قراءة اخرى في موضوع قيادة السيارة

سالمة الموشي من الرياض: بالنسبة للنساء يطبق الصمت بقوة على أهم وحتى اصغر القضايا الحيوية التي تتناول حياة وشأن المرأة سواء كان عاديا أو مصيريا، فالخطاب النسائي الإسلامي او نظيره الخطاب الليبرالي لا يجد من يصغي لمطالبه. الكل يتحدث عن قضية المرأة وبأسمها عن حاجاتها مطالبها واستنكاراتها تذرعا بحق ولاية خاصة لم تعد تبقي للمرأة الا الصمت، باعتبار ان المرأة الصامتة امرأة صالحة، بخلاف من لها صوت فصوتها عورة وإسكاتها واجب.
هذا الكلام يقودنا للحديث عن موضوع قيادة المرأة للسيارة في السعودية، فالمسألة لم تعد فقط مسألة الجلوس وراء مقود السيارة، بل أصبحت تعني مفهوما آخر له علاقة صلة بمكانتها الاجتماعية والإنسانية ودورها في الحياة وفي المجتمع. فبقدر ما تقدمه النساء من خدمات كبرى لدعم المجتمعات واستمراريتها، بقدر ما كانت المرأة ولا تزال من أبرز ضحايا الاتجاهات الفكرية والحركات السياسية والاجتماعية التي تتخذ من الدين مرجعية لها، وهو لا يعود لطبيعة الرسالة الدينية التي تبدو من خلال الخطاب الديني السائد، وكأنها قائمة على نوع من التمييز التفاضلي في الأدوار بين الجنسين؟ بل ان المشكلة تكمن في هيمنة البعض من الرجال على مساحة التفسير والاجتهاد مما أضعف من قدرات النساء وجعلهن ضمن الفئات المهمشة، وأبقاهن في موقع التابع وليس الشريك أو الصانع للأحداث والموجه لها؟

المرأة نصف المجتمع، مما يعني أن هناك 10 ملايين امرأة سوف يمسهن القرار التشريعي الخاص بقيادة المرأة للسيارة، فكيف يناقش ويقر أمر يخص النساء، ولم يكن لهن يد فيه، أو لم يكن لهن حول ولا قوة في الاختيار، فمن المستهجن أن يناقش المجلس فكرة قيادة المرأة للسيارة، والمرأة نفسها غائبة وليست ممثلة بعد في المجلس، لا بالعضوية ولا حتى بالحضور.كان هذا ما عبر عنه الكاتب مازن بليلة معبرا عن التوقيت والضوابط في شأن يخص المرأة ويمس كيانها وحياتها الخاصة والعامة و ليس لها دور يذكر في هذا.

المسألة مسألة مبدأ وأخلاق وضمير.. والسؤال: هل المرأة جديرة بالثقة ام لا؟ لماذا يحب البعض دفن رأسه في الرمال ويترك المسألة للزمن.. ذلك الزمن الذي لا يأتي إلا لمن يأتي إليه؟ بهذا يعبر الكاتب مشاري الذايدي، قائلا ان المرأة أصبحت عنوانا لخلاف حقيقي بين رؤيتين تريدان توجيه المجتمع السعودي، وهو خلاف بين من يريد التشبث بالماضي كما هو، وبين من يريد معانقة المستقبل.. كما هو ايضا! انها قصة فرق في التفكير وفاصل في الخيال. وفي هذه المسافة بين العقلين علقت سيارة المرأة السعودية.. وهي أبسط لأنها مجرد حق صغير وتفصيلي وبديهي..

أن المرأة السعودية تخضع لأنظمة قائمة على الأعراف والتقاليد البالية التي تحرمها من أي حق من حقوقها لدرجة أن تلك الأعراف وظفت الدين أسوأ توظيف بما يقوي سلطة الرجل ويبسط هيمنته على المرأة، بحيث تصير ممارسة العنف أمرا مشروعا. هكذا كتب سعيد الكحل تحت عنوان هل أدركت السعودية أنها تحكمها الأعراف، فقال انه أيا كانت أشكال العنف سواء منها ما يأخذ شكل الإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي والاستغلال الاقتصادي وإساءة استغلال الولاية والقوامة، فإنه يسبب أضرارا مادية ونفسية واجتماعية قد يستمر أثرها مدى الحياة. وهذا العنف يرفضه ديننا جملة وتفصيلا.. ولكن هذه الظاهرة لم تحض بالعناية المطلوبة في ظل الأنظمة والإجراءات القائمة حاليا.
إن الخلط الحاصل بين الأعراف والعادات وبين التعاليم الدينية هو السبب الرئيس في معاناة المرأة السعودية التي تؤثر الصمت والتي لا زالت نسبة مهمة من النساء يعانين من الأمية والتهميش والاستغلال والقهر. من هنا بات ملحا على الفئة المتنورة تطوير أساليب النضال الفكري والاجتماعي والسياسي لفك الاشتباك بين ما هو من الأعراف والعادات وبين ما هو من الدين والشرع. اوهي كما عبر عنها الكاتب مشاري الذايدي بأن منع المرأة من قيادة السيارة، يشكل دلالة رمزية مهمة على منعها من الاشتراك في قيادة الحياة، او على الأقل قيادة مصيرها هي، ونحن نعرف ان الذي يقود السيارة يشعر بالأمان أكثر من الذي يركب مع قائد السيارة! عبرة، لا يعقلها إلا العالمون.

