نجلاء عبد ربه من غزة: من الواضح أن الفلسطينيين من أكثر الشعوب شغفاً بالشيخوخة.. وهو ما يعني أن يستعجل هذا الشعب كهولته ويتمنى إن يشيخ ويهرم وهو لا زال طفلاً لا يعرف سوى البراءة واللعب.. فهل قتل مرحلة الطفولة والشباب ظاهرة صحية، أم ظاهرة مرضية، وإذا كانت مرضية، وهذا ما يعتقده العديد من الأخصائيين النفسيين، فمن زرعها في نفوس هؤلاء الأطفال ومن المسؤول عنها..!؟
يرى الباحث الإجتماعي quot;محمد عبد القادر العقادquot;، أن الشعوب العربية كافة منذ القديم لا يتعاطفون على الأقل مع مرحلة الطفولة، ويتعاملون بنفس الوقت مع الشباب على اعتبار أنهم سلوكهم quot;مشبوهquot; ينبغي أن نحذر منهم وأن نشكك في كافة أعمالهم، كونها المرحلة الحرجة من حياة الإنسان، ولهذا تجد المجتمعات العربية لا تدع لشريحة الأطفال مجالاً للإبداع والفكر منذ الطفولة، الأمر الذي أثَر سلبياً في كافة مراحل أعمارهم.
ويقول المربي الأستاذ quot;محمد السقاquot;، أن العادات الفلسطينية تختلف عمن سواها من باقي الأقطار العربية، وبالطبع الغربية، فالفلسطينيين يغتالون طفولة أبنائهم حين يدربونهم على ممارسة الرجولة في زمن الطفولة، ولا يهدأ لهم بال إلا بعد أن يدفن أبناؤنا الأطفال طفولتهم في لا شعورهم (مرضاً) مزمناً!
وبحسب السقا الذي تحدث لـ (إيلاف)، quot;فأطفالنا حين يضحكون أو يلعبون كالأطفال يثيرون اشمئزاز الآباء واستنكارهم لدرجة العقاب البدني، بينما الأطفال الذين يُمثلون دور الرجال أو الشيوخ، فهم يبعثون في نفوس آبائهم الفخر والاعتزاز، ويظنون بأنهم نابغون وأذكياء، حتى أننا نلبسهم ملابس الشيوخ والكهول منذ ولادتهم تأكيداً على أملنا فيهم وتعزيزاً لإصرارنا على تنشئتهم وحتى حين نختار أسماءهم، فإننا نختار لهم أسماء الكهول، مع العلم أن الأسماء من حقهم هم، وليست من حقناquot;.
ويؤكد الدكتور هاني أبو يوسف لـ (إيلاف)، أن المجتمع الفلسطيني لم يتمكن من دراسة أثر هذه الفعلة على مجتمعنا، وخاصة أبناءنا، موضحاً أنه quot;من المعروف في علم النفس أن محاولة وأد الطفولة، هي محاولة فاشلة، فالطفولة إذا أخفيت في مرحلتها الحقيقية تعود من جديد مرضاً خلال مرحلة الرجولة أو الشيخوخةquot;، مؤكداً أنه من الخطأ البحث عن الرجولة في مرحلة الطفولة.
وبرأي العقاد، فإذا كانت تلك حالة مرضية عربية لها اثر سلبي في تخلف وإضعاف المجتمعات العربية، فهي في الحالة الفلسطينية أكثر استفحالاً لان قوات الاحتلال الإسرائيلية درست علم النفس على الفلسطينيين دراسة مستفيضة، وقامت بنشر quot;فايروسquot; الشيخوخة والكهولة في المجتمع الفلسطيني، عن طريق قتل الطفولة والشباب في المجتمع الفلسطيني، وهما مرحلتا الإبداع والإنتاج في المجتمع، فمن أساليب الاحتلال دفع المجتمع الفلسطيني كله إلىquot; مقهى المتقاعدينquot; ليحول بينه وبين الإنتاج ومواصلة النضال.
ويرى الدكتور رأفت العوضي المختص في التربية وتعزيز الكادر الفلسطيني أن الإحتلال الإسرائيلي عزز خطتهم بواسطة تشغيل الأطفال الفلسطينيين ومنع من تقل أعمارهم عن الخامسة والثلاثين من السفر أو التنقل أو العمل، وإعفاء من تتجاوز أعمارهم الخمسين من عراقيل الاحتلال، مشيراً إلى أن خطتهم لا تعني التسهيل لكبار السن بقدر ما تعني أن يتمنى الشباب الفلسطينيون الوصول إلى الكهولة.
ويؤكد الأستاذ والمربي السقا، أن مجتمعنا لم يدرك خطورة هذه الظاهرة، ولم يتمكن من علاجها أو متابعتها، فقام بتعزيز هذه الظاهرة دون أن يشعر بها، عندما فشل في إرساء القواعد الوظيفية المحكمة، وترك الوظائف للأهواء والوساطات، لدرجة أن كثيرين من الموظفين المظلومين، الذين لم يأخذوا حقوقهم صاروا يتمنون التقاعد من الوظيفة، وأصبح بند التقاعد المبكر أمنية يتمناها كثير من الفلسطينيين، وهم بذلك يستعجلون الكهولة، ويتمنونها.
ويتساءل الدكتور أبو يوسف، إلى متى سنبقى صامتين على جريمة قفز الأطفال عن طفولتهم، حينما تغتال العادات والتقاليد السليبة في مجتمعنا الفلسطيني منهم معززات طفولتهم، فلا حدائق أو العاب أو فنون، والى متى نطالب الشباب بالوقار والهدوء والسكينة ونقتل فيهم الإبداع والتطور الفكري؟
ويروي العقاد قصة استهجان شاب عندما رأى رجلاً يبلغ الخامسة والخمسين يلبس ملابس الرياضة ويمارس رياضة الجري، وسمعت استنكاراً من شاب آخر عندما شاهد رجلاً يبلغ الستين يشتري (شريطاً) من أشرطة الموسيقى، ومن آخر، استهزاء لأن رجلاً كبيراً قال بعض النكات وقهقه، والغريب بحسب العقاد، أن هذا الشاب لم يستغرب حينما تزوج والده الكبير فتاة تصغره بثلاثين عاماً!
ويشير العوضي لـ (إيلاف) إلى أن بعض المجتمعات تقوم بالاستفادة من طاقة العقلاء الذين يتركون وظائفهم الرسمية وتمنحهم مهمات جديدة تلائمهم، فبعض الدول تجعلهم رؤساء شرف لجمعيات، وبعضها الآخر تمنحهم فرصة لإنماء مواهب الشباب بإرشاداتهم وتجاربهم، وبعضها الآخر تمنحهم مقداراً من المال يساعدهم على تنمية هواياتهم اليدوية والفكرية، وهذه الدول حين تفعل ذلك فإنها لا تقوم به من منطلق العطف والإحسان، بل من منطلق خدمة المجتمع وبناء الوطن، فالدول المتقدمة لا تفهم التقاعد كما نفهمه، فالمتقاعد عندهم مواطن غيّر موقع عمله إلى مكان آخر في المجتمع، فربما يكون أكثر أهمية وفائدة.
التعليقات