الزخرفة في مساجد اليمن .. جمال وتواضع يعكس روحانية الإسلام
عبدالله حزام من صنعاء: تتميز مساجد اليمن ، القديمة منها والحديثة ، بطابع معماري خاص إستمد من الطبيعة يطوع صعبها، ويضع الجمال متلألئاً، لا تفتقد فيه العمارة متانتها وصلابتها واستعصائها على عوامل الإفناء السريع ، وقد لقيت المساجد من اليمنيين عناية فاقت كثيراً عنايتهم ببيوتهم ، من حيث البناء والزخرفة والنقش والتجميل ، ولعل الزخرفة والنقوش كانت من أوسع الفنون انتشاراً في اليمن القديم، ربما لأنه أصلح الفنون التي تناسبت وطبيعة الجحر الذي كان المادة الرئيسية التي استخدمها الإنسان اليمني القديم في البناء.
وتشير الدراسات الأثرية إلى أن مباني الجامع الكبير بالعاصمة صنعاء وبعض المساجد الأخرى مثل جامع زبيد في الحديدة وجامع الجند في تعز قد احتوت على مواد بناء بها نقوش وزخارف ترجع إلى عصور ما قبل الإسلام ، مثل اللوحان المكتوبان بالمسند الحميري على أحد أبواب الجامع الكبير بصنعاء.
وتجد في مساجد اليمن تداخلاً ونماذجاً في المعمار والنقوش والزخرفة لعصور مختلفة وشعوب مختلفة حتى لا يستطيع الناظر أن يميز بين هذا الطابع وذاك ، فيجد أمامه النقش اليمني ، التركي ، الهندي ، الأفريقي ، في صورة مجسدة لإختلاط الشعوب ونماذج الحضارات ، يظهرها بطابع مزيج ، وهي بتنوعها الذي تضيف إلى الأصل اليمني يعطي الكل عمقاً عقائدياً يجسد حقيقة أن المساجد quot; بيوت الله quot; تجمع عباده ، مهما اختلفت ألوانهم أو لغاتهم ، حيث يؤكد ذلك التنوع قدرة الحضارة اليمنية الإسلامية على استيعاب حضارات الشعوب الأخرى ، إستيعاباً يحفظ لكل سمته.
وهكذا نجد مساجد اليمن سجلاً واعياً بطابع اليمن ، حيث يعتبر جامع الجند الواقع في مدينة تعز أقدم مساجد اليمن ، فقد أسسه معاذ بن جبل في العام السادس للهجرة أي في العام 627 ، وقد تعرض لأعمال إنشائية عديدة في مراحل مختلفة ، وحسب الدراسات الأثرية ، فقد أضيف بزخارف الجبس العام 1215 ، إضافة إلى كتابات على الحائط الجنوبي له ، فيما يرجع تاريخ الجامع الكبير بصنعاء إلى نفس تاريخ جامع الجند ، وقد تعرض لأعمال الترميم والتعديل هو الآخر ، ومنها أعمال ترميم السقوف التي يعيدها الأثريون إلى العام 1016 ميلادي ، وبأحزمة الكتابات تحت السقوف ، وكذا القباب الفانوسية الثلاث الموجودة أمام المحراب والتي تعود أيضاً لذلك العصر.
وتوضح الدراسات الأثرية أن مجموعة الأعمدة وتيجانها ترجع إلى القرن الرابع حتى السادس الميلادي ، والباب الموجود بحائط القبلة يعود تأريخه إلى فترة التاريخ القديم ، أما السقوف المصندقة ذات الزركشات المحفورة والمرسومة الفنية والفريدة فلها طابعها الخاص والمتميز.
