في 13 نيسان ممنوع تنعاد
شبح الحرب الأهلية اللبنانية في ذكراها الـ 32
عماد الدين رائف من بيروت:تلقى المجتمع المدني اللبناني، هذا العام، ضربة قوية خلال أحداث ما عرف بـ quot;الخميس الأسودquot;، حيث إستعادت بيروت خلال هذا اليوم مجمل مظاهر الحرب الأهلية من حواجز مرتجلة تنظر في بطاقات هويات المواطنين وإنتماءاتهم المناطقية، من ضرب بالعصي وحرق للممتلكات الخاصة، من قنص وقتل. ضربة كادت أن تودي بجهود سنوات متواصلة من التنمية المجتمعية إستمرت منذ توقف مدافع هذه الحرب القذرة لغاية ذلك اليوم المشؤوم، الذي ذهب ضحيته العشرات من المدنيين والعسكريين، ضاعت حياتهم قنصًا على أيدي quot;محترفينquot; متربصين بما تبقى من quot;سلم أهليquot;، يتغنى به الساسة بين الحين والآخر، متناسين أنهم يدفعون بلبنان إلى حرب أهلية جديدة.
جيل لم يعرف الحرب
توقفت الحرب الأهلية اللبنانية منذ 16 عامًا، حاصدة حوالى مئة ألف قتيل، ومئات الآلاف من الجرحى الذين تحول معظمهم إلى معوقين إعاقات دائمة أو موقتة؛ وما زالت هذه الإعاقات شاهدًا على وحشية المتقاتلين من أجل quot;لا غالب ولا مغلوبquot;. ولا يزال كثيرون من الضحايا المستمرة معاناتهم يعيشون الحرب بشكل يومي، فأهالي القتلى والجرحى، أهالي المخطوفين الذين لم يظهروا بعد أحياء أو أموات، المهجرون من منازلهم... ملفات كثيرة لم تقفل بعد، فالحرب إنتهت إلى صيغة غير قابلة للإستمرار، إلى سلم أهلي هش لم يقد إلى quot;الإنصهار الوطنيquot;، الذي استعمل لفترات طويلة كشعار لمحض الإستهلاك الإعلامي. أولئك يمثلون جيلاً عرف الحرب وخبرها، لكن الجيل الذي تلاه، لم يعرف معنى هذه الحرب إلا من خلال الشاشة الصغيرة، أو أحاديث الأهل، فكيف له أن يشارك بهذه الحماسة بأحداث قد تقود إلى حرب أهلية أخرى؟
شباب يملأون الساحات يعلو صدى صيحاتهم ليملأ الأرجاء، ينامون في خيام نصبت على عجل، وأخرى على مهل لتخدم عددًا أكبر منهم، ولتأمن الدفء في ليالي الإعتصام في وسط بيروت. يتحدث سمير عن الإعتصام، ويقول: quot;لا أعتقد أن الإعتصام المعارض هدفه الوصول إلى حافة الحرب الأهلية كما يروج فريق السلطة، فكلها دعايات إعلامية، هدفنا واضح وهو إسقاط هذه الحكومة التي تأتمر بأوامر الأميركيين، ليس لنا مصحلة في التهجم على المواطنين، لكن الدعاية المغرضة المتلفزة تحاول إظهارنا بشكل غير حضاري، لقد مر على الإعتصام أكثر من أربعة أشهر، ويمكنك أن تلاحظ أنه من أكثر التحركات الشعبية حضارية على الإطلاقquot;. في المقابل، لا ترى نهى ذلك، تقول: quot;لقد أثبت المعتصمون وجهة نظرهم، فليتركوا هذه الهمروجة، وليذهبوا إلى بيوتهم،لاتسقط الحكومات هكذا، وحكومة الرئيس السنيورة شرعية مئة في المئة، وهم المرتهنون للمحور السوري - الإيرانيquot;. رأيان يلخصان وجهتي نظر تقاسمتا البلد، تفاقمتا مع تطورات التحقيق الدولي في قضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مع محاولات نزع سلاح المقاومة، مع حرب تموز وإنتصار هذه المقاومة، واليوم مع الإنسداد السياسي، على عتبة ذكرى الحرب الأهلية.
