فتحي الشيخ من القاهرة:كانت رائحة مخدر البانجو تملأ المكان مختلطة بدخان الحشيش المتصاعدة من بعض المقاعد الملتفة في دوائر صغيرة داخل الشارع، زجاجات البيرة منتشرة بين ايدي الجالسين او فوق احد الكراسي في منتصف تلك الدوائر، بنصف اذانهم كان الجالسين يستمعوا لحديث زملاء الجلسة والنصف الأخر مع ما يدور فوق المسرح الخشبي من غناء او تحيات توجه سواء لاهل العريس والعروسة او للمعازيم تنطلق من خلال الميكروفانات المنتشرة في اكثر من مكان، في حين كان المعلم ناصر ابو العروسة يلف بين المعازيم يقف مع بعضهم يجاملهم على حضورهم و يقف وسط مجموعة اخري يتبادل القفشات مع الجالسين او يطلب من احد الصبيان احضار الواجب للمعازيم والمتمثل في مخدر البانجو او الحشيش،وكان بين الحين والاخر يتجه بالقرب من المسرح الخشبي المشيد في منتصف الشارع، ينظر الى احد الجالسين في احد اركانه ممسكا بكراسة وقلم ومنهمك في الكتابة، ينتظر لحظة ان يرفع عينه من كتابته وينظر له و،وعندما يؤمي برأسه،يبتسم المعلم فى ارتياح.

و من فوق المسرح يتابعهما بعينيه في هدوء بينما يتحرك علي المسرح quot;رايح جاي quot; يمسك باحد يديه الميكروفون و باليد الاخري بين اصابعه ورق نقدي من فئة المائة، والخمسين،والعشرين جنيه والذي يصرخ مرة واحدة في ميكروفنه مقاطعا المطرب والراقصة التي كانت تتمايل امامه quot; سلام على طوووووول للطالبية وادبها وكل اللي جاي منهاquot;، لتبدأ الفرقة الموسيقية فوق المسرح عزف تحية للحاضرين وتختلف هذه التحية حسب قيمة الحاضرين المادية، في نفس الوقت يتجه المعلم لملاقاة الحاضرين و الاشراف علىتنظيم جلوسهم و تقديم الكيف الخاص بهم.

تغيرت بشكل كبير بعض الطقوس الخاصة بالافراح في مصر و هذا كله مفهوم في ضوء مرور الزمن والتطور المرتبط به بشكل اساسي ولكن ان يتغير الغرض من اقامة المناسبة الاجتماعية كالفرح او الطهور او حتى عيد الميلاد ليصبح الهدف الاساسي من المناسب هو جمع النقود عن طريق النقوط. وذلك ليس منتشرا بشكل كبير ولكنه موجود ومعروف بالنسبة للكثيرين خاصة وسط طبقة التجار الموجودين في المناطق الشعبية، ويطلق علي الفرح في هذه الحالة اسم فرحquot;جمعيةquot; و هو مايشرحه احمد ابوهريرة جزار46 سنة قائلا :الفرح الجمعية عبارة عن مناسبة تقام بغرض جمع النقوط الذي قام بها صاحب الفرح سابقا مجاملة لاصدقائه و جيرانه في مناسبات خاصة بهم ويلجاء البعض لهذه الظاهرة خاصة حين يكون في حاجة الي جمع مبلغ من المال و من الممكن اختراع حتي مناسبة كعيد ميلاد احد ابنائه ويقوم في هذه الحالة بدعوة الجميع ويدقق في اختيارquot; النبطشيquot; الذي سوف يصاحب الفرقة وهو الشخص المسئول عن حث المعازيم على النقوط بطريقة غير مباشرة، و له اسم اخر متدول وهو شاويش المسرح، وكذلك اختيار شخصين من طرفه احدهم لكتابة اسم من سيقوم بدفع النقوط حتى يقوم صاحب الفرح برد هذه النقوط في المناسبة الخاصة بهذا الشخص او معرفة من لم يقدم النقوط لطلبه منه بطريقة مباشرة بعد ذلك بدون اي حرج منه، اما الاخر يحمل حقيبة يحتفظ فيها بالنقوط لتجميعها لصاحب الفرح.


حسن هريسة 34 سنة احد اشهر النبطشية في منطقة الجيزة الشعبية بمحافظة الجيزة يصف لايلاف اهم موصفات النبطشي الجيد قائلا اهم شيء في النبطشي هو معرفته بكل اهل المنطقة والمنطقة الاخري المفترض حضورهم المناسبة وكذلك اللسان الحلو الذي يجيد توجيه التحية للجميع بعبارات مختلفة تشعر كل واحد من الحاضرين انه اهم شخص في الفرح، وهو من يقوم بتقديم الفرقة والمطربيين الذين يحيوا الفرح لهذا يجب ايضا ان يكون عنده حسن تقدير للاشخاص حتي يقوم بتحية كل شخص التحية التي يستحقها لانه هو الذي يحفز هؤلاء الاشخاص للقيام لدفع النقوط لهذا يكون النبطشي اهم من المطرب عند صاحب الفرح واصبح هناك اشخاص معروفين بانهم الافضل في كل منطقة، وعن اهم الجمل التي يردده هريسة قال مثل الجيزة ارض الرجولة وعندما يكون في ضيوف من منطقة اخري نقول عنها انه ارض الشقاوة او الادب لانه يجب ان يراضي النبطشي الجميع بالمجاملات ايضا الكابتن فلان عم المنطقة واستاذ كذا يعني الادب والرجولة وايضا عم الكل و عفاريت الاسفلت وهذا بالنسبة للسائقين وقلعة الكبش وبقعة الدم الحمراء بالنسبة للجزارين واللي عملو من التراب فلوس بالنسبة للتجار وهكذا كل مهنة ناخذ ما يشير لها ونضعه في وسط عبارات التحية لابناء هذه المهنة.

هذه العادة ايضا موجودة في ريف مصر ولكن بشكل مختلف ولا يصل الي اقامة المناسبة بهدف جمع النقود فقط وهو ما يؤكد عليه محمد عبدالرؤوف 37 سنة من قرية بني هلال بمحافظة الشرقية بدلتا مصر قائلا دفع النقوط هو احد الطقوس الاساسية في هذه المناسبات ومن يتخلف عنها يذهب في اليوم التالي للتهنئة ودفع قيمة النقوط التي عليه والا يذهب صاحب المناسبة اليه ويطلب منه نقطته بشكل مباشر لا حرج فيه وتكون هناك الدعوة بشكل علني وجماعي مثل تعليق لافتات تدعو الجميع للمناسبة او عن طريق احد الشخاص يلف بسيارة ويعلن عن الدعوة في ميكرفون سواء في القرية او القري المجاورة لها، ولكن مع هذا لا يقيم احد مناسبة من اجل جمع المال فقط لان هذا لا ترضها التقاليد والعادات في الريف بل ان بعض العائلات الكبيرة ترفض ان تجمع اي نقوط.

طبيعة الحياة هو التغيير و هو يكون وليد الظرف الاجتماعي وكما كتب عاطف حزين احد الكتاب المصريين عن الجمعية علي اعتباره اختراع مصري وليد الظرف الاقتصادي السيئ الذي تمر به بعض الاسر والتي تتغلب عليه عن طريق الجمعية، كان هناك ايضا الفرح الجمعية والذي ظهر في السنوات الاخيرة كحل مادي لازمات البعض ولتكاتف الجميع من اجل حل ازمة مالية على انه سوف يتكرر الموقف بالنسبة للجميع.