طقوس خاصة في استهلاك التمور خلال رمضان
تسلق النخيل .. مهنة أصيلة تتراجع في الجزائر

كامل الشيرازي من الجزائر: لا تزل مهنة تسلق النخيل تنتشر بكثرة في أوساط المزارعين عبر واحات جنوب الجزائر، رغم تراجع ممارستها حاليا واقتصارها على عدد محدود من الأشخاص المتقدمين في السن، ما يرسم تساؤلات بشأن مستقبل هذه المهنة المتوارثة عبر الأجيال، وصارت الآن مهددة بالتلاشي، بفعل عدم تمتعها بأي اهتمام بين الأجيال الجديدة التي تفضل ممارسة مهن أخرى تكون في نظرهم أكثر ربحا و تحصيلا للمال، في بلد ينتج نصف مليون طن من التمور كل عام، أشهرها quot;دقلة النورquot;، أفضل أنواع التمور عالميا.
وتشتهر مهنة متسلق النخيل ذات الصلة بالنشاط الزراعي، في عشر محافظات جنوبية هي:أدرار- تمنراست- تندوف- غرداية- بسكرة- ورقلة- البيض- الوادي- إيليزي وبشار، بفعل كثافة واحات النخيل هناك ويرى في هذا الصدد الحاج بشير (72 عاما) المتمرس بمهنة تسلق النخيل، أنّ الأخيرة من المهن الصعبة، وتحتل بحسبه مكانة هامة على صعيد تطبيق تقنيات زراعة ورعاية النخيل المثمر، ويضيف الحاج لـquot;إيلافquot; أنّه عادة ما يقوم عقب الانتهاء من عملية جني التمور بمعالجة وتنظيف أشجار النخيل المثمر وذلك بإزالة الأوراق الجافة (الجريد) باستعمال منشار أو آلة حادة كما يقوم بنزع الليف (بقايا جذع النخلة) واستئصال بقايا العراجين الجافة.
ويشرح الحاج أنّ مهنة تسلق النخيل لا تقتصر على جني التمور، بل تتعدى ذلك وتستمر لأشهر طويلة متصلة، بدءا من شهر مارس-آذار من كل عام، حيث يتم استخدام مسحوق الطلع لتلقيح أشجار النخيل المنتج، وهي خطوة على قدر كبير من الأهمية تمارس دائما بالطرق التقليدية من طرف متسلقي النخيل الذين عادة ما يرددون أثناء هذه العملية، أهازيج تراثية مصحوبة باستخبارات تقوم على الصلاة والتسليم على النبي محمد، أملا في أن تعطي النخلة إنتاجا وفيرا من التمور.
وينبّه الشيخ إسحاق (67 عاما) من منطقة ميزاب (650 كلم جنوبي العاصمة)، أنّ عموم متسلقي النخيل يقلمون عراجين التمور ويعدلونها، كما يتوخون الرقابة الدائمة لنمو عراجين التمور التي يتم وضعها فوق الجريد الأخضر للنخلة بغرض ضمان توازن العرجون بطريقة مريحة، تحميه من أي انكسار محتمل بفعل ثقل وزنه قد يضر بما يحمله من محصول.
ويعمد متسلقو النخيل إلى معالجة النخيل من الطفيليات والحشرات الضارة التي عادة ما تصيب محاصيل التمور، ما يتطلب توفر مهارات خاصة تفرض جلب عاملين من مناطق بعيدة، واللافت أنّ هؤلاء غالبا ما يقترحون أسعارا زهيدة بحسب عدد النخيل المرغوب في تسلقه.
ويجمع الممارسون على كون تسلق النخيل مهنة مرهقة بدنيا وهي تتطلب أن يتمتع ممارسها متمتعا بلياقة عالية وطول نفس يسمح له بالوصول إلى أعلى قمة النخلة، مزوّدا بالمستلزمات الضرورية، ويتعلق الأمر بالآلة القاطعة أو المنشار أو المنجل، وهي معدات توضع داخل حافظة مصنوعة من القماش الخشن، ويلجأ متسلق النخلة أيضا ومن باب تأمين نفسه من أخطار السقوط، إلى الاستعانة بحبل من الحجم الخشن يتحزم به أثناء عملية التسلق حيث يشد به حزامه بجذع النخلة بطريقة تمكنه من الصعود والنزول بشكل مريح وآمن.
