ميرفت أبو جامع من غزة: يجر الطفل صهيب 8 أعوام عجلة صغيرة بأحد الأسواق في جنوب قطاع غزة، محملة بخضروات ومواد غذائية لمواطنة يبعد بيتها أمتار عن السوق، ويساعده في جر العربة شقيقه محمد 7 أعوام.

محمد وصهيب ينطلقان في السابعة صباحا من يوم الاثنين للذهاب للسوق في وسط البلدة التي يسكناها جنوب قطاع غزة، ويتدحرجان بين الشوارع الضيقة محملان بحاجات المتسوقين مقابل شيكل واحد يأخذانه نظير عملهما عن كل توصيلة للبيت ليصبح ما يجمعانه في هذا اليوم quot; 10 - 20 شيكل quot;، (ما يعادل 5 دولارات).

ويقول صهيب:quot; صنعت هذه العربة من 3 عجلات مستهلكة وبعض الأسلاك والأخشاب لأحمل البضائع للمواطنين إلى بيوتهم، ويضيف:quot; اشعر بالتعب كثيرا خاصة عندما تصادفني حاجيات ثقيلة فاستعين بشقيقي احمد لمساعدتي في جر العربة.

ويشرح محمد بملابسه القديمة وضع أسرته قائلا:quot; والدي لا يعمل منذ سنوات ونحن نستغل هذا اليوم من اجل العمل، مقابل بعض الشواكل، وباقي الأيام نبيع البقدونس والفجل على المواطنين بعد انتهاء دوامنا المدرسي.

محمد وصهيب ليسا الوحيدين الذين دفعتهما ظروفهما إلى سوق عمل محفوف بالمخاطر التي تخدش الطفولة البريئة وتحرمها من حقها في اللعب والعيش بأمان، بل هناك العشرات من الأطفال الذين لجئوا إلى الشارع من اجل جلب قوت يومهم ومساندة أسرهم في مواجهة الفقر أو المرض أو البطالة تاركين خلفهم أحلام الطفولة ولعب تشتكي هجرها.

بسطة لبيع الحلوى
وعلى باب احد العيادات الصحية يجلس فادي quot;12 عاماquot; أمام بسطة من الحلوى والبسكويت لبيعها على مرتادوا العيادة الذين يصطحبون أطفالهم معهم يغالبه النعاس ولكنه يستيقظ على صوت طفلة تريد شراء قطعة حلوى.
ويبدأ عمل فادي بعد عودته من المدرسة حيث يفترش الأرض ببضاعته التي يحملها على عربة صغيرة صنعها بيده، ويجلس على كرسي صغير طيلة الوقت لبيع بضائعه ويعود في المساء.

ويقول فادي وهو اكبر أفراد أسرته بان والده يعمل مؤذنا نظير مبلغ زهيد لا يكفي لتلبية كافة طلبات أسرته الكبيرة (المكونة من 8 أفراد) فلجأ إلى البيع بمساندة والدته له، كي يساعد أسرته في ظروفها الصعبة.

ولا يخفي فادي حلمه في أن يعيش حياة مستقرة لا يتهددها الخوف والفقر ويقول بوجه حزين:quot; ككل الأطفال أحب أن أعيش في بيت جميل وفيه العاب وكمبيوتر ولكني أسير ظروفي الصعبة أعود مساء لأرتمي بجسدي الذي ينخره البرد على فرشة من إسفنج قديم quot;.

يبيع الدعاء للمرضى
أما الطفل باسل 8 سنوات، فيبيع الدعاء بالشفاء للمرضى في احد المستشفيات نظير بعض الشواكل أو قطع الطعام التي يحصل عليها شفقة من ذوي المرضى.
وتتلخص أبسط أحلام باسل في أن ينام ليلته دون أن تلامس مياه الأمطار الشتوية المتسربة من الشقوق في بيتهم الزينكو إلى وجهه فتسرقه من نومه وأحلامه الجميلة التي يتمنى أن يطول بها المقام في نومه.

ويقول باسل:quot; انه يعيش وأفراد أسرته في غرفة واحدة في بيت يحوي 3 عائلات لأعمامه، كل واحدة مكونة من 8 أفراد أو يزيد، يشتركون في دورة المياه والمطبخ وفي كل تفاصيل حياتهم.

ويضيف انه يدور على غرف المرضى في المستشفيات يدعو للمريض بالشفاء كي يعطونه بعض الشواكل ثم يعود عندما يسدل الليل ستاره إلى البيت فيعطيها لوالدته لتجلب لهم الغذاء.
ويشير أن مشواره اليومي يتعرض إلى الكثير من المضايقات والتحرشات من قبل ذئاب الشارع، ساردا قصة محاولة اختطافه من قبل احد السائقين ودفعه إلى أن يقفز من السيارة وهي تسير به، معتقدا أن لديه نوايا سيئة لإيذائه.

