روميو روفائيل - ايلاف : يمر مدرب المنتخب البرازيلي دونغا ومدرب المنتخب الارجنتيني دييغو مارادونا وهما اللاعبان المميّزان الفائزان بكأس العالم حاليًا بحظوظ متناقضة كمدربين مبتدئين. فدونغا استطاع أن يؤهل منتخب البرازيل إلى نهائيّات كأس العالم لكرة القدم التي ستقام في جنوب افريقيا الصيف المقبل، على الرغم من أنه ما زالت لديه مباريات متبقية سيلعبها ضمن التصفيات،علمًا أن دونغا فاز مؤخرًا مع منتخبه ببطولة كأس اميركا الجنوبية وكأس بطولة القارات. وفي الوقت نفسه، فإن نظيره، مارادونا، الجالس على المقعد الساخن لمنتخب الأرجنتين يواجه خطر فقدان فرصة التأهل لنهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ 1970، وربما مركزه بعد ذلك.

لماذا استطاع أحدهما أن يقوم بالتدريب بكل سهولة، والآخر يتخبط؟

من غير ريب، فإن المقارنة بينهما قد تكون غير معقولة من ناحية واحدة مهمة. فقد كان لدونغا المزيد من الوقت لترسيخ قدميه مع منتخب البرازيل. أما مارادونا فقد تولى إدارة منتخب الأرجنتين الذي كان في ورطة بالفعل في محاولة للتأهيل لمونديال 2010، وكما أشرنا في موضوعنا السابق، فإن سلفه الفيو باسيلي استقال بعد فوز واحد في سبع مباريات مع أنها كانت الأسهل من المباريات التي يواجهها مارادونا.

دونغا، في الوقت نفسه، تم تعيينه مباشرة بعد نهائيات كأس العالم الماضية، وتمتع بما يقرب من عام كامل من المباريات التجريبية قبل مواجهته أول مباراة رسمية. وبينما تم إلقاء مارادونا في عمق المشاكل، فإن دونغا كان يمكنه أن يستعيد زخم البرازيل من المشاكل البسيطة التي كان يعانيها المنتخب في ذلك الوقت.

مارادونا يصافح دونغا وحظي دونغا أيضًا ببعض لحظات حاسمة من الحظ. الأولى كانت في عام 2007 في مباراة نصف النهائي لبطولة quot;كوبا أميركاquot; عندما أهدر اللاعب الأوروغواي بابلو غارسيا ركلة جزاء ترجيحية. وهذا الاهدار تسبب في عدم خروج البرازيل من البطولة وربما عدم سقوط دونغا. وبما أن منتخب البرازيل بقي في المنافسات بعد فوزه بركلات الجزاء الترجيحية، فقد عاد إلى وطنه بكل اعتزاز بعد فوزه 3- صفر على الأرجنتين في المباراة النهائية.

وبعد أكثر من عام تقريبًا من تلك البطولة، عكست هذه النتيجة عندما التقى المنتخبان الكبيران في أميركا الجنوبية في الدور قبل النهائي الأولمبي. البرازيل كانت تمر بمرحلة سيئة في تصفيات كأس العالم، إذ شعر الكثيرون أنه فقط من خلال الفوز بالميدالية الذهبية، البعيدة المنال، فإنه ستبقي دونغا على قيد الحياة. ولكن الجولات التالية من التأهيل لنهائيات كأس العالم جاءت بعد وقت قصير من دورة الألعاب الأولمبية، لذا لم يكن هناك مجالاً لاحلال مدرب آخر بدلاً من دونغا الذي فتحت إليه حياة جديدة حيث استطاع الاستفادة منها بصورة كاملة.

وربما مع مقارنته مع مارادونا، فإن دونغا محظوظ جدًا لأنه يمكن الاعتماد كليًا على حارس مرمى مثل خوليو سيزار والظهير مثل لوسيو. الأرجنتين لا تملك شيئاً مماثلاً، فإنها منذ سنوات طويلة لم تنتج حارس مرمى من الطراز العالمي. ومنذ اعتزال روبرتو ايالا اللعب دوليًا، فإن لديها نقصًا حادًا في مركز الظهير الوسط. وعدم تسجيل الأهداف ضد البرازيل قد يسبب ازدياد هامش الخطأ لدى دونغا ويعزز من ثقته العالية بنفسه. ومرة أخرى كان عليه أن يشكر العملاقين في خط دفاعه وحارس مرماه.

