مي إلياس وصبري حسنين من القاهرة: في الجزء الثالث والأخير مع حواره مع إيلاف، يرفض الفنان الكبير محمود ياسين تصنيف السينما إلى أفلام نظيفة وأخرى غير نظيفة، مشيرًا إلى أن السينما صناعة وتجارة تضم الجيد والرديء، بما يناسب جميع الأذواق والأفكار. وأكد أن الدراما تعيش حاليًا أزهى عصورها، لافتًا إلى أنها لن تسحب البساط من تحت أقدام السينما.
وإتهم الدولة المصرية بالانشغال عن المسرح بالأوبرا، مما أدى إلى توقف تقديم العروض وإغلاق بعض المسارح. معلنًا أنه سيعود إلى السينما من خلال فيلم جديد يحمل عنوان quot;جدو حبيبيquot;.

ـ أنت ترى أن الدولة هي السبب في تدهور صناعة السينما بإخضاعها لنظام الإقتصاد الحر؟
هذا هو الحق الذي يرفض الجميع قوله، فهل يعقل النظر إلى السينما باعتبار أنها ليست صناعة استراتيجية، على الرغم من أنها تشكل العقول، وأميركا تغزو بها العالم ثقافيًا، فضلاً عن أنها تشكل ثاني مصدر للدخل القومي لها، إنه من الخطأ محاولة بيع أكبر وأعرق شركتين للسينما، وعندما فشلت الصفقة، تم اتنزاعهما من وزارة الثقافة، وضمهما إلى وزارة الإعلام، على الرغم من أن الأولى ترعى مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي يعتبر من أكبر عشرة مهرجانات على مستوى العالم، أنا في غاية الإندهاش مما يحدث، مصر من أوائل الدول التي عرفت تلك الصناعة، و يتجاوز عمرها أكثر من 120 عامًا، وسبقت فيها ألمانيا وإسبانيا، بل هناك من يقول إنها سبقت أميركا أيضًا، مصر واحدة من الدول القلائل التي امتلكت مقومات هذه الصناعة مبكرًا، نحن لدينا معهد تمثيل يتجاوز عمره 60 عامًا، في حين تجاوز عمر أكاديمية الفنون 55 عامًا، أي أن لدينا مؤسسة علمية فنية عريقة تخرج سنويًا الآلاف من الشباب الموهوبين، اضافة إلى معهد الموسيقى العربية، الذي يصل عمره إلى 55 عامًا أيضًا، إضافة إلى شركتي quot;مصر للاستديوهات والمعاملquot;، و quot;مصر لدور العرض والتوزيع الخارجيquot;،اللتين تعتبران ركيزة أساسية للصناعة.
ـ هل تعتقد أن صناعة الدراما التي ازدهرت خلال العقدين الماضيين شكلت فرصًا بديلة لجيلك عن السينما؟
جيلي كان محظوظًا أكثر من جيل رشدي أباظة، أحمد مظهر، محمود المليجي، عماد حمدي، حيث عملنا في الدراما أيضًا، التي تعيش في عهدها الذهبي حاليًا،وعلى الرغم من ذلك أجد بعضهم يتساءل: لماذا تنتجون 70 مسلسلاً فى السنة؟ ولماذا كل هذه الأعمال الدرامية في رمضان؟ وكأنه يحاول تقويض هذه الصناعة، التي يعمل بها عشرات الآلاف، فضلاً عن أنها تفتح فرص عمل للأجيال الجديدة من خريجي معاهد التمثيل، الإخراج، التصوير، السيناريو.
ـ لكن النقد ينصب بالأساس على تقديم كل هذا الكم خلال شهر رمضان فقط؟
يعتبر شهر رمضان منذ سنوات بعيدة موسماً أو سوقاً للدراما، التي كانت في البداية دراما إذاعية، فكانت إذاعات الشرق الأوسط، البرنامج العام، الشباب والرياضة، و صوت العرب تتنافس فيما بينها في تقديم المسلسلات الإذاعية. ويحرص صناع الدراما الذين يعملون فيها طوال السنة على أن تذاع أعمالهم خلال الشهرالفضيل، حتى تحظى بنسبة مشاهدة عالية جدًا، وبالتالي اعلانات أكثر، وعلينا أن نؤمن بأنها صناعة وتجارة أيضًا والمنتجون والموزعون يعملون فيها من أجل الربح، وهذا الشهر يعتبر موسم جني الأرباح.
