عمان: وفقاً لسجلات الشرطة، يتراوح عدد الفتيات اللواتي يتعرضن للقتل باسم الشرف بين 20 و 25 امرأة سنوياً.ألقيت أميمة بعد دقائق معدودات من ولادتها في 4 سبتمبر/أيلول في حاوية قمامة، إلا أن الحظ كان رفيق هذه الطفلة غير الشرعية التي سرعان ما سمع صراخها أحد عمال النظافة وأخرجها من قبرها المؤقت ليعيدها إلى الحياة.

وقد تسببت هذه الحادثة، التي تناولتها الصحف المحلية تحت عنوان quot;طفلة حاوية القمامةquot;، في موجة كبيرة من الذهول والصدمة لدى المجتمع الأردني.

وفي حديثه مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) لم يبد سري ناصر، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، استغرابه لسلسة الأحداث التي أدت إلى هذه النتيجة، موضحاً بأن quot;القيم في الأردن أقوى من الحياة نفسهاquot;.

ووفقاً لتصريحات الشرطة، يتراوح عدد الفتيات اللواتي يتعرضن للقتل باسم الشرف، أي لدخولهن في علاقات جنسية غير شرعية، بين 20 و 25 امرأة سنوياً، وعادة ما يتمكن الجناة والمتعاونين معهم من النجاة بفعلتهم بعد قضاء عدة أشهر في السجن.

وتفيد سجلات الشرطة بأنه منذ بداية هذا العام، تعرضت 9 نساء على الأقل للقتل لأسباب مرتبطة بالشرف تتمثل في إقامة علاقات غير شرعية أو ارتكاب الزنا أو الأمرين معا.

وتجدر الإشارة إلى أن جرائم الشرف في الأردن تكتنفها السرية ويتم التستر عليها عادة لكي لا يعلم الناس بأمرها. وتكون ضحاياها عادة من النساء اللواتي تورطن أو يُشتَبه بتورطهن في علاقات جنسية غير شرعية. وتعتبر جرائم الشرف من الناحية التقنية غير قانونية، إلا أن العادات والضغط الاجتماعي يجعلان منها تحدياً كبيراً أمام القانون.

الضجة الإعلامية تولد ردة فعل

إلا أن الضجة الإعلامية التي رافقت قضية أميمة ولدت ردة فعل سريعة من قبل السلطات التي اكتشفت بأن مأساة هذه الطفلة تمت بمشاركة والديها الطبيعيين وجدتها وخالتيها.

وقصتها قصة كلاسيكية: شاب وشابة يقعان في حب بعضهما ثم ترفض أسرة الفتاة السماح لهما بالزواج، مؤدية بذلك إلى ولادة علاقة سرية بينهما تنتهي بحمل الفتاة. ولم يكن بالإمكان إجراء عملية إجهاض حسب ما صرحت به الأم للشرطة خلال التحقيقات. ووفقاً للجيران ولشهادات الأم والجدة، تمت الولادة في صمت في إحدى غرف المنزل عندما كان كل رجاله بالخارج. وساعدت الجدة وأختي الأم في التوليد بنية إرسال المولودة مباشرة من الرحم إلى القبر.

القيم في الأردن أقوى من الحياة نفسها
وفي الوقت الحالي، تعيش أميمة، وهو الاسم الذي أطلقه عليها العمال الاجتماعيون، في أحد مراكز الرعاية مع أطفال آخرين لكل منهم قصة تفطر الفؤاد. أما والديها فسيواجهان تهمة الزنا التي تصل عقوبتها إلى خمس سنوات في السجن، بعد أن اعترف الرجل بدوره في القضية. ويقول الخبراء بأن الزواج هو الطريقة الوحيدة التي قد تقيهما عقوبة السجن.

ولكن الموضوع لا ينتهي عند هذا الحد، فالشرطة تخشى من أن تتعرض أم أميمة للقتل بعد مغادرتها السجن، حيث قال أحد المسؤولين في الشرطة فضل عدم الإفصاح عن هويته بأن quot;ذلك حدث من قبل مع غيرها من الأمهات غير المتزوجات أو الفتيات العازبات اللواتي يهربن ثم يعدن، وسيستمر ذلك في الحصولquot;.
حجز وقائي

ويتم عادة إبقاء الشابات المتورطات في علاقات غير شرعية قيد الحبس الوقائي إلى أن تتعهد أسرهن في وثائق رسمية بعدم المساس بهن. وتشير سجلات الشرطة بعمان بأن 20 إلى 25 امرأة غير متزوجة متورطة في قضايا شرف يتم الاحتفاظ بهن رهن الاعتقال الوقائي. غير أن معظمهن يتعرضن للقتل في غضون ساعات أو أيام من إطلاق سراحهن، حسب تصريحات المسؤولين في الشرطة.

