تطوان المغربية من عاصمة للفن والعلم إلى وكر لصناعة الموت

أحمد نجيم من الدار البيضاء: ترتبط مدينة تطوان، شمال المغرب، في ذاكرة المغاربة بالأدب والعلم والفنون البصرية، هذه الحاضرة الأندلسية تقع على بعد أقل من عشر كيلومترات على البحر الأبيض المتوسط، شهدت ولادات، دمرت فأعيد بناؤها أكثر من مرة. لكنها ظلت دوما مدينة للفن التشكيلي، بحث فيها كبار التشكيليين المستشرقين عن ذلك الضوء الشرقي الساحر، وأغرم بها عدد منهم، بها شهد المغرب أول مدرسة للفنون الجميلة، وكانت السباقة إلى احتضان مهرجان للسينما المتوسطية، غير أنها تحولت إليها الأنظار الإعلامية أخيرا لوكر من أوكار تفريخ المجاهدين الحالمين بالفوز بمقعد في الجنة، عبر التجنيد مع تنظيم القاعدة الإرهابي والانضمام إلى فيالق المجاهدين في بلاد الرافدين، فقد كشفت السلطات المغربية عن تلك الخلية البالغ عددها 26 فردا، غالبيتهم من تطوان.
الإرهاب يتغلب على الفن؟
لقد اشتهرت المدينة بتجارة كل أنواع السلع المهربة من مدينة سبتة القابعة تحت الاحتلال الإسباني منذ القرن الخامس عشر، بها أسواق كثيرة يقصدها المغاربة للحصول على سلع بجودة عالية وثمن بخس. تجار تلك الأسواق بدأ يهيمن على تجارتها تجار ذوي ميولات أصولية راديكالية، كما انتشرت في أحيائها الشعبية، شأن المدن المغربية، ظاهرة التدين المبالغ فيه أحيانا. وتحالف التطرف مع التهريب وتجارة المخدرات النشيطة في المنطقة، فمحافظات الشمال أكبر منتج في العالم للقنب الهندي، تحالف هؤلاء ليصبح بعض شباب المدينة يحلمون بالفردوس ويسعون إلى الموت ولو تطلب الأمر الانتقال إليها إلى بغداد.

في البدء كانت مدينة للحياة والعلم والفن
أسست المدينة المغربية في القرن الثالث قبل الميلاد، دمرها الرومانيون، وأعاد بناءها سلطان من بني مرين في القرن الرابع عشر، بهدف تحرير مدينة سبتة، 40 كلم، من الاحتلال الإسباني، غير أنها تعرضت للتدمير من قبل الملك الإسباني هنري الثالث أواخر القرن الرابع عشر. لتاريخ المدينة علاقة غريبة للغاية مع إسبانيا، فبعد تدميرها من قبل الإسبانيين، ستعاد لها الروح من قبل الموريسكيين الذين طرتهم محاكم التفتيش في إسبانيا بعد سقوط الأندلس نهاية القرن الخامس عشر. الولادة الجديدة كانت بفضل وافديها من مدينة غرناطة الأندلسية. فقد حكمها القائد الغرناطي أبو الحسن علي المنظري.


لم تكن المدينة ملجأ للملسمين فقط، بل كانت ملجأ آمنا لليهود الأندلسيين كذلك، وتشهد العمارة الحالية وعادات سكان المدينة حاليا على تلك الحقبة، فالروح الأندلسية مستمرة ليس فقط في طابعها المعماري الأندلسي وأسوارها وأبراجها، بل كذلك في طريقة الأكل واللباس والعادات والتقاليد، كما اشتهرت بموسيقاها الأندلسية. استمرت المدينة في الازدهار، ازدهار لم تكن القوى الاستعمارية الجديدة، إسبانيا والبرتغال، تراه بعين الرضى، خاصة في القرن الثامن عشر، إذ تحولت إلى مركز تجاري وعاصمة دبلوماسية للمغرب.


المدينة التي كان يطلق عليها الشعراء بquot;أخت غرناطةquot; أو quot;القدس الصغيرةquot; ظهر فيها علماء دين وبها ظهرت أولى الصحف بالمغرب، انصهرت فيها الثقافات العالمية من أندلسية وإسبانية وعثمانية ومشرقية وريفية، استقبلت النازحين من الأندلس والجزائر، خلال القرن التاسع عشر، والإسبانيين الجمهوريين بعد الحرب الأهلية الإسبانية.
كانت بداية الاستعمار المغربي من تلك المدينة، إذ شنت القوات الإسبانية حربها على المدينة في العام 1860، وقد خلد الفنان الإسباني الشهير سالفادور دالي، رائد السوريالية، تلك الحرب المدمرة في لوحة شهيرة تحمل اسم quot;حرب تطوانquot;. احتل الإسبان المدينة لفترة طويلة، كانت أولى المدن المحتلة وآخر المدن المحررة أواسط القرن العشرين. خلال فترة الاحتلال الإسباني سنصهر في المدينة نمط ثقافي غربي، هندسة معمارية وعادات وتقاليد إسبانية. تلك الفسيفساء الحضارية والثقافية جعلت اليونسكو تدخل المدينة في العام 1998 quot;تراثا عالمياquot;.
للمدينة مهرجان دولي للفيلم المتوسطي وشواطئ جميلة يقصدها المغاربة والأجانب ومدرسة رائدة في الفنون التشكيلية، غير أن الإرهاب أظهر قوته في التفوق، ولو مرحليا، على الذات المبدعة الراغبة في الحياة.
[email protected]

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الخميس 18 كانون الثاني 2007