ـ يحلو لبعضهم تصنيف الأفلام السينمائية إلى quot;سينما نظيفةquot; وأخرى quot;غير نظيفةquot;، كيف ترى هذا التصنيف؟
إنها تصنيفات واهية، لا وجود لها في الواقع، لأن السينما كصناعة وتجارة تضم جميع الأفلام، لترضي جميع الأذواق، أنها كسوق كبير، وعندما يدخل أي فرد إلى السوق، يجد فيه جميع الأصناف بدرجات متفاوتة في الجودة، وكذلك السينما، يوجد بها الأفلام الهابطة والمبتذلة، والأفلام التي تقدم فكرة، لكنها غير مصنوعة جيداً، وهناك الجيد من حيث الصنعة، ولكنه رديء من حيث الإبداع السينمائي، وعلى المشاهد أو المستهلك أن يختار ما يناسب ذوقه وفكره.
ـ يلامس المخرج خالد يوسف في أفلامه الواقع بشدة، ويرى بعض النقاد أن في ذلك واقعية سوداء، فهل تتفق معهم؟
خالد يوسف مخرج مبدع، يحاول دائمًا بأفلامه تحريك المياه الراكدة في صناعة السينما، ويطرح أفكارًا مغايرة سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، لكن تبقى أفكاره هذه مفيدة للمجتمع وللصناعة، ويجب علينا دعمه، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى أنه تعلم وتدرب على يد المخرج الرائع يوسف شاهين، الذي قدم مجموعة من روائع السينما العربية، وكنت أتمنى العمل معه، إلا أن الحظ لم يحالفني، وأذكر أنه (شاهين) حضر إلى صبيحة يوم جمعة، ووقف بسيارته أسفل العمارة التي كنت أقيم فيها، وأخذ يطلق quot;زمورquot; السيارة بشكل متصل، وأرسل لي البواب، حتى أنزل وأحدثه، وعندما فعلت، أخرج لي بإنفعال جريدة، وأشار إلى خبر فيها يقول إن محمود ياسين وقع عقد لبطولة فيلم جديد بإسم quot;نحن لا نزرع الشوكquot; مع الفنانة شادية، وكان الأسبوع الماضي قد نشر خبر آخر في الجريدة ذاتها يقول إن محمود ياسين وقع عقدًا لبطولة فيلم quot;الأختيارquot; مع يوسف شاهين، وكان غاضبًا جدًّا، لدرجة أن لسانه كان ثقيلاً، وأخذ بالتأتأة، ثم اصطحبني إلى استديو الأهرام، وجعلني أوقع على بند جديد في عقدي معه يحظر على العمل في أي مشاريع فنية أخرى لمدة عام لحين الإنتهاء من تصوير فيلمه، وطلب مني الأعتذار عن فيلم quot;نحن لا نزرع الشوكquot;، وعندما فعلت، فوجئت به يقول لي إنه فسخ عقدي معه.
وكدت أضربه في ذلك اليوم، لأنه خدعني، وتسبب في خسارتي للفيلمين، وكنت لا أزال في بداياتي، وبكت زوجتي في ذلك اليوم، ولكن حدث ما لم أتوقعه، حيث فوجئت بشادية و المخرج حسين كمال يعلنان تمسكهما بي بطلاً لفيلم quot;نحن لا نزرع الشوكquot;، وقدمنا الفيلم الذي صار من علامات السينما العربية، وكرسني كبطل أول في السينما. وحينها قالت لي شادية لو عملت مع شاهين لن تصبح نجماً، واليوم أنظر الى الوراء وأِعر بأن هذا الكلام صحيح والدليل أن هناك فنان كان بطل أغلب أفلام شاهين لكنه لم يلتحق بنجوم الصف الأول.