ويوضح الشاب جلول (38 سنة) أحد محترفي متسلقي النخيل، أنّ هذه المهنة خطيرة، لكن سلطات بلاده لم تصنفها إلى غاية الآن ضمن حوادث العمل، فضلا على كونها غير خاضعة لشروط التأمين كغيرها من باقي المهن الأخرى، ما يجعل غالبية متسلقي النخيل يعانون من سوء وضعهم المعيشي، ويطالبون بترقية مهنتهم إلى جانب استفادتهم من الرسكلة عبر التكوين المستمر وتعميم تقنيات زراعة النخيل، حتى يتم تفادي الحوادث التي قد يتعرض لها المتسلق.

وتبعا لتحولات اجتماعية -اقتصادية متسارعة، والمبالغ المتواضعة التي يتقاضاها ممارسو هذه المهنة، برزت حاليا مشكلة العثور على متسلقي النخيل وصارت تطرح بحدة في مواسم جني محاصيل التمور التي عادة ما تنظم في فصل الخريف أي خلال الأشهر الأخيرة من كل سنة حيث تحتاج هذه العملية إلى خبرة مهنية تضمن سلامة المحاصيل، حيث يجنح أصحاب الاختصاص إلى ربط عرجون التمر قبل قطعه بواسطة حبل وإنزاله إلى الأرض بطريقة سلسة تضمن تماسكه، فيما يتم وضع قطعة كبيرة من القماش بحوض النخلة للحفاظ على حبات التمر المتساقطة، كما يشرع المتسلقون بداية من شهر يوليو-تموز من كل سنة في جني الكميات الأولى من التمور من نوع quot; النصف الناضجquot; المعروفة محليا بـquot;المنقرquot;، وهو صنف يقبل عليه السكان بكثرة ويتم طرحه للبيع بأثمان غالية.
ويعتبر متتبعون لمهنة تسلق النخيل، أنّ عدم الاهتمام أثر كثيرا عليها، خصوصا مع نفور الجيل الجديد منها وهو ما خلّف تناقص اليد العاملة المحلية من شريحة الشباب، ما يستدعي التركيز أكثر على وسائل التحفيز والتنظيم عن طريق إدماج وسائل عمل جديدة وعصرية تمكن ممارسي مهنة تسلق النخيل من العمل في ظروف أفضل وأكثر سلامة، على نحو يساعد كذلك على إدامة هذه المهنة التقليدية التي خلفها الأسلاف في مجال نشاط زراعة النخيل.
وفضلا عن مكانتها لدى الجزائريين في سائر الأيام، فإنّ التمور تحظى بشعبية أكبر على مائدة رمضان، ونادرا ما تخلو الأخيرة من التمور، حيث يقبل الصائمون على الإفطار بتناول التمر واللبن في أغلب الأحيان، قبل أداء صلاة المغرب، ويحرص أرباب البيوت على جلب كميات كبيرة من quot;دقلة نورquot; وهي النوع المشتهر محليا، والطقس الشائع هناك أن يتم استهلال الإفطار بالتمر، ويقدّم الأخير بالبيوت والمساجد والميادين العام رفقة أكواب اللبن والحليب، ومهما اتجهت عبر المناطق الجزائرية، تجد تغليبا دائما لتمور (دقلة نور) والحليب التي يفتتح به الإفطار يوميا.
يُشار إلى أنّ الجزائر تمتلك 4.7 مليون نخلة منتجة وتتموقع كثاني أكبر مصدّر للتمور عالميا بعد تونس، بمعدل إنتاج يفوق 550 ألف طن.
وتتبوأ محافظتا غرداية وبسكرة الريادة لاحتوائهما أكبر وأجود منتجات التمر، سيما quot;دقلة النورquot; أفضل أنواع التمور عالميا التي تستورد معظمها دول أوروبية وتستفيد منه الجالية المسلمة، خاصة في شهر رمضان من كل عام.