حنان سحمراني من بيروت: تعتبر السنوات الأولى للطفل من أهم السنوات في حياته من ناحية الإهتمام والرعاية وإكتساب الحب والعاطفة التي من الطبيعي وعادةً ما تؤمنهم الأم له، وخاصة في الأشهر الأولى للولادة حيث يكون الطفل بحاجة ماسة لحضن أمه وحنانها والذي دائماً ما يقوي العلاقة بروابط الحب التي وضعها الله سبحانه وتعالى بينهما منذ خلق البشرية. لكن في حال اضطرت الأم للعمل في وظيفة ما وجعلها دوام العمل تبتعد قسراً عن طفلها في أشهره وسنواته الأولى، فأن الحل في معظم الأحيان يكون بوضع طفلها في حضانة أطفال وفي أحضان مربيات يعوضنه عن حنان أمه وإبتعادها عنه، بتقديمهن له كامل الرعاية والحب والحنان يجعلنه يشعر كأنه بجانب أمه الاساسية التي لم تسمح لها ظروف عملها بأن تكون بجانبه في أشهره وسنواته الأولى.

في سياق ذلك قابلت إيلاف معاونة مديرة حضانة الأطفال ( copains...copains garderie et atelier ) الكائنة في منطقة عين الرمانة الشياح في بيروت، حيث عرفتنا الأخصائية في علم النفس نسرين كنج على دور الحضانة وسبب نشأتها وما تقدمه للطفل والأم معاً من إهتمام وخدمات في دور الحضانة.

المربيات

تقول كنج إن السبب الرئيسي لنشأة الحضانات في لبنان يعود لمساعدة الأهالي وخاصة الأمهات الموظفات اللواتي يضطررن للإبتعاد عن أطفالهن في سنواتهم الأولى بسبب العمل ومواعيده، ويأتي دور المربية بتأمين الرعاية والحب والحنان للطفل ليشعر كأنه بجانب أمه وفي حضنها. وتضيف كنج أن المربيات لا يأخذن دور الأم بالكامل بل يحللن محل الأم كأمهات بديلات في وقت معين لأن الطفل برأيها يحتاج إلى أمه في سنواته الأولى وخاصة في الأشهر الأولى من الولادة لأن التواصل العاطفي بينهما في هذه الفترة يجعله يتعلق ويتعرف على أمه لتمتن العلاقة العاطفية بينهما.

لذلك نجد ان كثيراً من الأطفال الموجودين في الحضانات يتمردون على المربيات ويستخدمون وسائل العنف مع رفاقهم للتعبير عن غضبهم بإبتعادهم عن أمهاتهم، وهؤلاء الأطفال يكون دوام عمل أمهاتهم أكثر من الدوام العادي بحيث يعجز الطفل عن التمييز بين أمه والمربية بسبب قضائه كامل الوقت داخل الحضانة.

أما من جهة الرعاية الصحية التي تقدمها الحضانة للطفل فتكمل كنج أن هناك طبيبا مناوبا يأتي مرتين في الشهر لفحص الأطفال ومعاينتهم ونضع الأهل دائماً في العلم بصحة طفلهم، ولكن إذا ما تعرض الطفل لمرض شبه خطير على الأطفال الباقين فإن الإدارة تستدعي تلقائياً الأهل لأخذه إلى طبيبه المختص أو إلى المستشفى وتطلب من الأهل إبقاء الطفل في المنزل حتى يتم شفاؤه كي لا ينقل عدوى المرض لباقي رفاقه في الحضانة.

وخلال تجولنا داخل غرف الحضانة تحدثنا المربية الحضانية إلينا ضو عن كيفية الإهتمام بالأطفال وطريقة تعليمهم، فهن يقسمن اوقات الطفل بحيث يملأون كامل وقته حتى لا يشعر بالملل ويحس بغياب أمه عنه. تقول ضو إن أهم خطوة للطفل في حضانته هي تعلم النشاطات الثقافية ويأتي تعلم اللغة الإجنبية أولاً بحيث يخرج من الحضانة مكتسبا للغة ثانية بجانب لغته الأم تسهل عليه التكيف في المدرسة، وكذلك يعلم طريقة إمساك القلم ليتسنى له تلوين الرسوم أو كتابة الأحرف. وإلى جانب ذلك تقوم المربيات بتعليم الطفل طريقة النطق الصحيحة وإن كان لديه مشكلة في النطق تتم معالجتها عبر طبيب متخصص بهذا المجال.

