من هنا مر الإسلاميون من قادة العراق الجديد
مدينة قم مصنع التشيع السياسي وازدحام المجتهدين

عبد الرحمن الماجدي من قم - جنوب طهران: الطريق نحو مدينة قم جنوب العاصمة طهران لا يبعد أكثر من 150 كم أي نحو ساعة ونصف الساعة، إذا ماخلا من حوادث الطريق السريع الذي يغري السائقين الإيرانيين بسعته لتجاوز السرعة المقررة دون مبالاة أو حذر من أي مفاجأة. استأجرنا سيارة أجرة تقودها إمرأة لتجنبنا السرعة الجنونية التي يشترك فيها معظم سائقي إيران من الرجال. فاستجابت السائقة التي لم تزر مدينة قم منذ سنوات، ولتقتل ملل الطريق زادت من صوت الموسيقى الراقصة التي كانت لنانسي عجرم متراقصة معها بكتفيها دون أن تفهم معنى كلماتها، رغم شيوع ظاهرة الأغاني العربية الراقصة في معظم مدن إيران في السيارات وعلى نغمات الموبايل.


قبيل وصولنا لقم عدلت السائقة من حجابها فنحن ندخل مدينة قم التي تسمى قم المقدسة وتضم مرقد فاطمة المعصومة بنت الإمام السابع للشيعة الأثني عشرية وفيها أكبر الحوزات العلمية التي تدرس فقه المذهب الشيعي، وتضم أيضاً أكبر عدد من المجتهدين الذي يمكنهم استنباط الاحكام الشرعية بعد سلسلة طويلة من الدراسات والبحوث تمتد لسنوات طويلة لإصدار الفتاوى لمقلديهم الذين يرون انها تبرئ ذمتهم في ممارسة العبادات الإسلامية التي لاتختلف في مجملها بين مجتهد وآخر سوى في تفاصيل دقيقة. وربما شجعت فتوى معينة مقلِّداً على الانتقال لتقليد مجتهد آخر كتحريم التدخين ابتداءً أو تحديد يوم الصيام أو العيد.


كلما اقتربت من مرقدة المعصومة الذي يسمى quot;الحرمquot; كلما زاد وجود المعممين من طلاب علوم دينية أو مدرسين أو خطباء. بعضهم يمشي راجلاً أو يقود سيارة أو على دراجة نارية وهم الأغلب الأعم، حيث يجلس خلف معمم آخر أو زوجته وربما جلست أسرة كاملة على الدراجة نفسها التي يقودها معمم في منظر يبعث على العجب والضحك أيضاً.


سلطة المعممين تتراجع شعبياً هاهنا في معقلهم في مدينة قم وفق ما تسمعه من سكانها بسبب الامتيازات التي يتمتعون بها من رواتب شهرية جيدة كطلاب علم، إضافة للسماح لهم باستخدام لاقط القنوات الفضائية التلفزيونية خلافا لبقية المواطنين الذين يمنعهم القانون من ذلك، وفق ما أكده حيدر الذي يحتفظ في مكان على سطح منزله بلاقط أيضاً إنما ليس بشكل ظاهر. وسبّب هذا الترف الذي يحياه معممو قم ردة فعل شعبية تجاههم حد صياغة نكات أو إطلاق عبارات معينة حين يمر معمم بجمع من الشباب.


لكن موسى الشاب الجامعي يرى أن سلطة المعممين تراجعت بعد أن وصل الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد للسلطة فهو قام بتهميش دورهم، لكنه ساهم من جانب آخر بدعم رجال دين غير معممين من التيار المحافظ. ويستشهد موسى بتجاهل الرئيس نجاد لزيارة الحوزة العلمية أو أي رجل دين معمم حين زار مؤخرا مدينة قم ضمن حملته الانتخابية التي بدأت مع العام الميلادي الجديد. فكان هدفاً لانتقادات صحف المحافظين وربما الاصلاحيين أيضاً.


في حرم السيدة المعصومة كما في بقية المزارات الشيعية يوجد فاصل حول الضريح بين الرجال والنساء ولمنع إكمال الطواف حول الضريح تجنباً للتشبه بالطواف حول الكعبة، وهي تهمة غالباً مايرمى بها الشيعة في زياراتهم لمقامات وأضرحة الأئمة والأولياء، وينفون أنهم يتشبهون في تلك الزيارات بالطواف حول الكعبة.


مدينة قم لما تزل تسعى لتكون المركز الأكبر للشيعة في العالم من خلال الدعم الذي توفره الحكومة الإيرانية ومكتب القائد الأعلى الإمام الخامنئي لها. لكن طالب العلوم الدينية القادم من الهند مهدي رضا يرى أن حوزة النجف في العراق لما تزل مهد ومحط أنظار كل طلبة العلوم الدينية من الشيعة فهي المكان الأول للتشيع الذي لم يتراجع رغم ما تعرضت له هذه المدينة المقدسة شيعياً.
ومدينة قم باتت منذ ثلاثين عاماً مصدر التشيع السياسي حيث تصدّر لمعظم دول العالم خاصة التي تضم اقليات أو أغلبيات شيعية مُبلغين من جنسيات مختلفة يرسخون لدى الشيعة في بلدانهم تمسكهم العقائدي.


