من حوزة الفنون quot;هونيريquot; لحوزة العلوم الدينية
إيران الإسلامية ومنزلة بين منزلتين
عبد الرحمن الماجدي من طهران: لا يستقر الحجاب في مكان على رأس صاحبته، فهو يتنقل على قلقٍ كأن الريح تحته فتقلبه ساعةً للخلف وأخرى للأمام حسب الموضة الجديدة في شوارع طهران. وقد تمسكت بعض الايرانيات بفتوى يقال أن مجتهداً شيعياً أباح إظهار بعض شعر المرأة فيها، ليكون تفسير الفتوى حسب المساحة التي تراها الموضة التي لا تستغني عن الحجاب مهما كانت سعته صغيرة أو كبيرة. ولم تعد الإيرانية غير المتشددة تخشى اليوم من شرطيات الأمن الاجتماعي اللواتي كن سابقاً يتصيدن من تظهر شعرها من خلف الحجاب، فقد تراجع دور هذه الشرطة بشكل لافت خاصة بعد حدوث بعض المصادمات بين نساء وشرطيات حاولن اقتياد بعض النساء اللواتي يظهرن أجزاء من إجسامهمن بما يعتبر إغراءً للناظرين.
كما بات سير عاشقين أو زوجين تشابكت أيديهما في شوارع طهران أمراً لافتاً دون أن يستوقفهما أحد لسؤالهما عن نوع العلاقة بينهما. والاختلاط بين الجنسين يبدو لافتاً هو الآخر سواء في الدراسة أو العمل أو النزهة، حيث تزدحم متنزهات طهران وماأكثرها بالعشاق عصراً ومساءً وبالراكضات بملابس الرياضة صباحاً. وربما وجد عاشقان فرصة من عيون الفضوليين للاتصاق في لحظات حميمية قد تتطور لقبلة في ركن خفي من المتنزه. وقد يجد غيرهما فرصة أكبر في ركن خفي لايقاف سيارتهما لعناق وقبلة أطول في شارع ما بطهران أو غيرها.
أكف العشاق ومحبي الفنون تظل متشابكة لم تتفارق خاصة في الإزدحامات التي تزداد هذه الأيام في طهران إستعداداً لأعياد النوروز حيث بداية سنة فارسية جديدة إذ تتراجع قوانين التشدد خاصة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية بعد نحو شهرين، حيث سمح لفيلم المخرج أصغر فرهادي quot;عن إيليquot; بالعرض برغم عدم إجازته من قبل الرقابة لاشتراك بطلته في فيلم أميركي وانتقالها للتمثيل في هوليوود الأميركية بين ظهراني عدو إيران اللدود رسمياً. فالفيلم الذي هو دراما اجتماعية عن الطبقة الوسطى حاز أفضل إخراج جائزة في مهرجان برلين الشهر الماضي أعلن عن عرضه عرضاً خاصاً في quot;حوزة هونيريquot; أي حوزة الفنون التي تعتبر أكبر مقر ثقافي وفني ويضم مكاتب الكثير من المجلات الفصلية والشهرية للكبار والصغار بأكثر من لغة منها مجلة شعر الفارسية ومجلة شيراز الفصلية العربية وموقع الهدهد بالفارسية للفتيان. ومجلات ومواقع أخرى كثيرة.
وكان هذا المكان في الأصل مقر قدس الأقداس للعقيدة البهائية التي لما تزل آثارها في المكان الكبير والذي يضفي على داخله عالماً خليطاً من التحرر والإلتزام. وحوي أكثر من صالة عرض سينمائي للعروض الخاصة. ومايثير أن إجازة العرض الخاص لهذا الفيلم الممنوع جاءت من السلطة الرسمية لفتح المجال لمحبي الفنون لمشاهدته وقد توافدوا زرافاتٍ ووحدانا لثلاثة أيام لم يمنع نفاد بطاقات الدخول فيها من زيادة الوافدين متشابكي الأيدي وسط ازدحام كبير في صالات الإنتظار التي غصت بهم مبتسمين وهم ينتظرون بفارغ الصبر دورهم في دخول الصالة دون أن تبالي النساء خاصة الجميلات منهن بسقوط الحجاب الذي كان مؤهلاً في الأصل لهذه اللحظة خاصة في حين فتح أبواب الدخول للصالة التي لم تعد تكفي مقاعدها لجميع الوافدين والمنتظرين في الداخل والخارج. فافترش الكثير ممرات الصالة ووقف آخرون ولما تزل جموع الشابات والشباب تفد فاليوم هو الثالث والأخير للعرض الخاص. وربما أعاق الازدحام رغبة عاشقة أن تميع برأسها على كتف حبيبها كما في صالات عرض سينمائي أخرى بعيداً عن حوزة هونيري وقد تنحى الحجاب من معظم رؤوس المشاهدات.
خارج صالة العرض السينمائي قالت الشاعرة فريدة التي تظهر بعض شعرها من أمام الحجاب أنها كإيرانية تعيش اليوم مايمكن أن تسميه منزلة بين منزلتين؛ منزلة طالبان المتشددة التي تفضلها بعض الإيرانيات ومنزلة التهتك التي تتمناها بعضهن، مضيفة أن منزلة الوسط هي الأفضل لها وتمنحها الحرية التي تراها مناسبة ولاتعيقها عن الكتابة والعمل والسفر. وهي المنزلة التي تحياها الكثير من الإيرانيات اليوم.
في ميدان فردوسي حيث ينتصب تثمال الشاعر الفردوسي وفي شارع إنقلاب quot;الثورةquot; قد يصادفك مجموعة من الشباب اطلقوا شعر رؤوسهم بقصات مختلفة وربما لمحت ببينهم من وضع المايكاج على وجهه وزجج حاجبيه وزين عينيه بلمسات من الكحل وراح يسير متمايلاً بينهم بقيمصه الاحمر الصارخ بلا تدخل من اي فضولي سوى نظرة من بعض السائحين. وعلى مقربة من هذه المجموعة يسير ثلاثة من طلاب العلوم الدينية يغذون السير نحو درس جديد في العلوم العقلية والنقلية في زاوية أو مسجد بطهران أو بعيداً بنحو ساعة ونصف الساعة نحو مدينة قم المقدسة التي لها شان قادم من هذه السطور. . يتبع..
التعليقات