على الرغم من الإنقسام الحاصل في سوريا بين مؤيِّدٍ للنظام ومعارضٍ له، إلَّا أنَّ موسيقى وأعمال زياد الرحباني إستطاعت أنّْ توحدهم تحت رايتها.


دمشق:زياد الرحباني فنان لبناني اشتهر بموسيقاه الحديثة ومسرحياته السياسية الناقدة التي تضخّم الواقع اللبناني الحزين بفكاهة عالية الدقة، وتميز أسلوبه بالسخرية والعمق في معالجة الموضوع، كما إنه يعتبر طليعيًا وشيوعيًا وصاحب مدرسة في الموسيقى العربية والمسرح العربي المعاصر.

الحدث السوريدفع شباب سوريا إلىالاهتمام أكثر بالأوضاع التي تمر بها البلاد، فلا وقت للاسترخاء وسماع الموسيقى، ولكون الانقسام أصبح حالة عامة، جعلت من السوريين فئتين بين مؤيد للنظام ومعارض له، إلا أن القاسم المشترك بين الفئتين عند اجتماعهم في المقاهي والكافيتريات هو سماع موسيقى زياد الرحباني وأغانيه، ويبدو الأمر ملحوظاً بشكل أكبر حين يتم تحميل أغاني ومسرحيات زياد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وسواء كان من يحمّل الأغنية مؤيداً أو معارضاً، يسجل في صفحته عدد كبير من ملاحظات الإعجاب على صفحته ومن الطرفين.

ربما غياب الأغنية السياسية على مدى وقت هو السبب في ذلك، خصوصًا وأن المجتمع السوري عاش فترةً طويلة من السلم والاستقرار وتحلى بالأمان، وعندما عصفت الأحداث الحالية بالبلاد، قدمت أغاني وطنية وسياسية كثيرةمع تدهور الأوضاع، ولكن غالبيتها لفنانين غير معروفين.

تحدث طارق لـquot;إيلافquot;، وهو طالب في كلية الهندسة، وقال إن ما يميز زياد الرحباني عن غيره من الموسيقيين، هي البساطة التي يعمل بها، فهو قريب جداً من الناس ويتكلم بلسانهم، بمعنى أن مفرداته هي نفسها مفردات الإنسان البسيط أينما وجد.

الآنسة رنا تقول quot;يوجد تاريخ يجمع بين الرحابنة ومدينة دمشق، ونحن السوريين بالعموم نستيقظ على ألحانهم، فيشاركوننا فنجان القهوة الصباحية، من فيروز وعاصي ومنصور وزياد وإلياس الرحباني، إنهم عائلة موسيقية نادرة، وتعني السوريين بشكل كبيرquot;.

وعلى الرغم من برودة الطقس هذه الأيام، والهدوء النسبي في حماسة جمهور الأغاني بشكل عام، إلا أن زياد يبقى بنظر عشاقه ومحبيه هو الأمير، ويذهب لؤي خريج ماجستير في الفلسفة إلى أن quot;زياد رائع كالعادة، وأي شيء من الرحابنة هو عظيم ومبهر، فهم مدرسة متأصلة في الموسيقى، ومن الصعب التكلم عن زياد، وما نشعر به تجاه أعماله لا يوصف، فهي حالة من السحر، وهو كالسهل الممتنع في كلماته وألحانهquot;.

وتضيف إلهام، التي لم تكن تعرف زياد الرحباني قبل حفلته في دمشق عام 2008 في احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية قائلةً: quot;لم أكن أسمع زياد الرحباني قبل الحفلة، ولكنني أحببت الموضوعات التي غناها في الحفل من خلال الموسيقى الخاصة جداً به، وبعدما رجعت إلى أغانيه القديمة، أحببت بساطة تقديمها. أما مسرحياته فأنا الآن صرت أفهمها أكثر، فهو يتكلم عن الانقسامات في المجتمع وعن الحياة اليومية والمعيشية من (غاز ومازت)، وكأنه يحاكي الواقع الحالي في سوريا، أنه متنبئ بالفعلquot;.

لاقى زياد الرحباني جمهوره الكبير في سوريا في صيف 2008 عندما أقام حفلات عدة في العاصمة دمشق ضمن فعاليات دمشق عاصمة الثقافة العربية، وذلك على مسرح قلعة دمشق، واستمرت الحفلات لخمسة أيام متتالية، زاد فيها عدد الحضور عن 4500 شخص كل ليلة، بعدما كانت والدته السيدة فيروز قد عادت إلى دمشق من خلال عرض مسرحية صح النوم خلال الاحتفالية نفسها.

وعبّر زياد في نهاية كل ليلة من ليالي الحفل في دمشق عن دهشته لمقدار الشعبية التي يحظى بها في سوريا، مستغربًا من أن الجمهور بكامله يحفظ أغانيه كلها كلمة كلمة، طالبًا منهم - بروح نكتته المعهودة - بأن يتبادلوا الأدوار مع الفرقة الموسيقية، مما جعله يتحمس ليعيد الكرة عام 2009، ويلتقي جمهوره السوري من جديد في حفلة استمرت لليلتين، وحملت اسم quot;منيحة...quot;، ذلك اللقاء الذي توّج زياد الرحباني أميراً في رحاب قلعة تختزن التاريخ العتيق وجمع السوريين الذين أحبوه حتى الجنون.

