تمرُّ اليوم الجمعة الثلاثين من اذار الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل المطرب، عبد الحليم حافظ، فهل كانت المسافات تتباعد عبر هذه السنوات فيتضاءل صوته وتضمحلّ شهرته، أم أنَّه ما زال يهيمن على الأسماع ؟
العراق: على الرغم من مرور 35 عامًا على رحيله، الا أن عبد الحليم حافظ ما زال يحتل مساحة كبيرة من السماع عند الجمهور العربي، ويشمخ صوته بذلك النقاء النغمي ليمطر إنعاشًا للتصحر الذي يضرب القلوب في عصر السرعة والكلام البذيء والايقاعات الصاخبة وانتهاكات (الفيديوكليب).
ما زال صوته يطرب من يستمع اليه بالشجن ذاته الذي لم تستطع تقلبات الازمنة والاغاني الهابطة ان تثلم منه شيئًا، فيتفرد في تميزه وتتساقط كأوراق ذابلة على مسافات بعيدة منه ترهات الأصداء المرتجفة اسفافًا والمتطاولة كالفقاعات، وما زالت الاجيال المتلاحقة تتعرف إليه من خلال الاغنيات التي قدمها والتي راحت تمس أحاسيسهم بالعاطفة الجياشة، فيتأملون تأثيراتها في نفوسهم ابتداء من الكلمة المعبرة واللحن الجميل والاداء الذي يصافح الشعور ويمس الوجدان ويرسم في فضاءات الحب احلى لوحات الاشواق والحنين المفعمة بالصدق، لوحات من اغنيات تتآلف مع الولع الداخلي، ابتداء من (صافيني مرة) وانتهاء بـ(حبيبتي من تكون) مرورًا بعشرات الاغاني المعبرة عن احوال العشاق والاوطان والناس والدنيا والدين من خلال الادعية، التي غناها وأداها عبر 25 عامًا هو عمره الفني الحقيقي الذي ابتدأه عام 1952 الى رحيله في 30 اذار / مارس من عام 1977، والتي كانت أكثر من مئتين وثلاثين أغنية.
ورسم حليم الايام الحلوة للشباب الذين كانوا يكتسبون الحب من صوته، فلم يمر صوته من الاجيال مرورًا عابرًا بل كان يدعو الى الانتباه اليه والى الاصغاء ومن ثم الاعتراف بعذوبة كل ما لديه من تعبيرات في الصوت والاداء والاختيار الصحيح للمفردة التي تتناول تفاصيل الحياة واسرار الحب وتراتيل القلق واشتعالات الخوف واناشيد الأمل، فظل صوته منسجمًا مع الاذواق التي تأتي مع السنوات، فلا يمتد اليه ظلام الافول بل تسطع أضواؤه وتتعالى نبراته برومانسية ساحرة، فيتميز بشهرته التي تتسع وتكتسح الساحة الغنائية التي غادرها قبل 35 عامًا وقد اضمحلّت اصوات كثيرة حاولت تقليده وما زال الكثيرون يحاولون اقتفاء خطواته وطريقته ولكنهم يذوبون على مسافات قصيرة.
يقول الناقد الموسيقي عادل الهاشمي: quot;ان رومانسية عبدالحليم حافظ في البناء الغنائي كانت احتجاجًا نبيلاً على كلاسيكية الغناء قبل عصره، اعني عصر محمد عبدالوهاب، وام كلثوم، وفريد الاطرش، ومن حولهم، القواعد والانماط والاشكال والمضامين في الاغنية العربية قيضت لها الاقدار صوت عبدالحليم ليعيد صياغة هذه كلها بحنجرته المحدودة وبفنية الاداء غير المحدودة لديه، ان اول اشارة لرومانسية الغناء عند عبدالحليم حافظ هو اضفاء نزعة رفيعة على الاشياء المألوفة في السياقات البنائية للاغنية العربية، ولعل اولها التعبير في الحب، لقد جعلت اغنية عبدالحليم هذه الديناميكية الازلية في الحب ذات قيمة باهرة على الرغم من اعتياديتها، واجهته بلغة جديدة وفهم جديد ووسط حيquot;.