الجامع الكبير بمدينة زبيد زين بالزخارف الجبسية الفنية والكتابات المنقوشة والتي تعود إلى العهد الطاهري ، إضافة إلى الزخرفة الفسيفسائية التي لا يعرف في اليمن مثيل لها حتى الآن ، حيث تظهر على بعض مقاطع الدعائم في صحون الحرم الشمالية الثلاثة زخارف تعود إلى العصر الأموي.وتظهر زخرفة الورقة النفلية على شكل quot; وريقات النفل الثلاث quot; في زخرفة سقوف مسجد أسناف على بعد 50 كم ، جنوب العاصمة صنعاء والواقع بمنطقة خولان ، والذي يعود تاريخه إلى العام 1125 ، وتشبه الفلقات الثلاث عنقود عنب ما يزال في بداية ظهوره في طرف الساق ، إضافة إلى تشكيلات زهرية مستوحاة من الأسلوب التركي الذي ساد في النصف الأول من القرن العشرين.فيما يشتمل جدار قبلة مدرسة الأشرفية في تعز والتي يعود تاريخها إلى نهاية القرن الرابع عشر الميلادي ، على زخرف عائلة العقيق quot; أشكالاً تسود فيها خطوط عمودية وأفقية quot;.
ويتميز مسجد العيدروس الواقع بمنطقة كريتر بمحافظة عدن ، والذي يعود تأريخه إلى العام 1485 بتصميمه على الطراز الهندي ، وتحتوي مئذنة العيدروس التي تقع ملاصقة للجزء الشمالي لقبة الضريح على تشكيلات حجرية بتناسق وإنسجام فريدين ، وبدت وكأنها كسوة مزركشة لبست للمئذنة.
كما نجد مسجد جوهر بعدن أيضاً قد أحتوى على مجموعة زخرفية ، تتنوع زخارف النوافذ الحجرية تنوعاً من حيث أساليبها وأشكالها ، وأهم تلك الزخارف المحزمة إذ شملت دوائر ومعينات ومضلعات ، يذكر الناظر إليها بالزخارف الحجرية المحزمة في إحدى نوافذ الجامع الأموي.
بصفة عامة تتميز المساجد القديمة في مدينة عدن بالنقوش والزخرفة الإسلامية وحفاظها على نمط العمارة الإسلامية ، وتبرز فيها العقود والأقواس وإستخدام الأعمدة والعقود ، إضافة إلى البساطة والتواضع في تصاميمها ، سواء تلك التي بنيت قديماً ، أو تلك التي بنيت في العقود الأخيرة ، إلا أن بعض المساجد التي أعيد بناؤها مؤخراً على أنقاض مساجد قديمة ، مثل مسجد أبان في كريتر ومسجد الهاشمي في الشيخ عثمان ، أسرف كثيراً في زخرفتها ، وبخاصة من قبل فاعلي الخير أو المؤسسات الخاصة المهتمة بهذا المجال ، مثل مؤسسة السعيد بمدينة تعز ، والتابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم التجارية المشهورة في اليمن.
وفي المساجد اليمنية المشيدة في أسناف ، وجبلة ، والصرحة ، ظفار ، وتعز ، تبرز فيها مجموعة من الأشكال الزخرفية بإضافات جديدة تعكس العلاقات المتميزة بين اليمن ومصر خلال العهود الفاطمية والأيوبية والمملوكية ، من خلال تطور التشكيلات الهندسية الزخرفية في الجص والخشب ، حيث يجري إعادة الأشكال المجردة إلى الحياة اليومية في عناقيد العنب ، وأشجار البن لينتج انسجامه من الجمال الجوهري لكل زخرفة ومن توافق الزخارف فيما بينها ، أياً كانت المواد المستخدمة ، حجر ، أو جص أو خشب ، تتكيف مع الوحدات المعمارية والتي تجلب السرور إلى قلوب الذين يدخلونها.ويعد جامع البكيرية الذي أعادت الدولة ترميمه مؤخرا واحداً من الجوامع القليلة في صنعاء الذي يحكي قصة الزخرفة الجميلة في اليمن .وتعود أصول الزخرفة الجميلة في الجامع إلى العهد التركي ، وهي تعكس جمال ودقة وروعة الألوان التي استخدمت لإعادة الجامع إلى صورته الأولى.
التعليقات