من الروائيين من عرض خدماته الأدبية على أجهزة الاستخبارات، ومنهم من أستخدمت رواياتهم لأغراض دعائية من دون أن يدركوا ذلك.

إيلاف من بيروت: يقول جورج أورويل إن الفن كله دعاية، لكن ليست الدعاية كلها فنًا. قلة تعترض على الجزء الثاني من هذه المعادلة، فلا فن أبدًا في كتاب "كفاحي" لهتلر، على سبيل المثال لا الحصر. لكن، يبدو الجزء الأول صحيحًا، إن كنت تعتمد تعريفًا واسعًا للدعاية.

اليوم، نادرة هي الأعمال الفنية العظيمة التي تخدم الأغراض الحكومية. لكن، ثمة كتب مدرجة في قائمة الدعاية السلطوية التي يشير إليها أورويل، شجعت الحكومات أو المجموعات الأيديولوجية مؤلفيها على كتابتها، أو روجت لها لأغراض سياسية.

في خلال الحرب الباردة، أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مجلات أدبية في فرنسا واليابان وأفريقيا لمحاربة الرقابة الديكتاتورية على الصحافيين، ولتقريب الثقافة العالمية من أهداف الدول الغربية. وكلفت الاستخبارات البريطانية كتابًا لإنتاج أعمال خيالية تدعم الإمبراطورية البريطانية، وبعضهم عرضوا تسخير قلمهم للدولة من أنفسهم، فيما هناك بعض آخر ما عرف أن الحكومات أو المجموعات الأيديولوجية ستروج لأعمالهم.

في ما يأتي ستة كتب مشهورة، تُعد أعمالًا استخبارية، بطريقة أو بأخرى.

كتاب "عيون آسيا" The Eyes of Asia، ألّفه روديارد كيبلينغ، ونشرته دار كاشي هاوس (128 صفحة، 13.90 دولارًا و10 جنيهات)

يُغفَل دائمًا دور روديارد كيبلنغ بوصفه داعية للإمبراطورية البريطانية. جندته الاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى لتأليف أعمال خيالية هدفها تقويض القومية الهندية. في عام 1916، أرسل المسؤول البريطاني جيمس دنلوب سميث رسائل الجنود الهنود الذين كانوا يقاتلون في فرنسا إلى كيبلنغ، وطلب منه إعادة صوغها ليمحو منها أي رأي موالٍ للهند. نشرت مجلة "ذا ساتردي إيفنينغ بوست" الأميركية أربع رسائل منها بين مايو ويونيو 1917، وظهرت ثلاث منها في صحيفة "لندن مورنينغ بوست". وقد مهرها كيبلنغ بتوقيعه حين جمعها في كتابه "عيون آسيا". أخبر الكاتب سميث أنه حين أعاد صوغ الرسائل، حولها إلى قصص خيالية، وحذف منها شكاوى مثل "نحن كالأغنام المربوطة بعمود الجزار"، وأدخل فيها جملًا تعبر عن إعجاب الجنود ببريطانيا، كاقول إنها مليئة بـ "الأثاث المطلي بالذهب والرخام والحرير والمرايا". أعجبت الاستخبارات البريطانية بما قرأته، كما أعجب العديد من القراء بما وصفه أحد النقاد بأنه "صورة إيجابية ومفصلة وغير نمطية" للشعب الهندي.

رواية "الدكتور زيفاغو" Doctor Zhivago، ألّفها برويس باسترناك، ونشرته دار فينتاج بابليشينغ (512 صفحة، 20 دولارًا و9.99 جنيهات)