والأمر المثير للعجب هو أن المتهمين في جرائم الشرف لا يقضون أكثر من ستة أشهر في السجن ثم يُطلق سراحهم ويعودون إلى ديارهم ليستَقبلوا استقبال الأبطال.



يعاقب المجتمع الطفل على الذنب الذي اقترفته أمه
وقال ناصر بأن quot;المجتمع يعاقب الطفل أيضاً على الذنب الذي اقترفته أمه. فقصة أميمة تعتبر مثالاً على ما يمكن للمجتمع القيام به من أجل الحفاظ على شرفه. فهذه الطفلة بريئة ولكنها تعرضت لأكبر إساءة بسبب العادات الباليةquot;.

أما جدة أميمة، فقد حوكم عليها بالسجن بتهمة الشروع في القتل بعد أن اعترفت بأخذها للطفلة رغماً عن أمها ورميها لتموت في حاوية القمامة.

من جهته، قال هاني دحلة، مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان، بأن quot;هذا شروع في القتل ويجب أن يتم التعامل معه بحزم شديد. فيجب أن نجعل من هذه المرأة [الجدة] مثالاً رادعاً لغيرها ممن تسول لهم أنفسهم القيام بمثل هذه الجرائم في المستقبلquot;.

وكانت جرائم الشرف في الماضي تعامل بسرية تامة، وفي بعض الأحيان يتم قتل ودفن النساء المتورطات دون أن تعلم السلطات بذلك.

موضوع محرم

وقد أوجدت المجموعات الدينية والاجتماعية صدعاً في جدار الصمت الذي يحيط بهذا الموضوع المحرم. فقد قاد ناشطون حقوقيون حملات توعية لسنوات عدة في محاولة لإقناع المجتمع بأن الحياة أهم من الشرف. كما أدى الضغط الذي تمارسه مجموعات حقوق الإنسان المحلية والدولية في هذا المجال إلى إصدار مسودة تعديل في القانون الجنائي يتضمن إلحاق عقوبات قاسية بمرتكبي جرائم الشرف.

سيمضي وقت طويل قبل أن يحدث تغيير في الأردن بخصوص جرائم الشرف
إلا أن الأعضاء المحافظين والإسلاميين في البرلمان تمكنوا من الحيلولة دون تمرير هذا القانون مبررين ذلك بقولهم بأنه سيتسبب في انحطاط الأخلاق وسيشجع على الزنا.

وقال محمود الخرابشة، العضو السابق في البرلمان والمنحدر من مدينة السلط المحافظة: quot;سيمضي وقت طويل قبل أن يحدث تغيير في الأردن بخصوص جرائم الشرفquot;. وكان الخرابشة أحد الأعضاء الذين عارضوا تعديل بنود القانون المتعلقة بجرائم الشرف مخافة تسرب quot;التأثير المضر للثقافة الغربية إلى الأردنquot;.

وفي نفس السياق، قام رجل يبلغ من العمر 90 عاماً، من منطقة أبو نصير التي تبعد بحوالي 30 كلم غرب عمان، بإطلاق النار في الأسبوع الماضي على ابنته البالغة من العمر 35 عاماً وأرداها قتيلة بعد أن أخبره أحد الجيران بأنه رأى رجلاً يغادر بيته. واعترف الأب بأنه ارتكب الجريمة لغسل شرف الأسرة. وكانت الضحية التي تدعى ختام مطلقة وتعيش مع ابنتيها وابنها بالقرب من منزل أهلها.

وهذه القصة، إن دلت على شيء إنما تدل على أن الشائعات لوحدها كافية بأن تنهي حياة امرأة.
وفي بعض الحالات، أثبت تشريح الجثث بأن الضحايا كن لا يزلن عذراوات، وفقاً لمؤمن الحديدي، رئيس الجمعية الأردنية للطب الشرعي والذي عادة ما يقوم بفحص جثث ضحايا جرائم الشرف.

غير أن هذه الحقيقة نادراً ما تؤخذ بالاعتبار في المحكمة، إذ قال دحلة بأنه من الصعب جداً التفريق بين القانون والأعراف الاجتماعية القوية في الأردن، موضحاً بأن quot;الشرطة والمحكمة تعتبر أن الشك في وجود علاقة غير شرعية يكفي لارتكاب جريمة الشرفquot;.