ميرفت أبو جامع من غزة: يجتمع الطفل محمد فارس quot; 11 عاماquot; ومجموعة من أقرانه عصر كل يوم في ساحة أرض فارغة مجاورة لمنزلهم في جنوب قطاع غزة يلعبون لعبة البنانير أو quot;الجلولquot;، يقسمون الأدوار بينهم ثم يشرعون في لعبهم وسط شد وجذب طفولي جميل لا يخلو من كلمات حاذقة أو غضب يصل إلى حد العراك أحيانا يفضي إلى تدخل الأهل لفضه.


ويحاول محمد قذف البنانير في حفرة صغيرة، يقف على مسافة قصيرة منها، ويقول :quot; تعلمت هذه اللعبة من إخوتي، حينما كان عمري 7 سنوات، ومن ذلك الوقت وأنا أحب لعبها.
برد الشتاء لم يمنع محمد ورفاقه من ممارسة لعبتهم المفضلة ويؤكدون أنهم يلعبونها في إجازة الشتاء بعد انتهاء الفصل الدراسي الأول مباشرة كل عام وهذا موسمها.
وعما يشده لهذه اللعبة، يقول محمد quot; نحن نلعبها في الإجازة الشتوية فقط، لقلة الأنشطة الترفيهية الشتوية، أو الرحلات حيث يمكننا بالصيف الذهاب للبحر أو للملاهي أما بالبرد لا نستطيع فعل ذلك quot;. أما حسام فيقول :quot; ان انقطاع التيار الكهربائي عن غزة في أوقات كبيرة تحرمهم من مشاهدة التلفزيون وبرامج الأطفال والمسلسلات التي يحب ويقول محمد :quot; هي لعبة جميلة نجتمع فيها ونتنافس بالفوز بعدد اكبر من البناير.


والبنانير مفردها laquo;بنورهraquo; وهي كرة زجاجية صغيرة جداً. يلعبها اثنان أو أكثر، بحيث يمسك كل واحد من اللاعبين بنوره، ويقذفها بضربة من إبهامه محاولاً أن تصيب البنوره التي على الأرض، فإن إصابتها ووقعت الاثنتان في حفرة اللعب، تكون تلك البنورة من حق الفائز وتستمر اللعبة ويكون الفائز من حاز على أكبر عدد من القلول أو البنانير، ويحرص كل صبي على عرض أنواع مختلفة من البنانير التي كسبها مزهواً ببراعته في اللعب.


ويصف حسام وضع أسرته بالسيئ حيث يعاني وضعا صعبا، لا يمتلكون كمبيوتر وليس لديه مصروف يومي ليقضي وقته خلفه فيستعيض من ذلك بتلك اللعبةquot;.
ويقول حسام قصير القامة ذو نظرات حادة :quot; أنا بالأمس ربحت نحو 20 بنورا من 3 جولات، وخسرت محمد ما لديه من بنانير quot;.
وتعد لعبة البنانير ذات طابع ذكوري، فالطفلات الفلسطينيات تواجدهن بأماكن لعب الذكور غير مقبول، بسبب العادات والتقاليد، لذا يستمتعن بلعبة الحجلة في أماكن ضيقة أو على سطوح منازلهن.



إلا أن كاريمان أبو رجيله quot; 10 سنواتquot; التي تشذ عن حكر اللعبة للأطفال الذكور، تشير إلى أنها تجد متعة في لعب البنانير مع إخوتها الصغار في حوش منزلهم، ورغم ذلك تواجه بانتقادات من قبل أسرتها في أنها بنت وتلك لعبة للأولاد، وتقول :quot; برغم حبي للعبة إلا أنني اشعر بالخجل من لعبها مع أطفال آخرين غير إخوتي، وتضيف مزهوة بالنصر الذي حققته عليهم quot; معي 40 بنورا ربحتها في أربع جولات مع إخوتي، احتفظ بها في كيس صغير علي اربح مثلها الأيام المقبلة quot;.


وتذكر أنها تلعب الحجلة مع رفيقاتها الصغيرات أمام منزلها، حيث يقضين معظم أوقات فراغهن في التسلية بلعبها دون كلل أو ملل.
و تقوم كريمان ورفيقاتها برسم مساحة على الأرض على هيئة مستطيل مقسم إلى مربعات أو مستطيلات.وتقوم إحداهن التي يقع الاختيار عليها بدء اللعب، وهو دفع قطعة حجرية بإحدى قدميها إلى داخل المستطيلات، بينما تكون القدم الثانية مرفوعة عن الأرض، بحيث لا تلامسها أبداً، ثم تمررها داخل بقية المستطيلات دون أن تلامس الخط الفاصل بين المستطيلات، وإلا خسرت وتابعت اللعبة صديقتهاquot;.


وتعد الحجلة والبنانير من الألعاب الشعبية الفلسطينية التراثية التي يتوارثها ويتناقلها الأجيال ورغم وسائل التكنولوجيا الحديثة و اللعب الالكترونية والبلاي ستيشن، إلا أن هؤلاء الأطفال يجدونها اقرب إلى ذاتهم خاصة في ظروفهم المتعسرة من حصار وانقطاع الكهرباء بشكل مستمر، كونها لا تكلف ماديا شيئا ولا تعتمد على كهرباء وفيها اجواء منافسة شديدة.


وأحيانا يشارك الآباء خاصة المتعطلين، أبناءهم الصغار في هذه الألعاب بل يكونون منافسين لهم في أجواء تشيع الحب والدفء في العلاقة بينهم، فيقول الرياضي محمود أبو مصطفىquot; 27 عاماquot; :quot; هذه اللعبة عرفتها منذ صغري، واليوم ألعبها مع الأطفال، فأجدهم فرحين بما حصدوا من بنانير ويضيف :quot; هذه اللعبة تعزز الذكاء والتركيز عند الأطفال والمنافسة الجيدة وترسي قيما اجتماعية كالعمل بروح الفريق كونها جماعية والتعاون والمشاركة، وفيها تعليم القواعد والنظام كما أنها رخيصة وتكاليفها غير عالية، وزاد :quot; وهي إحدى وسائل حفظ التراث الشعبي الفلسطيني من الاندثار وسط منافسة الألعاب الالكترونية المنتشرة بالعالم quot;.