قبل حوالى خمسة أشهر خسرت الأرجنتين 6-1 أمام بوليفيا في ارتفاعات لاباز. وقبل ذلك بأيام قامت البرازيل برحلة إلى المرتفعات لمواجهة الاكوادور، وكان من الممكن أن تخرج مهينة على قدم المساواة، إذ إن المباراة بأكملها كانت في منطقة جزاء البرازيل، ولكن خوليو سيزار وقف صامدًا وخرجت البرازيل بنقطة التعادل.
ومن الواضح أن وضع كل نجاحات دونغا على الحظ هو مجرد هراء. وعدم خسارة أي فريق لمدة طويلة مثل الذي قدمه أعضاء منتخب البرازيل معاً قد تعود نتيجته بشكل واضح إلى الكفاءة والإلتزام. ربما، مع الوقت والرياح العاتية الشاذة، مارادونا قد يكون قادرًا على القيام بشيء مماثل.

ولكن هناك فَرْقًا مهمًا بين المدربين. فقد قيل لمارادونا منذ أن كان في سن المراهقة إنه شيء خاص. أما دونغا فقد اعتادعلى استماع العكس تمامًا.

في نهائيات كأس العالم لعام 1990 سُخر من لاعب خط الوسط المدافع دونغا واعتبر رمزاً للقيود التي تسببت في خسارة البرازيل. دونغا تماسك نفسه وطور مهارته. ويجب الاعتراف أنه كان قد نما بصورة مريحة جداً بالاستحواذ على الكرة وعمل بجد لتحسين تمريراته حتى أصبح حلقة الوصل الرئيسية بين خطي الدفاع والهجوم في الفريق الذي استولى على قمة مونديال أميركا 1994. وعندما رفع كأس العالم عالياً، فلقد كانت لكابتن البرازيل مختارات من بعض الكلمات موجهة إلى أولئك الذين انتقدوه وخفضوا من قيمة ومقدرة منتخب البرازيل.

ويبدو هذا نموذجًا للرجل الذي سمي quot;دوبيquot; (بليد) نسبة إلى القزم في quot;الأميرة (بياض الثلج) والأقزام السبعةquot;، ولكن تسميته بـquot;الغاضبquot; أو ربما quot;المشاكس الكبيرquot; قد تكون الأنسب إليه. فقد اقتحم طريقه في الحياة التي بدات كأنها تغذيها الرغبة مرة أخرى لصد منتقديه.

تلك هي الروح المعنوية التي أخذها دونغا معه لقيادة منتخب البرازيل. أصوات الاستهجان تعالت ضده، الدعوة لعزله من منصبه، انتقاده لاختيارات تشكيلة الفريق، لم يرق لهم أسلوبه في اللعب، ملايين تستطيع أن تفعل ذلك هكذا كان منتقديه يقولون، ولكنه لم يغير نهجه شبرًا واحدًا، واستمر في العمل بالأسلوب الذي يرغبه.

وهذه الإدانة الكبيرة ساعدت في تفسير سبب استطاعة دونغا من تأهيل البرازيل لنهائيات كأس العالم مستخدمًا 36 لاعبًا في 15 مباراة. أما مارادونا فإنه قام باستخدام 30 لاعبًا في 6 مراحل منذ إدارته لمنتخب البرازيل، مع احتمالات كثيرة لقيامه بتغييرات أخرى.

في وقت مبكر من تدريبه لمنتخب بلاده، قال دونغا إن واحدًا من أصعب الأمور للتحول من لاعب إلى مدرب هي اكتساب الصبر. ولمارادونا هذا هو بالتأكيد أكثر صعوبة. أولاً، من الواضح أنه كان أفضل لاعب، وثانيًا يبدو أنه الشخص الذي يعمل مع العاطفة.

وفي مربعه في الهجوم في استاد بوكا جونيورز كان ينزع قميصه ويجري ملتفًا كالدوامة كأنه يقود هتافات الجماهير مليئاً بلحظات الانفعال والعاطفة. وكلاعب، مارادونا كان استراتيجياً كبيراً، ولكن مما لا شك فيه أن أداءه كان مدعومًا بقدرته على استيعاب عاطفته مع نشاطه البدني. ولكن كمدرب، لا يستطيع فعل ذلك. فماذا يفعل؟ قام بتغيير تشكيلة الفريق: 3 حراس مرمى في 6 مباريات، طريقة غريبة لمشاركة البدلاء، اختيار بعض اللاعبين لأسباب عاطفية، إما لأنه يبدو قريبًا جدًا منهم، أو نتيجة منطقية للحماقة القومية انطلاقًا من أن اللاعبين المحليين سيعطون أكثر من قدراتهم من أجل بلدهم!

كل هذه التغييرات لم تقربه من أن يحصل على تشكيلة متكاملة. وقد يكون مختلفًا في جنوب افريقيا عندما سيضطر إلى التقيد بتشكيلة من 23 لاعباً... ولكن عليه أن يصل إلى هناك أولاً.