وعادةً ما تضع المربية برنامجا خاصا للاطفال ثقافيا أو ترفيهيا، وتخصص له ساعات للراحة حيث تحضر له وجبات الطعام أو ينام. وكذلك تؤمن الراحة الكاملة التي يحتاجها الطفل بحسب ظروفه، وكل طفل يتم معاملته على حسب طباعه وتأثيرات المنزل عليه فهناك أطفال يأخذون وقتا أطول من باقي رفاقهم حتى يتأقلمون على جو الحضانة ويتعلمون المشاركة مع باقي الأطفال، وذلك يعالج من قبل المربية التي تتخذ أسلوب اللين والمسايرة مع الطفل العنيد بحيث توليه اهتماما وعناية زائدة منها حتى يتخطى مشاكله، ودائما ما ينجح الأمر ويتعلم المشاركة ويصبح لين الطباع.

وتضيف ضو أن هناك أنشطة ترفيهية كثيرة يتعلمها الطفل مع مربيته الحضانية فيمارس النشاطات الرياضية في حديقة كبيرة تابعة للحضانة مليئة بالألعاب والمراجيح المخصصة للأطفال، ويتعلم كيفية المحافظة على نظافته ونظافة المكان وطريقة تناول الطعام بالخطوات الصحيحة والمشاركة مع رفاقه في كل شيء.

وكذلك تخبرنا رولا بو رجيلي عن دور المربية في الحضانة فهي تعطي الطفل كل الإمكانات اللازمة خلال تواجده داخل الحضانة بحيث يتعلق بها الطفل وكأنها أم ثانية له، وكثير من الأطفال الرضع يعتقدون أن المربية أمهم فيتعلقون بها عاطفياً ويتعرضون لصدمات عاطفية بعد خروجهم من الحضانة، بعكس الأطفال الأكبر سناً الذين يميزون بين مربيتهم وأمهم فلا تكون لديهم أي مشكلة عاطفية، وفي تلك الحالة تعالج المربيات ذلك الوضع بأسلوبهن الخاص بحيث تجعلهم يتعرفون تدريجياً على أمهاتهم.

فالتواصل ضروري جداً بين الأهل والمربيات في الحضانة لأنه يسهل للمربية التعامل مع الطفل وفهم طباعه ومشاكله، ودائما ما تحس المربيات الأمهات على الإفصاح عن أي مشاكل صحية أو عاطفية يتعرض لها الطفل في البيت حتى يتم التعامل معه ومعالجته بالطريقة السليمة.

وتضيف المربية بأنه هنا يأتي دور الأم لتكرس باقي وقتها بعد العمل للطفل فإذا كانت تترك الأمر للخادمة المنزلية لتهتم بالطفل باقي الوقت بعد إنتهائها من عملها، فإن الطفل سيضيع ويفقد حنان أمه ويعوضه بحنان المربية في الحضانة لأنه يقضي الوقت الأكبر معها وفي حضنها أما إن كانت تكرس باقي وقتها لطفلها فإن الطفل سيشعر بالحب والرعاية ولن يفتش عن حضن آخر يسرق منه الحنان الذي يحتاجه كثيراً في عمره هذا.

ندخل مع المربية بو رجيلي إلى غرفة الطعام لنجد أن عددا من الأطفال يجلسون كل على كرسي مخصص لتناول طعام الفطور وتقوم مربية مخصصة بإطعام الأطفال كل واحد بدوره والغريب أننا نلاحظ أن الأطفال يمتثلون لأوامر المربية ولا يحدثون ضجة ويتناولون طعامهم بهدوء تام. تقول بو رجيلي إن المربية التي تطعم الأطفال لها خبرتها الكبيرة في هذا المجال وطريقتها الخاصة التي تجعل من الطفل يمتثل لها ولا يعارضها ودائماً ما يحضر للأطفال وجبات مغذية وصحية ومحببة له كلّ بحسب عمره.

