كان للحكم الصادر بحق الفنان، عادل إمام، وقع كالصدمة على الكثير من المبدعين في العالم العربي، ولا يخفي البعض منهم قلقه على مستقبل حرية الإبداع جراء ذلك، وهو المنحى نفسه الذي تسير فيه قراءات عدد من الملاحظين الغربيين، الذين يؤكدون أن الربيع العربي أتى ولم يختف معه من يسمّون quot;بأعداء الحريةquot;.


باريس: عبّرت الفنانة، لطيفة أحرار، عن استيائها من متابعة الفنان، عادل إمام، قضائيًا على خلفية أعمال فنية نال بفضلها شهرة واسعة في أوساط الجماهير العربية.

وقالت أحرار في حديث لـquot;إيلافquot;:quot;أنا مستاءة جدًا، وشيء غير متوقع أن يمسّ نجيب محفوظ، ومن بعد ذلك ينتقلون إلى عادل إمام، فكيف يعقل أن نحاكم فنانًا يقدم رؤية إلى المجتمع، ومن خلالها يحاول أن يطرح قضايا وموضوعات؟quot;.

وشرحت بطلة مسرحية quot;كفر ناعومquot; دور الفنان بكونه quot;لا يعني أنه يتخذ موقفًا من هذه القضايا، وإنمايتقمص حالات اجتماعية وأيديولوجية، ويحاول تقديمها في قالب فني تسمع بموجبه أصوات جميع الشخصيات، وكل الألوان التي تتواجد في المجتمعquot;.

وتعلق أحرار على هذا الحكم بقولها quot;هذا يذكرني بمحاكم التفتيش واللائحة السوداء quot;للمكارتيزمquot; وأشياء لا يتقبلها العقل، لأنها تضعنا أمام إشكال، هل الفنان حر أم يجب أن يكون آلة في يد سلطة أو حكم؟quot;.

وتقول أحرار quot;إن الربيع الذي يعيشه كل بلد عربي، بحسب تركيبته، جاء من أجل خلق فرصة لإسماع صوت الفرد، لأن الخطر في مجتمعاتنا أن نسمع صوت الجماعة قبل الفرد، نحن الآن محتاجون لإسماع صوت الفرد كصوت حر، كلسان حر، كجسد حر، كعقل حر، يفكر ويتقاسم أفكاره مع آناس آخرين، ومن ثم يشكلون جميعًا الوطنquot;.

وتضيف أحرار، في السياق نفسه، quot;أن نكون أقليات من أجل أن نكون قليات فهذه بلقنة للأفكار، وأنا ضد بلقنة الأفكارquot;، متمنية quot;أن يزهر هذا الربيع، وإن كان دمويًا فأحيانًا، أفكارًا حرة مستقلة تعطينا مجتمعًا يحترم الفردquot;.

وإن كان على نخبة الفنانين والمبدعين أن تتزن سياسيًا في المرحلة الحالية حتى توفر لمجالاتها كل الضمانات التي تحفظ للعمل الإبداعي صيرورته، ترى أحرار أن العمل الفني quot;لا يحتاج ضمانات، فهو ليس سيارة أو طائرة، إنه يتحدث عن أحاسيس، وليس بعملية رياضيةquot;.

وتقرّ في الوقت نفسه بأن quot;هناك أشياء علمية في الفن، لكن تظل الأحاسيس هي الأولىquot;، وتوضح أحرار أن لغة المشاعر لها بعدها العميق في النظر لدى الفنان، حيث quot;قد يستشرف ما يمكن أن يحدث قبل أن يستشرفه السياسي، والميدان الذي يجب أن يتمتع بالحرية، وأن يكون مجالاً للديمقراطية العليا هو الفن، وللناس كامل الحرية في القبول أو الرفض، لكن باحترامquot;.

وتتابع قائلة في الاتجاه عينهquot;الفنان لا يحمل برنامجًا، أو له التزام سياسي مع ناخبيه، وإنما الفنان صوت حر،ومن يريد أن يتبنى أعماله مرحبًا، والذي يرفض أعماله مرحبًاquot;.

وتؤكد أحرار أن الفنانين quot;الآن أمام موقف تاريخي من أن نسجل أننا هنا لكي نؤرخ أيضًا لحقبة إنسانية تعيشها البشرية، ليس فقط في العالم العربي، لكن نعيشها كلنا، أمام مجازر تقام، أمام ناس تقتل، أمام ناس يزجّ بها في السجون، أمام ناس تعذّب، وأمام أفكار تفرض عليها الرقابة، في هذه المرحلة كل واحد منا مسؤول بفنه وآرائه أمام التاريخ والناس ونفسهquot;.

وتفضل أحرار أن تقسم الفنانين إلى مستويات: quot;فنانون يخافون على مناصبهم، فنانون يخافون على صورتهم، فنانون يخافون على جمهورهم، فيما هناك من يخاف أولاً وقبل كل شيء من ضميرهquot;، لتدخل في فاصل طويل من الصمت، انتهى عند آخره حديثنا.

