نزار جاف وريزين إبراهيم: وأنت تسير قرب الصورة الجدارية للشيخ محمود الحفيد في مدينة السليمانية، يلفت إنتباهك کتب و مجلات متباينة مفترشة على الارض و تجد أعدادا محددة من الناس تقف عندها و تطلع في عناوين الکتب أو تقلب صفحاتها أملا في إقتنائها. أما في مدينة أربيل عاصمة إقليم کوردستان العراق، فأنت تجد هکذا مکتبات تتوزع قرب مناطقquot; شيخ اللهquot; وتجد إقبالا ملفتا للنظر عليها مع ملاحظة ان البعض منها يبيع الصحف الاسبوعية و الموسمية مع الصحف اليومية أو الاسبوعية.

في هذه المکتبات التي تفتقر الى الجدران و السقوف، تجد مختلف أنواع الکتب، إبتداءا من الکتب المدرسية و مرورا بالروايات العالمية و دواوين الشعر المختلفة و البحوث و الدراسات و إنتهاءا بالقصص البوليسية لموريس لبلانquot;أرسين لوبينquot; و لإجاثا کريستي. هذه الکتب تتميز برخصها قبل أي شئ آخر، وقد تجد فيها کتب جديدة و تشعر إن أحدا لم يتسنى له قلب أوراقها، لکنك تجد أيضا کتبا قديمة أو لنقل کتبا تعود للعقود الاخيرة من القرن العشرين کما إنك تجد کتباquot;إسلاميةquot;مطبوعة فيquot;إيرانquot; و تبحث في المجالات و الجوانب المختلفة بحياة الانسان المسلم معquot;تأکيدهاquot;الملفت للنظر علىquot;البعد السياسيquot; للمسائل المطروحة.

أرقام مهمة

بموجب آخر إحصاء لمديرية إحصاء السليمانية في شهر حزيران من عام 2005، إتضح أن عدد سکان مدينة السليمانية قرابة مليون و سبعمائة و أربعة ألف فرد. وبموجب إحصاء المکتبة العامة في السيمانية أجرته من شهر شباط و لغاية بداية شهر نيسان لهذه السنة، قام 1664 قارئ بزيارة القسمين العربي و الکوردي للمکتبة والتي تشکل نسبة ضئيلة من سکان المدينة.

القسم الاکبر من باعة الکتب و المجلات على أرصفة الشوارع مع إنهم مقتنعين بضئالة تلك النسبة، إلا أنهم و في نفس الوقت يعتقدون أن هذه السنة تشهد تصاعدا في نسبة بيع الکتب و الصحف و المجلات أکثر من أية سنة قد مضت. في حين أن بعضا من المثقفين يتحدثون بخلاف هذا الرأي وقد يصل بهم الامر الى حد القول أنquot;الکورد ضد الکتبquot;.

عندما تدور الدوائر بالمثقف!

محمد محمود مصطفى، شاب في العشرينيات من عمره، من مدينة أربيل، أکد أن هذه المکتبات تقدم خدمة ليس بالامکان التغافل عنها أبدا، ذلك إنهاquot;برأيهquot;تمد يد العون للطلبة وquot;القراءquot;المعوزين وتوفر ما يطلبونه بأسعار زهيدة أو متواضعة نسبيا قياسا لأسعارها في المکتبات الاخرى، مصطفى أکد لنا إن هذه المکتباتquot;تضم أفضل الکتب و أجودها، لأنها تعرض کتبا کانت أساسا لکتاب و مثقفين کورد quot;متميزينquot; لکنهم و تحت ضغط الحاجة وquot;لقمة العيشquot;إضطروا لبيعquot;أعزquot; مايملکون و بأسعارquot;أقل من متواضعةquot; من دون أن يقدمواquot;تنازلاتquot;على حساب مواقفهم و مبادئهم بحسب قوله.

باعة الکتب ماذا يقولون؟

(ريبين رفيق قارمان 21 سنة) منذ ما يقارب من ثمانية أعوام يقوم ببيع الکتب و الصحف و المجلات في منطقة السراي بالسليمانية، کما يقول. ريبين الذي قام بعرض عدد من الکتب و المجلات و الصحف على الرصيف، عندما ذهبت إليه کان منهمکا بشکل مستمر بتنظيم المطبوعات التي يعرضها للبيع مع حرصه الشديد أن لا يغطيها الغبار القادم من مرور السيارات بقربه، وکان يمسح بيد مشرئبة بالغبار قطرات العرق عن جبينه فيما کان يقوم بيده الاخرى بصنع تيار هوائي يطرد عنه الحرارة التي مازالت مرتفعة.