ومقابل تلك الغرفة ندخل إلى غرفة مخصصة للأطفال الرضع ونجد مربية ترتدي اللباس الأبيض تشبه الممرضة وبجانبها طفل رضيع تطعمه من قنينة حليب تحملها بيدها بإعتناء كامل حتى يشبع وينام. وتكمل بورجيلي أن أهم شيء في الحضانة هو النظافة فهناك عاملات متخصصات بتنظيف المكان ورعاية الأطفال وتغيير ثيابهم عند الحاجة. وكذلك تعقيم الحمامات حتى لا يتعرض الطفل لأي عدوى تجعله يمرض.

والأهل

أما من ناحية راي الأهل وسبب وضع أطفالهم داخل الحضانة بدل المربية المنزلية فنصادف ريتا التي تدخل على عجلة من أمرها لتسليم طفلها للمربية حتى تذهب إلى عملها تقول ريتا ان الحضانة أحسن بكثير من المربية المنزلية لأنها لا تؤمن الرعاية الكاملة للطفل بعكس الحضانة التي يكسب الطفل فيها كثيراً من العادات الإجتماعية الجيدة إلى جانب الأنشطة الثقافية والترفيهية ويختلط برفاق آخرين فيكسبه الثقة بنفسه ويقوي شخصيته..

وكذلك تخبرنا كاتيا أن طفلتها كانت خجولة جداً وكانوا يعانون كثيراً لإطعامها في البيت ولكن عندما دخلت إلى الحضانة إكتسبت معارف وأصبحت تختلط برفاقها ولم يعد لديها مشكلة بالنسبة للطعام وأصبحت تتكلم اللغة الفرنسية بطلاقة، إلى جانب كثير من الأمور التي كانت تعجز المربية المنزلية عن تعليمها لها.

تخبرنا سحر أنها كانت تعاني مع طفلها كثيراً قبل أن تدخله الحضانة فهو عدواني جداً لدرجة الشراسة. ولكن بعد اختلاطه مع رفاقه في الحضانة وأسلوب التعليم من المربيات تغيرت طباعه وأصبح هادئا جداً واختفت ملامح التمرد التي كانت دائماً ترافقه، فلم تعد تتجنب أخذه معها في زياراتها الإجتماعية لأن طباعه أصبحت مختلفة جداً أدهشت أقرباءها ورفاقها وجعلتهم يتشجعون لوضع أطفالهم في تلك الحضانة.

بعد تلك الجولة نجد أن ظروفا وأزمات اجتماعية عديدة تؤثر بشكل سلبي على الاطفال وخاصة الصغار في السن الذين يقلدون الكبار في طباعهم وعاداتهم. وإن لم تعالج مشاكلهم بسن صغير فانها سترافقهم مدى حياتهم وتجعلهم يعيشون أزمات نفسية تسبب لهم التمرد أو الإنطواء على مجتمعهم.

فإن كان بإستطاعة الأم العاملة أن تعطي طفلها ولو قليلا من وقتها فلا تبخل عليه ولو بمقدار بسيط من رعايتها وإهتمامها فإنها تكفيه وتعوضه عن أي أم بديلة في حضانة ما، فلا يعود بحاجة للتفتيش عن الحب في حضانة ما أو يسرق نظرة من الحنان والعاطفة من مربية ما لأن حب وحنان الأم لا يمكن أن تعوضه أي مربية حضانية مهما كانت محبة وحنونة وجديرة بعملها لأنها تعتبر كأم مؤقته وبديلة لأمه لا كأمه الأساسية التي يجب ان تعطيه كامل اهتمامها مهما كانت ظروفها قاسية وصعبة..