التسول ملاذ
أما زينب 13 عاما، فبات الشارع ملاذها الوحيد لجلب الغذاء والملابس وأغطية الشتاء فتركن إلى احد المساجد تتوسل للمارة وتستعطفهم، مستخدمة مفردات خاصة تجسد معاناتها، فعند سؤالها عن أسرتها، تلعق ما بيدها من بقايا كيس شيبس،وتتحدث بعفوية مؤلمة:quot; والله لم نذق طعم الأكل من يوم وبتنا ليلتنا نتلوى من الجوع والبرد، هذا الشيبس أعطتني إياه سيدة مارة من يد طفلها quot;.

تبرر زينب سبب طلبها الحاجة من المارة بالقول:quot; والدي مريض بالغضروف،ولا يقوى على العمل وإخوتي بحثوا مرارا عن عمل ولم يجدوا،وتضيف quot;بالأمس أعطاني احد الباعة بعض الخضار والبندورة والباذنجان، وكان وجبة إفطارنا، ما جمعته اليوم لا يقضي لخبز لنا quot;.
تجر زينب أذيال عباءتها المتسخة وتزيد سنتيمترات كثيرة عن طولها، وتنهي الموجز باتجاه تفاصيل أكثر قساوة، فتنكشف عن أجساد تنكمش من البرد ولا غطاء وبطون تتلوى من مرارة الجوع!

وتلاحق ألاء 12 عاما المارة بأحد الأسواق، وتمد يدها على استحياء تطلب quot;شيكلquot;، أحدا لا يلتفت إليها فهي تتحدث بصوت خافت لا يسمعه احد، عند سؤالها عما دفعها للتسول:quot; قالت وهي تنظر للأرض:quot; من عامين ما اخدت مصروف للمدرسة، كل ما اطلب من اهلي يضربوني وبيقولوا ما معنا، كل ما أشوف البنات بالمدرسة بيصرفن بابكي واخبي خبزتي إلي ما فيها شيء واكل لوحدي بعيدة عنهن quot;.

بعض من فيض من قصص الأطفال الغزيين الذين تتكسر أحلامهم الصغيرة على أبواب حصار وفقر وصراع سياسي مقيت أنهكهم.

ويحذر المختصون من تدهور أوضاع أطفال غزة إلى حد كارثي إذا استمر الحصار المفروض من قرابة 4 سنوات على القطاع، ويقول سمير زقوت الباحث في مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة:quot; أن جميع حقوق الأطفال الغزيين منتهكة، و يفتقرون للعيش في بيئة نظيفة وآمنهquot;، مشيرا أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف الأطفال بشكل متعمد وقتل نحو 355 طفل خلال الحرب الأخيرة، وزاد إن عدد كبير من الأطفال المرضى يحرمون من السفر للخارج للعلاج بسبب الحصار ومنعهم من التنقل والسفر فضلا عن المشاكل البيئية التي تؤثر على صحتهم.

ولفت زقوت إلى ظاهرة عمالة الأطفال التي زادت بشكل ملحوظ، مشيرا أن عائلات فقيرة تدفع بأطفالها إلى الشارع للبيع والعمل في الورش، مؤكدا وجود تقصير كبير من قبل الجهات المختصة والحكومات المتعاقبة في الاهتمام بالطفولة ووقف الانتهاكات بحقها.

ويشير احمد أبو عساكر مدير الجمعية الوطنية للتنمية والديمقراطية أن هناك إحباط ويأس كبير عند الأطفال جراء تعرضهم للصدمات النفسية وتعثر اوضاع أسرهم الاقتصادية مما يدفعهم إلى تحمل المسؤولية والسعي إلى كسب الرزق من اجل
وأشار أن الأخطر في ذلك أن هناك عدد من الأطفال دون سن 18 يتسربون من مدارسهم ويعملون في الأنفاق بضغط الفقر والحاجة وفي ظروف عمل سيئة للغاية بالكاد يتحملها الرجال.

وأكد على أن هذا احدث خللا في المعايير الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة وازدادت حالات عقوق الوالدين وتمرد الأبناء على الطاعة لأنهم باتو يملكون المال والإنفاق داخل الأسرة، مشددا على أهمية تقديم الدعم للأطفال وتكثيف البرامج التي تستهدفهم لمساعدتهم في تغيير واقعهم وسن قانون لحمايتهم.