ـ بدأت بتقديم فن المسرح في فترة الدراسة الجامعية، وقدمت مجموعة من روائع المسرح العربي فيما بعد، لكن أين أنت من المسرح حالياً؟
كنت من رواد المسرح حيث قدمت مسرحيات رائعة في المسرح القومي، وعملت مديراً له، وقدمت أعظم وأشهر المواسم في تاريخه، مع كامل الإحترام والتقدير لسيدة المسرح العربي سميحة أيوب، التي ترأست المسرح القومي لمدة 11 سنة، منها ست سنوات كان مغلقاً لاجراء إصلاحات فيه، لكني أجبرت على الأستقالة منه أنا ونور الشريف، حيث كانوا يريدون من سعد الدين وهبة وسميحة أيوب الرحيل عنه أيضاً، بحجة أنهما يمتلكان شركة انتاج سينمائي، ولما طلبت منهما ادارة المسرح الاستقالة قالا إن محمود ياسين ونور الشريف لديهما شركتي انتاج أيضًا، فطلب محمد الدسوقي وهو ابن اخت أم كلثوم، والمشرف على المسارح في ذلك التوقيت، تقديم الاستقالة أو اغلاق شركتي الانتاج، قلنا له أن المسرح بيتنا الذي تربينا فيه، ولا نرغب في الرحيل عنه، ونحن لا نهتم للرواتب، واذا طلب منا العمل سوف نعمل بدون أجر، لكنه رفض، واضطررنا إلى تقديم الاستقالة، لانه لم يكن واردًا أن نغلق شركاتنا، حيث كنت أنتج فيلم quot;الجلسة سريةquot;، وكذلك نور الشريف كانت لدى شركته فيلم تعمل فيه.
ومن عملوا في المسرح القومي منذ أن التحقت به وحتى الآن، لم يقدموا مسرحيات تضاهي تلك التي قدمتها أنا، رغم انني لم أكن متفرغاً له بإستمرار، نتيجة لظروف عملي، ومن المهم الإشارة إلى أن المسرح القومي من أعظم صروح الإبداع المسرحي في العالم، بل أعظم من مسرح quot;كوميدي فرنسيهquot; في باريس، والمسرح الإنجليزي، حيث عمل به عمالقة المسرح العربي مثل جورج أبيض، يوسف وهبي، حسين رياض، و الأخيرعندما دخلت المسرح كان مايزال موجوداً، وعملت معه، وكنت مبهوراً بأدائه، وقدمت رواية quot;عودة أوديبquot; تأليف الدكتور فوزي فهمي، وكان أول نَصّ مسرحي له، وquot;عودة الغائبquot;، وquot;ليلة مصرع جيفاراquot; التي تعتبر أشهرعرض مسرحي في تاريخ العالم العربي، من تأليف ميخائيل رومان، الذي يعد واحد من أعظم من كتبوا المسرح في العالم أيضاً، وأنا عندما أقول ذلك على كاتب مصري، أمنحه حقه فقط، فنحن لدينا كتاب مسرح عظماء مثل يوسف إدريس، صلاح عبد الصبور الذي قدمت له مسرحية شعرية quot;ليلى والمجنونquot;، هذا هو المسرح الحقيقي الذي ترتبيت عليه، لكن ما يقدم حاليًا لا علاقة له بهذا الفن، ويذكر للفنان فاروق حسني وزير الثقافة أنه حاول اصلاحه، فأحضر محمد صبحي، لتولي إدارة المسرح، فوضع خطة للنهوض به، لكن ما زاد من تدهور الأحوال أن الوزارة انشغلت بالأوبرا، ورغم أنه مبعث فخر لنا جميعاً أن تعزف أبزر العروض العالمية على خشبة مسرحها، وأن تأتي إلينا الفرق الأوبرالية العالمية للعزف في القاهرة، إلا أنه ما كان ينبغي أن يكون ذلك على حساب المسرح، الذي صار يعاني من ضعف التمويل، ما أدى في النهاية إلى إغلاق العديد من المسارح، ونتمنى أن يجد المخلصون لهذا الفن مخرجاً له من تلك الأزمة.
ـ كانت هناك محاولة من جماعة الإخوان لاختراق المسرح من خلال نص quot;الشفرةquot;، ما تعليقك؟
سمعت بهذا الكلام، وأنا ضد كل من يعمل في اطار فكري ـ سواء جماعة أو فرد ـ يعزل الناس عن التفاعل مع الفنون، وفي الوقت نفسه أنا مؤمن بضرورة أن تتاح الفرصة لكل ذي وجهة نظر أن يعرضها، لكن دون أن يرفض فناً عريق مثل المسرح.
ـ ما آخر أخبار فيلمك الجديد quot;جدو حبيبيquot;؟
يقول بسعادة: إنه فيلم quot;شرباتquot; بمعنى أنه كوميدي لطيف، كتبته زينب عزيز زوجة المخرج علي إدريس باسلوب شديد الإتقان، وتظهر روحهما معاً فيه، وهذا الفيلم يأتي تأكيدًا على أنني لم ابتعد عن السينما.