في خلال الحرب الباردة، سعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إلى تقويض الرقابة السوفياتية بتعزيز تداول الكتب والمجلات سرًا، فأرسل الجواسيس الأميركيون روايات فيودور دوستويفسكي وليو تولستوي وفلاديمير نابوكوف إلى الاتحاد السوفياتي. كان بوريس بسترناك كاتب الاستخبارات الأميركية المفضل. وأتى في مذكرة صادرة عن الوكالة في عام 1958 أن لروايته "الدكتور زيفاغو" قيمة دعائية كبيرة. ربما يبدو ذلك مفاجئًا للتعبير عن قصة حب. لكن الاستخبارات الأميركية ما كانت مهتمة بطبيعة هذه الرواية التحفيزية للتفكير فحسب، لكن أيضًا بظروف نشرها. قامت المجلات الأدبية ودور النشر السوفياتية بمنع هذا الكتاببسبب "عدم قبول" الكاتب بالاشتراكية. لم يكن السوفيات يحبون حماسة باسترناك الدينية. قام كشاف مواهب أدبي إيطالي بتهريب مخطوطة الكتاب إلى إيطاليا، حيث نشرت في عام 1957. لاحظت الاستخبارات الأميركية فرصة لدفع المواطنين السوفيات إلى التساؤل سرًا عما هو خطأ في بلادهم، حين لا يتوفر في روسيا عمل أدبي رائع كتبه أحد أعظم كتاب روسيا. ساعد الجواسيس في نشر هذا الكتاب بالروسية، ووزعو أكثر من 1000 نسخة منه بمساعدة عملاء في شرق أوروبا. وأملت الاستخبارات الأميركية في أن يمهد نشر الرواية بالروسية الطريق لبسترناك كي يفوز بجائزة نوبل. تم له ذلك، لكن السوفيات أجبروه على رفضها. ولم يعش باسترناك طويلًا ليرى روايته تتحول إلى فيلم ناجح في عام 1965، من بطولة عمر الشريف وجولي كريستي.

رواية "مقاتلون" Partisans، ألفها بيتر ماتيسون، ونشرتها دار فينتاج بوكس (184 صفحة، 5.95 دولارات و 4.00 جنيهات)

حين تأسيست وكالة الاستخبارات الأميركية في عام 1947، وظفت العديد من طلاب جامعة ييل، وكان بيتر ماتيسون كان أحدهم. أرسلته الوكالة إلى باريس بغطاء تأليفه الرواية التي رأى المسؤول عنه في الوكالة بباريس "ضعيفة". في الحقيقة، ألف ماتيسون روايتين في باريس، و"مقاتلون" هي الثانية، تتبع بارني ساند، وهو صحافي مقيم في باريس يعمل لخدمة إخبارية أميركية، في رحلته للعثور على زعيم سابق للحزب الشيوعي الفرنسي يأمل في محاورته. ساعد الشيوعي ساند على الهروب من الحرب الأهلية الإسبانية عندما كان طفلًا. تعرض الرواية معرفة مفصلة بأعمال الحزب إلى درجة أشارت صحيفة "شيكاغو تريبيون" في مراجعتها إلى أن على صاحبها أن يعود إلى موسكو. مع ذلك، تميل عاطفيًا إلى الغرب. يتطور وعي ساند ليرى الشيوعيين أشخاصًا غير صادقين يخدمون أنفسهم. أسلوب الرواية الأدبي ينبئ بخطوة تالية في مسيرة ماتيسون الأدبية. فقد أسس مجلة "باريس ريفيو" الأدبية، واستخدمها أيضًا غطاء للتجسس على فنانين ومثقفين أميركيين لهم ميول يسارية انتقلوا إلى باريس. رأت الاستخبارات الأميركية أن هذا الغطاء أفضل كثيرًا لعمله التجسسي. ليت هذه الرواية أفضل أعمال ماتيسون، وهو الوحيد الذي فاز بجائزة الكتاب الوطنية الأميركية عن الكتب الخيال وغير الخيالية.

رواية "قراءة لوليتا في طهران: مذكرات" Reading Lolita in Tehran: A Memoir in Books، ألفتها آذار نفيسي، ونشرتها دار راندوم هاوس (356 صفحة، 18 دولارًا)، ودار بينغوين (9.99 جنيهات)