بعيداً عن النظرتين ترى سارة، أن هذه الحكومة تعتبر أسوأ الحكومات التي مرت على لبنان، فهي التي أتت بالحرب الأخيرة بعد أن راكمت مليارات الدولارات على كاهل المواطنين كدين عام ندفع ضرائبه جميعنا. غريب أليس كذلك؟ كذلك رأي بلال العاطل عن العمل منذ سنتين، فهو يحمل الحكومة والمعارضة معًا ما وصل إليه أمر البلد، وما سيصل، وأضاف: quot;إذ إنني على قناعة أن هذا الإصطفاف لن يمر على خير، فالحرب قادمة. يقولون أن 43 في المئة من الشباب اللبناني غادر بحثًا عن لقمة العيش نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، وكذلك إن الأحزاب تأخذ في التسلح بشكل جدي، فما معنى هذا؟ وإلى أين يقود؟quot;. ويقول جمال، ثم يضيف بكلمات أغنية قديمة من جو الحرب: quot;في زحمة الحلول، يتحدث الزعماء عن حرب قادمة، ولكن الزعماء، ويا أسفي لا يعلمون، أن الحرب القادمة... قادمةquot;.
الحرب... ممنوع تنعاد
شباب آخرون نظموا حملة مناهضة للحرب، تضم حملة quot;تنذكر ما تنعاد.. ممنوع تنعادquot; مجموعة من جمعيات المجتمع المدني اللبناني، وقد عقدت في إطار أنشطتها المناهضة لعودة الحرب الأهلية والتقاتل الطائفي، مؤتمرًا صحافيًا، لمناسبة ذكرى إندلاع الحرب في لبنان، أطلقت في خلاله سلسلة من النشاطات والتحركات من ضمنها إطلاق المحكمة الشعبية حول جرائم الحرب، في حضور ممثلين عن هيئات المجتمع المدني والقطاعات الشبابية. وتلت ميادة عبد الله باسم الحملة بيانًا، أشارت فيه إلى أن 13 نيسان يمر هذا العام في خضم تخبط وتأزم واضحين في الساحة السياسية اللبنانية، ولفتت إلى أن بعضهم بدأ يدق نواقيس الخطر، خصوصًا بعد التوترات الأمنية الحاصلة جراء الإنقسامات السياسية والطائفية بين الموالاة والمعارضة. وأصدر المجتمعون بيانًا جاء فيه: quot;إن الحرب الأهلية يعتبرها كثيرون من أعلام السياسة جزءًا من الزمان الغابر، لكنها واقع مستمر وإن بأشكال مختلفة من إستمرار التكتم على المخطوفين والمفقودين واستمرار آلام الضحايا المستمرة للحرب، من المهجرين والمعوقين ومن فقد أهله وأقرباءه واستمرار إكتشاف المقابر الجماعية والتكتم عنها. واعتبروا أن الحرب لن تنتهي سوى بمعرفة كل الحقائق والوقائع التي تحيط بحاضرنا اليوم، ومن يحاول التستر وإخفاء الماضي أو إلغاءه من الذاكرة المجتمعية هو نفسه من قتل ودمر وعذب وخطف، ومحاولتهم تدمير ذكرى الماضي تأتي مباشرة بهدف الإبقاء على سلطتهم، فكيف للجلاد أن يدين نفسه. يتكلمون عن المصالحة والسلم الأهلي كأنه نتاج الصدفة، ويتناسون، ويغفلون عن أن الحاضر ليس إلا إمتدادًا للماضي، ولا مجال للمصالحة من دون المحاسبة. ورأوا أنه لا مجال لبناء ثقافة المواطن ولا ثقافة الدولة الشفافة ولا دولة المؤسسات، إلا من خلال المحاسبة على أخطاء الماضي وجرائمه، فمن قتل شعبه في زمن الحرب لا يؤتمن على بناء السلم، ومن خطف وعذب بناء على التفرقة الطائفية والعنصرية لا يمكن، بل المرفوض أن يكون المؤتمن على بناء الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. فإن كان النظام الطائفي هو من مسببات الحرب، فليتم إلغاؤه. كفى مماطلة وتهربًا. إن من يدافع اليوم عن بقاء هذا النظام، ومن يرفض المساءلة والمحاسبة والشفافية، ومن يريد بناء دولة على أوهام قاصرة، ومن يريد أن يبني نظامًا على وعي جماعي منتقص، هو من يحضر لحرب أهلية جديدة.
التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الجمعة 13 نيسان 2007
التعليقات