ريبين أشار الى تلك المطاليب التي رفعها مع نظرائه من باعة الکتب على الارصفة الى رئيس بلدية مدينة السليمانية کي يفتحون لهم بضعة أکشاك في الاماکن العامة کي يتخلصوا من قيض حرارة الصيف و زمهرير برد الشتاء، وهم بذلك لن تتضرر معروضاتهم من المطبوعات من جراء الامطار أو الرياح. ريبين يقول:quot;أکثر من عدة مرات إقترحنا على بلدية السليمانية کي يخصصون لنا مکان ما، لکنه و لحد هذه اللحظة هو مجرد وعد لم يصل الى مرحلة التنفيذ، و مالم يوفرون لنا تلك الاکشاك فإنه من الصعوبة بيع الکتب و المجلات و الصحف تحت المطرquot;.

ريبين يعتقد إنquot;الناس يهتمون للکتب السياسية و الچغرافية المترجمة و کذلك الامر بالبنسبة للکتب النفسية و الفلسفيةquot;، کما أشار الى أنه هناك والى حد جيد قراء للصحف و المجلات.

أماquot;شيخ أحمد 43 سنةquot; والذي يقوم ببيع الصحف، يقول إنه ومنذ سنين طويلة منهمك بهذا العمل، وعندما زرناه کان مشغولا بالمحافظة على کتبه و مجلاته و صحفه من التطاير من جراء الرياح السريعة نسبيا والتي تشتهر بها مدينة السليمانية و مع ذلك منحنا شيئا من إهتمامه و طفق يتنقل بيننا و بين مطبوعاته المهددة بالتطاير و هو يقول:quot;هذه السنة قياسا الى السنوات السابقة، هنالك نسبة جيدة من القراء الذين يقبلون على قراءة المطبوعات، لکن هذه النسبة في تغيير مستمر و مرات عديدة تقل مبيعاتنا فيما نشهد تصاعدا لها في أحايين أخرىquot;. شيخ أحمد لإثبات صدق ما يدعيه قال:quot;في الايام التي تکون فيها حالة الجو جيدة أي ليست هناك رياح مزعجة أو أمطار، فإن نسبة أرباحي تکون جيدة و أبيع الکثير، أما في الايام الممطرة أو التي ترافقها رياح قوية، فإن عملي يتضرر من جراء ذلكquot;. شيخ أحمدي يرى أنquot;هناك اليوم حرکة جيدة للإقبال على شراء و قراءة الکتبquot; وهو يوضح أيضا بقولهquot;صحيح أن هذا العصر يتسم بالتطور، فهناك الانترنيت و الستلايت و الاقراص المدمجة للحصول على المعلومات، لکن أي منها ليس بإمکانها أن تحل مکان الکتاب من حيث کونه مصدر رئيسي للمعلوماتquot;. و أکد الشيخ أحمد من أن هنالك اليوم ثقافة عامة تنتشر و مصدرها الکتب و قال:quot; القراء کثيرون، لکن يمکن أن يکونوا مختلفين، ويجب أن نقر بحقيقة أن هذا العقد يختلف تماما عن عقود الثمانينات و التسعينات من القرن الماضيquot;، لکنه لم يخفي أيضا من نسبة الکتب المطبوعة مقارنة بأعداد خريجي الجامعات و المعاهد، تبين بأن النسبة غير مشجعة.

الجانب الآخر!

قسم من المثقفين يرون العکس من ذلك تماما، فهم يتصورون أن أعداد الکتب کثيرة لکن القراء قليلون. ومع تأکيد الجهات المعنية بکثرة الکتب المطبوعة، غير انه وفي نفس الوقت هناك بعضا من الکتاب الکورد الذين يعاتبون القارئ الکوردي و يعتقدون أن نسبة القراء في تراجع. وهم يرون أنه لو نظرنا الى قراء الکتب في البلدان العربية فإننا نجد عدد النسخ المطبوعة لا تتجاوز البضعة آلاف، ولو أجرينا مقارنة من هذه الزاوية فإن القارئ الکوردي سيکون الافضل.

ولذلك فإن بعضا من المثقفين و الکتاب ومن خلال أجهزة الاعلام المتباينة يکادون أن يصلوا الى قناعة مفادهاquot;الکورد ضد الکتابquot;.