صورة نمطية مشوهه عن المرأة
وهي صورة نمطية تحصر نشاط المرأة في البيت كما تشيع عنها أفكارا خطيرة تمس بكرامتها وإنسانيتها، بل وتجعلها مصدر الفساد والإفساد.فمثالا في كتاب " الحديث والثقافة الإسلامية" للصف الثاني ثانوي قسم العلوم الشرعية والعربية، في باب " حقوق الزوجية" يحصرها الكتاب في : المهر، النفقة، الشفقة، الغيرة عليها والأخذ على يدها وصيانتها وتحقيق القوامة عليها. فالكتاب لا يقر للمرأة بكيانها المستقل وإرادتها الحرة وقدرتها على التمييز بين الصواب والخطأ، بل يقدم صورة شنيعة عن المرأة تلخصها العبارة التالية الواردة في الكتاب ( فإن من طبيعة المرأةأنها ضعيفة ولو تُرِكت دون توجيه ودون الأخذ على يدها لفسدت وأفسدت ). وبذلك تتكرس ممارسة العنف ضد المرأة خوفا عليها من أن تُفسِد نفسها، وخوفا منها باعتبارها مصدر فساد المجتمع.

ويتوالى مسلسل الصورة المشوهة في الذهنية السائدة باعتبار غض النظر مفروضا على المرأة وليس على الرجل أيضا وباعتبار ان المرأة مكمن الشر والحية والشيطان الذي يؤونه في بيوتهم لكنهم يتسامحون معه طالما هو حبيس جدران ذارئعهم.
وتتلخص الصورة المشوهة -وهي مدرجة تحت عنوان عشرون مفسدة تجاه المرأة اذا قامت بقيادة السيارة في التالي :
إن في قيادة المرأة للسيارة تسهيلا لبعدها عن عين الرقيب من الأولياء، فربما زيـن لها الشيطان بذلك الاتصال بمن يحرم عليها الاتصال به، أو الذهاب إلى أماكن بعيدة لفعل الفاحشة.

إن اعتياد المرأة للخروج من المنـزل سيـنشأ منه تدريجياً عدم اكتراث الزوج من خروج زوجته وتطبُّعه على ذلك، لأن وجود السيارة مدعاة لكثرة الخروج كما أسلفنا، وسيسأم الزوج من سؤال امرأته كلما خرجت أين خرجت، وعند حصول عدم الاكتراث من الزوج فلا تسأل عن انفتاح أبواب الشر أمام المرأة.

إن كثرة خروج المرأة مدعاة لحصول الشكوك بيـن الزوجيـن، إذ إن الزوج لن يأمن أن تكون زوجته على اتصال بغيره لسهولة وقوع ذلك لما صار أمر خروجها صار بيدها
إن كثرة خروج المرأة من المنـزل سبب في سقوطها من أعيـن الناس المحافظيـن على ديـنهم وقيمهم، فلن يرغب بها الرجال الأخيار، ولو رغبوا فيها فالغالب أن العلاقة بيـنهما لا تستمر، لأنها ستكون مسترجلة.
إن في قيادة المرأة للسيارة فتحاً لباب مسدود أمام النساء المنحطات في ديـنهن وخلقهن لزيادة الشر والرذيلة في المجتمع لما سهُل عليهن التجول في طول البلاد وعرضها، وفي منعهن عن القيادة تضييق عليهن.
. إن مطالبة بعض النساء هداهن الله لقيادة السيارة ليس نابعا من حاجتهن لذلك، وإنما هو تقليد للغرب الكافر.


بين قرار عام 1990 و2005محاولات صغيرة...وضغوط كبيرة

إن عودة القضايا التي تحت الرماد دليل واضح على ان دفن الرؤوس في الرمال ليس مجديا كما ان تجاهلها أيضا ليس واقعيا بما يكفي للانصراف عنها، هكذا عبرت لنا إحدى السيدات
م.ع إحدى اللواتي قمن بقيادة السيارة في ال 90 في كلمة ل إيلاف عند سؤالها هل لازالت لديك نفس القناعات تقول : اولا لا تستغربي رفض إظهار اسمي فقد ظللت أعيش تبعات ذلك القرار بأن نقوم وبعض رفقة بقيادة السيارة في شوارع الرياض في 1990. لقد تغير الكثير منذ ذلك اليوم وربما أصبح أكثر شراسة من قبل، نعم لازلت أعيش ذات القناعات لأنها ليست خطيئة انها حق مدني لكل إنسان مواطن والمرأة مواطنة لها حقوق وعليها واجبات وقد تغير الكثير من مجريات الأمور والحياة الاجتماعية منذ ال90 وحتى ال 2005 واليوم تعود الحكاية ذاتها الى السطح انما بأصوات جديدة ومعارضة ثابته بل ان الامر تطور الى مطالبة بالإقصاء لكل من يصرح عمليا بمثل هذه المطالب كما حدث ل آل زلفة فيما لم يتوانى البعض من المطالبة بالترصد به وقتله.

شهد ايضا مابين العام 1990 وال 2005 تراجع العديد ممن تشددوا في مسألة تحريم القيادة تحريما مطلقا الى اعتبارها قابلة للنقاش وان ليس هناك نص شرعي صريح يحرم قيادة المرأة للسيارة مرورا بما صرح به الشيخ عائض القرني بأنه ليس هناك نص شرعي صريح يحرم قيادة المراة للسيارة مرورا بمناقشته في مجلس الشورى الأمر الذي لم يكن محسوبا قبل سنوات من اليوم.
.