يتكلم خالد عن سر سماعه للفنان زياد الرحباني في الفترة الأخيرة قائلاً: quot;زياد بنظري قمة في الإبداع من خلال موسيقاه ومسرحياته، وتشعر بأنه يوصل الفكرة التي يريد بكل الطرق، ومن دون وجود أي حواجز بينه وبين المتلقي، وخصوصاً الجيل الشاب، لدى زياد شعبية كبيرة عند السوريين، فهو ابن فيروز وعاصي. تشعر به وكأنه يجلس معك في بيتك، وكأنه صديقك المقرب، فهو يحاكي همومك وأوجاعك وفرحك، كل هذه الأمور يتحدث عنها زياد بعفوية مطلقةquot;.

ولد زياد في 1 يناير 1956، أمه هي نهاد حداد المغنية ذات الشهرة العالمية والمعروفة بفيروز، ووالده هو عاصي الرحباني، أحد الأخوين رحباني الرواد في الموسيقى والمسرح اللبناني، لكن كلا الأبوين لم يظنا أبدًا أن مولودهما هذا، سيتحول إلى شخصية مثيرة للجدل في عصره، من خلال موسيقاه وشعره ومسرحياته.

وأدرك والده الموهبة الموسيقية لزياد، بعدما رآه يدندن لحناً انتهى إلى أذن عاصي، فسأله: quot;أين سمعت هذا اللحن من قبل؟!!quot;، فكانت إجابة الصغير: quot;لم أسمعه مطلقًا، بل هو يتردد في ذهني منذ حينquot;.

وكان أول ظهور لزياد على المسرح في المسرحية نفسها أي quot;المحطةquot;، حيث لعب فيها دور الشرطي. كما ظهر بعدها في quot;ميس الريمquot; بدور الشرطي أيضاً، والذي يسأل فيروز عن اسمها الأول والأخير، وعن ضيعتها في حوار ملحن. وفي المسرحية عينها، قام زياد بكتابة موسيقى المقدمة، التي أذهلت الجمهور بالرتم الموسيقي الجديد الذي يدخله هذا الشاب على مسرحيات والده وعمه.

بعدها توالت المسرحيات، ولكن بأسلوب مختلف جداً عن الأسلوب السابق (الرحباني)، حيث اتخذت مسرحيات زياد، الشكل السياسي الواقعي جداً، الذي يمسّ حياة الشعب اليومية، بعدما كانت مسرحيات الأخوين رحباني تغوص في المثالية، وتبتعد قدر الإمكان عن الواقع، ويعيش فيها المشاهد خيالاً آخر وعالمًا آخر. هذا ما لم يقبله زياد لجمهوره، وخصوصًا أن الحرب الأهلية كانت قد بدأت.

بخلاف حفلاته، فقد غلف زياد مجموعة أغانيه وألحانه بمقاطع تمثيلية ساخرة واسكتشات عديدة، مضفياً عليها من روحه النقدية الحادة، كي تصل الفكرة الأليمة في قالب من الضحك المتواصل، مما يضاعف تأثيرها لدى المتلقي، ويبقيها طرية في ذاكرته لمدة طويلة، وما يقال عن الفقرات التمثيلية يصحّ على بعض الأغاني، التي يحفظها جمهوره عن ظهر قلب، ويكاد ينافس زياد في أدائها بطريقته الخاصة.

يقول رافي صاحب محل لبيع الكاسيت إن سوق بيع أقراص الأغاني خفيف، ولا إقبال على الشراء نظراً إلى سهولة التحميل من الانترنت، إضافة إلى الجو العام، ولكنني لاحظت في الفترة الأخيرة الإقدام على شراء السيديهات الخاصة بالفنان زياد الرحباني القديمة منها والجديدة، والغريب أنني أبيع كاسيتات زياد لغالبية الشباب السوري من طرفي الصراع، منهم من يشتري، وهو يلبس تي شيرت عليه صورة الرئيس السوري بشار الأسد، ومنهم من يتمتم في المحل ويتباهى بأنه (مندس)، أي أنه ينتمي إلى المعارضة في سوريا.

وتختتم مها، التي تدرس في أحد معاهد الموسيقى الخاصة، بأنهاتكن محبة كبيرة وقديمة لكل عائلة الرحابنة، مشيرةً إلى أنها تعرفت إلى زياد في السابق عن طريق التسجيلات الصوتية فقط، إلا أنها تشعر بالسعادة عند حضورها حفلاته في دمشق وبيروت، معتبرةً أنه فنان يعمل على مسرحة أغانيه بطريقة عفوية وصادقة ومحببة.

وأضافت بأن زياد فنان رائع وبسيط، وهذا ما جعل كل الشعب السوري يحبه، فهو يمثل أفراد المجتمع بكل أطيافه، إنه يمتلك مفاتيح قلوب، فهو يبكي ويضحك في الوقت نفسه، وكلامه يلامس هموم المجتمع وأحلامه.