اصابت آذار نفيسي، المهاجرة الإيرانية وأستاذة اللغة الإنجليزية، الشهرة في عام 2003 حين نشرت مذكراتها عن الثورة الإسلامية في غيران. لقيت روايتها "قراءة لوليتا في طهران" نجاحًا فوريًا في أميركا، حيث قضت 117 أسبوعًا في قائمة أفضل الكتب الأكثر مبيعًابحسب صحيفة "نيويورك تايمز". إنها قصة مثيرة للإعجاب عن ثماني إيرانيات يجتمعن سرًا لدراسة روايات نابوكوف وغوستاف فلوبير وهنري جيمس. طلاب نفيسي هم أبناء الجمهورية الإسلامية الذين يتمردون على حظر الكتب وعلى "المبالغات الفاسدة والمضللة". هذا الوصف لا ينطبق على رواية "قراءة لوليتا في طهران". تشكر نفيسي مؤسسة سميث ريتشاردسون، التي تسعى إلى "تعزيز مصالح وقيم الولايات المتحدة في الخارج"، على المنحة التي ساعدتها في تأليف الرواية، "فمن خلال الأدب، يمكن الفرد أن يضع نفسه في موقف شخص آخر"، كما تكتب نفيسي. بالنسبة إلى القراء الغربيين، هذه الرواية هي مصدر إثراء، وتقدم حكمًا قاسيًا على نظام الملالي الحاكم في إيران.

رواية "مئة عام من العزلة" One Hundred Years of Solitude، ألفها غابرييل غارسيا ماركيز، وترجمها غريغوري راباسا، ونشرتها دار بينغوين (432 صفحة، 17.99 دولارًا و9.99 جنيهات)

لم يُسمح لغابرييل غارسيا ماركيز بدخول الولايات المتحدة لثلاثة عقود، لأنه انتمى فترة قصيرة إلأى خلية حزبية في الحزب الشيوعي الكولومبي في الخمسينيات. مع ذلك، نشرت مجلة "موندو نويفو" الكولومبية التي تموّلها وكالة الاستخبارات المركزية فصلين من روايته الرائعة "مئة عام من العزلة"، وذلك قبل عام واحد من نشر الرواية كاملة في عام 1967. لم تتضمن المقتطفات المنشورة في المجلة وصفًا للمذبحة "الموز" التي وقعت في عام 1928، حين قام الجيش الكولومبي، بضغط من الولايات المتحدة، بالتصعيد ضد موظفي شركة "يونايتد فروت" المضربين عن العمل، وقتل نحو 75 منهم. فما نشرته "موندو نويفو" كان وصفًا لكولومبيا بأسلوب عُرف في ما بعد باسم الواقعية السحرية. أظهرت تلك المجلة، التي نشرت مقالات مؤيدة لأميركا ومعادية للشيوعية، أنها منفتحة أيضًا على أعمال أدبية يؤلفها أتباع اليسار السياسي. غضب غارسيا ماركيز حين عرف أن "موندو نويفو" تلقت أموالًا من الاستخبارات الأميركية. وكتب في رسالة وجهها إلى رودريغيز مونيجال، رئيس تحرير المجلة، أنه يشعر كأنه زانٍ.

رواية "سقوط القمر" The Moon Is Down، ألفها جون ستاينبك، وتشرتها دار بينغوين (144 صفحة، 12 دولارًا و9.99 جنيهات)

في يونيو 1940، بعد يومين من توقيع فرنسا اتفاقية الهدنة مع ألمانيا، كتب جون ستاينبك إلى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت يحثه على إطلاق "حملات دعاية فورية ومنظمة ومدروسة". واتبع ستاينبك نصيحته الخاصة، فكتب رواية أراد منها إلهام الناس في أوروبا المحتلة ليثوروا على النازيين. تدور حوادث رواية "سقوط القمر" في بلد أوروبي لم يسمه، اجتاحته قوة فاشية. ووفقًا لما كتبه ستاينبك، تتميز هذه الدولة الخيالية بحدة النرويج ومكر الدنمارك وعقلانية فرنسا. يسعى العقيد لانسر من القوات المحتلة إلى اخضاع الثورة. قام أعضاء المقاومة ضد النازيين بترجمة الرواية وتهريبها إلى النرويج والدنمارك وفرنسا. في عام 1945، بعد انتهاء الحرب، منح ملك النرويج ستاينبك وسام الحرية النرويجي تقديرًا لمساهمته في حركات المقاومة الأوروبية.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "ذا إيكونوميست" البريطانية