في مدينة قم ثمة ظاهرة عراقية جديرة بالتوقف وهي وجود شباب وزعماء سياسيين من معارضي الوجود الأميركي في العراق من أتباع التيار الصدري المتمثل بشقيه تيار مقتدى الصدر quot;جيش المهديquot; وتيار قيس الخزعلي وأكرم الكعبي quot; عصائب أهل الحق، حيث انفصلا منذ عام 2004 ليعمل كل بمفرده في معارضة الوجود الأميركي في العراق. وكل تيار ينتقد التيار الآخر ويحمله ما حلّ به من نكبات.


يقول أحد قياديي عصائب أهل الحق أنهم حلوا في أماكن المجلس الاسلامي الأعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم وحزب الدعوة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي اللذين كانا يعارضان نظام حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ومعهما كثير من التيارات الاسلامية التي ائتلفت ضمن الائتلاف العراقي الموحد أو الائتلاف الشيعي الذي يحكم العراق اليوم.


ولا يسعى هذا القيادي المطلوب للقوات الأميركية في العراق لتقويض الحكم الحالي في بغداد بقدر ما يأمل أن تنسحب القوات الأميركية من العراق ليتمكن مع بقية زملائه من العودة بسلام، حسب تعبيره.


وبعيداً من العراقيين الذي يشكلون بوجودهم ظاهرة واضحة في مدينة قم فإن اللغة العربية في هذه المدينة هي الأكثر استخداما من بقية المدن الايرانية باستثناء مدن إقليم الاحواز جنوباً. فهناك من يرى من الناحية التأريخية أن معظم سكان قم وحتى القرن الثالث الهجري كانوا يتحدثون اللغة العربية، حيث يؤكد المؤرخ العربي اليعقوبي أن أغلب سكانها من مذحج وعلى المذهب الأشعري. ويذكر أن قم كانت أول تأسيسها على قسمين عجمي وعربي يسمى القسم العجمي بـ (كوميندان) والقسم العربي كان يسمى حتى سنة 1359م عربستان أو حسين آباد.


أما سبب التسمية فلا يخلو في بعضه من أسطرة دينية فثمة حديث تتداوله بعض كتب الشيعة منسوب للامام جعفر الصادق يقول: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عليهم السلام قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما أُسري بي إلى السماء حملني جبرئيل على كتفه الأيمن فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء، أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً، من المسك، فإذا فيها شيخ على رأس بُرنس، فقلت لجبرئيل ما هذه البقعة الحمراء التي هي أحسن لوناً من الزعفران وأطيب ريحاً من المسك، قال بقعة شيعتك وشيعة وصيك علي عليه السلام، فقلت: من الشيخ صاحب البُرنس، قال إبليس، قلت: فما يريد منهم قال: يريد أن يصدهم عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ويدعوهم إلى الفسق والفجور، فقلت: يا جبرئيل أهو بنا إليهم، فأهوى بنا إليهم أسرع من البرق الخاطف والبصر اللامح، فقلت: قم يا ملعون، فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم، فإن شيعتي وشيعة علي ليس لك عليهم سلطان فسميت قم..


وثمة قصة أخرى بعيدة عن سابقتها ترى أن قم قد مصرت أيام الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 83 هـ ، ولما انهزم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث (أمير سجستان من جهة الحجاج والذي خرج عليه) فرَّ إلى كابل ، وكان من جملة الفارين معه أخوة هم أبناء سعد بن مالك الاشعري ، نزل هؤلاء في سبع قرى في منطقة قم كان اسم احداها (كمندان) ولما استوطنوها اجتمع اليهم بنو عمهم وصارت القرى السبع سبع

من اليسار الشاعر الايراني صادق رحماني والمترجم والشاعر محمد الامين والزميل عبد الرحمن الماجدي
من اليسار الشاعر الايراني صادق رحماني والمترجم
والشاعر محمد الامين والزميل عبد الرحمن الماجدي

محلات سميت احداها كمندان ثم أسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم قماً وهي مأخوذة من كلمة (كومة) التي كان الفرس يطلقونها على بيوت الرعيان الذين يردون قم للرعي (وهم أول من سكنوا المنطقة).


ليس كل مافي قم مكان للدرس أو العبادة بل تحوي ضمن ماتحويه زوايا للشعر يلتقي فيها شعراء من سكان المدينة يجمعهم هم الشعر ويتبادلون الإلقاء والاستماع فيه والنقد أيضاً، وقد اصطحبنا الشاعر الصديق صادق رحماني لمنزل أحد أصدقائه من محبي الشعر قد يمتد السهر فيه لآذان الفجر حيث يهرع السكان لاداء صلاة الصبح في مقام السيدة فاطمة المعصومة أو ببيوتهم، أو تبدأ ساعة نومهم مع صوت الاذان.


قدسية المدينة لم تبعد عنها فصول الموضة التي في طهران وبقية المدن الإيرانية وهي مثل بقية المدن تحوي في شوارعها الخلفية ماتحويه أخواتها من مظاهر العولمة بكل تفرعاتها التي اجتاحت كل مدن العالم دون وجل من تشدد ديني أو قومي.