أحكام تفقد المبدعين الأمل في هذه الثورات
إلى ذلك، اعتبرت الكاتبة، سهام بوهلال، أن quot;إدانة فنانأو صحافي أو ممثل أو كاتب هو دائمًا أمر غير مقبول ومسّ بحرية التعبير بكل أشكالهquot;، مستشهدة بما طال في بلدها المغرب من اعتقال لأحد كتاب الرأي المعروفين.

وقالت بوهلال، في تصريح لـquot;إيلافquot;: quot;هنا في المغرب يوجد صحافي وراء القضبان منذ شهور، والأسباب مختلفة لكن المبدأ دائمًا نفسه: إخراس عن طريق السجن والعزل عن العالم الخارجي، ثقافة الترهيب لفرض نظام شمولي ورجعيquot;، بحسب رأي صاحبة كتاب quot;الأميرة الأمازيغيةquot;.

ويقول الشاعر والإعلامي، ياسين عدنان، إن quot;أحكام من هذا النوع تضرّ بانسجامنا مع ذواتنا، وبصورتنا أمام العالم، أحكام من هذا النوع تجعلنا نفقد الأمل في هذه الثورات التي فرحنا بها، وتابعناها بفرح، وتوقعنا أن تفتحنا على المزيد من الحرية والحياة الكريمة لنصير بشرًا عاديين مثل الآخرين، فإذا بها تعود بنا القهقرى قرونًا إلى الوراءquot;.

ويضيف صاحب ديوان quot;رصيف القيامةquot;، لـquot;إيلافquot;، أن quot;مثل هذه الأحكام الظلامية الغبية تجرّنا للترحم على أزمنة الفساد والديكتاتورية، لأنها على الرغم من الدرك الذي جرتنا إليه، تركت، مع ذلك، متنفسًا صغيرًا للشعب لكي يحلم و يعبّرquot;.

كما يرى مقدم برنامج quot;مشارفquot; على القناة الأولى المغربيةأن quot;دخول عادل إمام إلى السجن، لو حصل لا قدر الله، سيضعنا جميعًا عند قدم الكارثة التي لا يتخيلها الأغبياء الذين يبدون متحمسين اليوم، وهم يفتحون محاكم تفتيش جديدة، في زمن لا يسمع مزاجه العولمي الديمقراطي بطبيعته، أبدًا، بمثل هذه الترهاتquot;.

الربيع العربي لم يقض على أعداء الحرية
كانت إحدى المحاكم المصرية قضت بحبس بطل فيلم quot;الإرهاب و الكبابquot; بثلاثة أشهر وتغريمه ألفجنيه بتهمة الإساءة إلى الدين الإسلامي في أعماله الفنية والسخرية من الجلباب واللحية.

وهذا، بعد دعوى رفعها ضده محامييُنسب -بحسب صحف مصرية - إلى صف السلفيين، يدعى عسران منصور، حيث اتهم فيها عادل إمام بازدراء الدين الإسلامي انطلاقًا من أعمال فنية أبدع فيها ولمع فيها اسمه كمسرحية quot;الزعيمquot;، وأفلام quot;الإرهابيquot; وquot;حسن ومرقصquot; وغيرها.

نزل هذا الحكم في ظرف شدت فيها أنظار المصريين وشعوب المنطقة مأساة ملعب quot;ستاد بورسعيدquot;، وهو ما جعله، بحسب رأي عدد من الملاحظين، لا يأخذ قسطه من الاهتمام الإعلامي للتوقف عنده بالكثير من التأمل، لأنه قضية، بحسب هؤلاء، لا تهم مصر وحدها، وإنما جميع الشعوب العربية والإسلامية، خصوصًا في مرحلة دقيقة جدًا.

وعلق كاتب مصري في موقع إلكتروني على هذا الحكم quot;هكذا صدر أول حكم قضائي - كسابقة أولى - في تقييد الإبداع، وبات محظوراً على المبدعين وصناع السينما والدراما استخدام أي رموز إسلامية في أعمالهم...quot;.

وتابع كاتب آخر quot;وكأنه لا يجوز أن يوجد صاحب لحية مرتشي، أو منقبة تدير أعمالاً غير قانونية، وكأن الدين الإسلامي العظيم قد تم اختزاله في جلباب ولحية ونقابquot;.

ويعتقد ملاحظون غربيون أن تجاوز هذه المرحلة الانتقالية في مصر سيكون صعبًا إن لم يكن معقدًا، مؤكدين أن هامش حرية التعبير اتسع بشكل كبير في هذا البلد، وتحرر العديد من الألسنة من عقدة الخوف، إلا أن المجال الديني يبقى منطقة حساسة والاقتراب منها يشكل خطرًا كبيرًا على صاحبه.

وكتبت إذاعة فرنسية على موقعها على النت أنه وquot;إن كان للربيع العربي تأثير استثنائي على الحرية والإبداع، إلا أن أعداء هذه الحرية لم يختفوا بالمرةquot;، في إيماءة من هذه المحطة إلى المتابعات القضائية التي تنفجر هنا وهناك ضد مبدعين داخل البلدان التي مرت منها رياح الثورة.