تروي ميخال ديكل معاناة أسرتها خلال رحلة التحرر من جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية، وكيف كانت طهران آخر نقطة لهم قبل ترحيلهم إلى إسرائيل.

"إيلاف" من بيروت: تحول معظم اليهود البولنديين الذين نجوا من الإبادة النازية إلى لاجئين في أوزبكستان وكازاخستان. وفي مزيج من المذكرات والتاريخ والسفر، تروي المؤلفة الإسرائيلية ميخال ديكل في كتابها "أطفال طهران: ملحمة لاجئي الهولوكوست" Tehran Children: A Holocaust Refugee Odyssey (384 صفحة، منشورات دبليو دبليو نورتن، 14.79 دولارًا) فرار أسرتها من بلدة في شرق بولندا، بعد أن تحملوا معاناة شديدة في معسكرات العمل القسري السوفياتي المعروفة باسم "المستوطنات الخاصة".

ترحيل قسري

تبدأ هذه القصة بمليون ونصف من اليهود البولنديين الذين وجدوا أنفسهم في أواخر عام 1939 يعيشون داخل الحدود السوفياتية، سواء لأن مدنهم كانت تحت الاحتلال السوفياتي، أو لأنهم، مثل والد ديكل، فروا من الألمان. ويستمر الأمر عندما يتم ترحيل ما يصل إلى ثلث هؤلاء، إلى جانب مواطنين بولنديين آخرين، إلى غولاغ و"مستوطنات خاصة" في الداخل السوفياتي، حيث يعانون من الحرمان الشديد ورحلة "التحرر" إلى جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية.

تقطع ديكل العالم على خطى هؤلاء اللاجئين، وتزور والمواقع والأشخاص في أوزبكستان وبولندا وروسيا وإسرائيل وإيران، وتجتمع مع اللاجئين السابقين والمقيمين الحاليين، لتروي قصة والدها ومئات الآلاف من الناجين من أمثاله، متحدثةً عن تحولات جيوسياسية أحدثها وصولهم في الاتحاد السوفياتي والشرق الأوسط.

تقول ديكل إن والدها لم يخبرها قصصًا عن معسكرات الاعتقال القاتلة أو الترحيب بالتحرير. عرفت بنفسها أن والدها حنّان، إلى جانب شقيقته ريفكا وابن عمهما نعومي، كانوا جزءًا من مهمة صهيونية في زمن الحرب لإنقاذ الأطفال اليهود البولنديين.

وصلوا إلى فلسطين التي كانت تحت سيطرة بريطانيا في عام 1943 عبر إيران، وكانوا يُعرفون باسم أطفال طهران، لأن إيران وفرت آخر نقطة انطلاق لهم.

لم تكن ديكل تملك معلومات كافية حول هذه القضية حتى عام 2007، عندما قابلت الكاتب الإيراني سالار عبده وعرّفها على قصة أطفال طهران من وجهة نظر إيرانية، متحدثًا عن دور بلاده في إنقاذهم كدليل على أن ثقافته ليست معادية للسامية في جوهرها.

رحلة شاقة

عندما أجبرت السلطات السوفياتية المواطنين البولنديين في عام 1940 على العمل في أكواخهم في سيبيريا، كانت عائلة ديكل تعاني الجوع قبل إبعادها إلى أوزبكستان. ثم ما لبثوا أن كانوا جزءًا من موجة اللاجئين البولنديين في طشقند وسمرقند، بعد أن تدهورت الظروف بسبب تفشي الأمراض.

عندما أُخبر والدا حنّان في أواخر عام 1942 أن هناك فرصة للقاصرين للذهاب إلى إيران من دون ذويهم (التي كانت تحت الحكم البريطاني حينذاك). انضم حنّان وأخته وابن عمه إلى ألف طفل يهودي إلى الرحلة عبر قطارات مكتظة بالجنود.

لكن إيران نفسها أثبتت أنها ليست ملاذًا سهلًا. كان هناك ما يصل إلى 33 ألف جندي بولندي و11 ألف لاجئ تحت سيطرة الجيش البريطاني. وسرعان ما أصبح الترحيب الحار المبدئي من السكان اليهود في إيران في أغسطس 1942 ضعيفًا عندما انخفضت الإمدادات في فصل الشتاء. وشجبت الصحف المحلية الوافدين الجدد بوصفهم "طفيليات الحلفاء". وكُتب على الجدران في طهران "كل بلاد فارس جائعة وهي تراقب البولنديين والبريطانيين يأكلون خبزها".

خوفًا من اندلاع انتفاضة محلية، رحّل البريطانيون اللاجئين البولنديين الكاثوليك إلى نيوزيلندا والهند وإفريقيا. وأُرسل نحو 861 طفلًا يهوديًا بولنديًا ، بما في ذلك والد ديكل، إلى فلسطين البريطانية. وما أن استقر حنّان وشقيقته في كيبوتس في عام 1943، حتى ناشدا السلطات البريطانية للسماح لأمهما، التي نجت، بالانضمام إليهما. وبالفعل هذا ما حدث عام 1949 بعد إنشاء دولة إسرائيل.

كتاب قّيم

استنادًا إلى ما يقرب من ثماني سنوات من البحث في رحلة والدها، تعتمد الكاتبة على المحفوظات في روسيا وبولندا وآسيا الوسطى التي تم الاطلاع عليها في العقد الماضي، وكذلك السجلات المحفوظة في إسرائيل والمملكة المتحدة، والتي يمتلكها الصليب الأحمر.

النتيجة هي كتاب مذكرات صحفية شخصية للغاية وإضافة قيّمة إلى تاريخ المحرقة. حيث تتتبع ديكل رحلة عائلتها في أثناء فرارها شرقًا من مسقط رأسها في بولندا، قبيل الغزو الألماني في عام 1939.

في كل مرحلة من مراحل رحلة أسرتها، تكشف ديكل عن تقارير وشهود عن الفساد وسوء المعاملة. ومع ذلك، فإن كتابها لا يلقي الضوء على فصل تم تجاهله في مصير يهود أوروبا في الحرب العالمية الثانية فحسب، بل يتيح لنا معرفة مدى صعوبة محاولة سرد هذه القصة بشكل منصف.
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن " ذا غارديان". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theguardian.com/books/2019/dec/01/tehran-children-holocaust-refugee-odyssey-mikhal-dekel-review
&