ويضيف: quot;الغزل في الايام القديمة كان التعبير عنه يختص بالافندية والموسرين، ولكن في اغنية عبدالحليم حافظ تحولت النظرة الى الحب، فكل ما غناه لايعبر عن تجربة ناقصة مدبجة او مثلومة، انما يعبر عن خبرة يعرفها الجميع لانها تعبر عن الجميع، لقد هجرت اغنية عبدالحليم الصالون الكلاسيكي الانيق وانطلقت الى البراري والريف والترعة والناعور والازقة لتفجر الشوق المعقول بترتيب وفق اصول فنية متطورة، ان الحيرة والضياع والعواطف الزائدة الملتاعة والذاتية المزهوة والانا الباكية المنتحبة المتشنجة، صرنا لا نلمسها في اغاني عبدالحليم، ربما وجدنا آثارها متناثرة هنا وهناك، لكن ذلك كله لا يلغي الملامح والخصائص التي درجت عليه اغاني عبدالحليم عبر مسيرتها الجديدة، كنا نلاحظ في الاغنية محاولة لتجاوز التناقض في البناء الكلاسيكي والاتحاد مع الواقع ثم تأسيس طريق لتصوير علاقة نشطة وجديدة بين الذات والموضوعquot;.
في ذكراه الخامسة والثلاثين، ليس من الصعب ان نسأل اي صاحب محل لبيع اشرطة الاغاني ليجيب ان عبد الحليم حافظ ما زال مسموعًا بشكل لافت، وان أغانيه مطلوبة من ابناء الجيل الحالي ايضًا الذين اغرقتهم الاغاني الحديثة بطوفاناتها الهادرة بالموسيقى الصاخبة الكلمات المتقاطعة التي ابتعدت عن الذوق والحب والعشق والانسانية ايضًا، فراحت تتخبط على واجهات الفضائيات متعلقة بأذيال الراقصات والعري والايحاءات، سألنا ووجدنا ان عبد الحليم نابض في حياة الشباب وصورته لم تغب عن الامكنة التي يعيشون فيها او لهم فيها موقع، ما زال يمتلكنا بأغانيه واحساسه وصدقه.
فهل يمكن ان يغيب العندليب عن حياتنا؟ الجواب قالته الاعلامية العراقية نرمين المفتي: quot;لقدرددت جماهير وشباب الربيع العربي اغانيه الوطنية، ومهما حاول الذين جاؤوا من بعده ان يكونوا بحجمه، فقدفشلوا، ويبقى الاكثر مبيعًا، هو فنان انتمى الى الحلم والوطن والحياة والصدق ولم تصنعه شركات تمسخ الفنان لأجل الربح و تعمل على تضليل الشبابquot;.
فيما قال غسان فاضل: quot;أحلامنا الحلوة كانت معه، ففي حياة كل منا أغنية أو أكثر عاشت معه وتركت ذكراها يستعيدها كلما انطلق صوت العندليب عبدالحليم حافظ يشدو بها، كان حليم المغني والمؤدي والمطرب صاحب الصوت الذهبي الذي أبدع في زمن الفن الغنائي عشرات الروائع الغنائية، وقدم الأغنية الخفيفة الرومانسية التي تعتمد على خفة الظل، وفتح الطريق لجيل جديد من المطربين الجددquot;.
واضاف: quot;35 عامًا مرت علىرحيل عبدالحليم حافظ الذي اختارته أحلامنا نموذجًا لرسم ايامنا الحلوة، ولا يزال يعيش بيننا جميعًا طائرًا محلقًا شاديًا بأجمل الكلمات واعذب الألحان، هذه الكلمات وتلك الألحان التي عاشت فينا دومًا، وأصبح من الصعب عليها أن تزول، ومن أجل هذا أقول quot;لاquot; لذكرى عبدالحليم حافظ لأنه ما زال يحيا بيننا ويرتع في أعماق وجداننا، والذي نتذكره في يوم في شهر في سنة، وأستطيع القول ان عبدالحليم حافظ أسطورة، وعلى الرغم من أنه عاش عصر كبار المطربين أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، وليلى مراد، ونجاة الصغيرة، وفايزة أحمد، فإنه لمع وتألق، لم يقلد أحدًا وإنما اخلص لذاته وأسلوبه وصدقه في التعبيرquot;.
ويزيد:quot;اسهم في تشكيل وجداننا، ولخص سر الحياة والحب والقلق والخوف والحب المستحيل والأمل، علم الكثير كيف أن الحب له صورة مثلما له ظواهر، وان عصر البراءة، والصدق، ما زال له مناطق مشعة بداخلهم يعودون اليها فورًا في أوقات الشجن وسمو الاحساس، وعلمهم ان الروعة في الكلمة، واللحن، والصوت الشفاف الذي يتسلل إلى الوجدان فورًا، وكل هذا هو شيء باق مع السنوات لا ينتهي ولا ينضبquot;.
التعليقات