجية 0

البعيد عن العين

و إذا كانت هذه مخالفات صغيرة تحدث فى دوائر القاهرة بشكل متفرق فما يحدث فى الصعيد و المناطق النائية أكبر، و لكن موجة الحرية غير المسبوقة التى تشهدها الصحافة المصرية جعلت شباب الصحفيين يتغلغلون فى نجوع و قرى بعيدة و يكتبون عن المشهد الانتخابى بكل خباياه، أجمل ما قرأت حكاية تلك القرية التى تقع غرب النيل و التى أسقطت فى الانتخابات السابقة مرشح الحكومة فتم هذا العام الحاقها بدائرة انتخابية أخرى على الجانب الشرقى من النيل، المرشح عن الدائرة لا يعرفهم ولا يعرفونه، و مكان الانتخاب يبعد عنهم 140 كيلو مترا، نعم الانتخابات تأديب و تهذيب و إصلاح 0
من أطرف ما رصدته الصحافة المستقلة أسماء الشهرة الغريبة لبعض المرشحين مثل :زنبوعة و الزعبيطى و شيشة و الزير و أبو لبدة و المزين و الشحات و بلطية و شابون و الحشاش !! هذه ليست أسماء عائلية، بل إن أسماءهم الحقيقية محترمة جدا لكن ماذا نقول ؟ التنافس له أحكام 0
و من أجل ذلك التنافس و كسب الأصوات لعب الفنان الشعبى شعبان عبد الرحيم إذا اعتبرناه كذلك دورا فى دعاية عديد من المرشحين فى مناطق القاهرة الشعبية، حيث يصطحبونه فى الحوارى و الأزقة ليزكيهم عند الناس، هناك فنانون كثيرون استدرجوا لهذا الأمر على سبيل المجاملة لبعض المرشحين، و لكن الأغلبية لعبوا على الكارت الكسبان 00 الفقر، قدموا لناخبيهم الغلابة عبوات السكر والزيت و الأرز، فى بور سعيد حدثت أزمة فى اللحوم لأن المرشحين تنافسوا على توصيلها للناخبين حتى باب البيت ؟
فى مناطق أخرى قدمت الغسالات و الثلاجات هدايا للناخبين، بل قدم البعض هداياه فياجرا، و قيل أن البعض لعبها مخدرات ؟
و تبقى النقود سيدة الموقف دائما، عشرون جنيه، خمسون، مائة، و ترتفع لتصل إلى ألف جنيه فى المناطق الراقية 0
بعد المرحلة الأولى التى شملت 8 محافظات لا زال المولد الانتخابى على أشده فى القاهرة وباقى المحافظات التى سيتم بها الإعادة بين بعض المرشحين، ومازالت هناك 10 محافظات أخرى لم تبدأ بعد، و المفارقات ترسم ابتسامات حلوة و أخرى مرة على الشفاه، و فنانو الكاريكاتير خاصة فى صحف المعارضة و الصحف المستقلة أخذوا راحتهم على الآخر، و زينوا سرادقات المولد الانتخابى برسوماتهم التى تقطر مرارة و سخرية و تعكس إحساس الشارع المصرى بأن هناك مسافة زمنية كبيرة بين حرية الصحافة و الممارسة الديموقراطية الحقة 00 متى نجتازها ؟ سؤال يدور فى ذهن الجميع 0