فتحي الشيخ من القاهرة: يمسك قطعة صغيرة من الزجاج الازرق اللون يحاول تهذيبها بادواته، ثم يضعها على جزء معين من الرسم الموجود على لوح الزجاج امامه فوق الطاولة التي يعمل عليها. يمسك قطعة اخري من الزجاج بنية اللون ويقيسها على احد اشكال الرسم ثم يمسك ادوته ليضبط ابعادها مع الرسم، كل هذا وهو غارق في عالمه المنحصر بين الرسم على لوح الزجاج وبين قطع الزجاج الصغيرة المختلفة الالوان، يقضي محمد انور 25 سنة يومه الذي يبدأ من العاشرة صباحا كل يوم الى العاشرة من مساء في الورشة بحي مصر القديمة بالعاصمة المصرية القاهرة، يضع قطع الزجاج الصغيرة الملونة بجوار بعضها كقطع البازل ليخرج تحفة فنية في النهاية، منذ ست سنوات وهذا هو روتين حياته الذي لايتغير الا في العطلات الاسبوعية والاعياد، كانت البداية عندما كان يصمم اشكال فقط للورشة وكان يشاهد العمال بالورشة حين يحضر رسوماته وهم يحولوا الاشكال علي الورق الي رسومات بالزجاج بمهارة فائقة وفي احد المرات طلب من صاحب الورشة ان ينضم الي عمال الورشة ليتعلم هذه الصنعة بعد ان تعلق قلبه بها ولكن بعد ست سنوات يصنع القطع الفنية من الزجاج المعشق يقول المشكلة ان المشترين عددهم قليل ولكن في نفس الوقت هذا العمل اصبحت لا اتصور ان اعمل باي مهنة سواها وان كنت اخشي ان اتركها مضطرا الى ذلك.


لا يختلف حال محمد انور عن احوال 3 ملايين حرفي في مصر يخافوا من انقراض الاعمال التي يعملوا بها مستقبلا وهذا ما حذرت منه دراسة صادرة عن الغرفة التجارية بالقاهرة في شهر ايار الماضي من انقراض الحرف اليدوية في مصر وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين عامل، و أكدت الدراسة أن الحرف اليدوية تواجه خطر الانقراض بسبب العديد من المعوقات مثل غياب العائد المادي الذي يكفل للعاملين فيها الاستمرارية في العمل، كما أن الحياة العصرية والبحث عن الموضة وعدم الاعتناء بالمقتنيات اليدوية سبب آخر لانهيار الحرف اليدوية، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد العاملين والمستفيدين من الصناعات الحرفية كان قبل بضعة أعوام يصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين عامل و ان كان الخبراء يؤكدون أن هذه الاعداد بدأت في التراجع خلال الاعوام الاخيرة.


من أهم الصناعات التي اصبحت مهددة صناعة الزجاج،والسجاد اليدوي و الحفر علي النحاس، والخشب، والتطعيم بالصدف،و الخيامية، والخرط الخشبي، والمصاغ الشعبي و صناعات تشكيل المعادن، محمد بخيت 59 سنة صنايعي فوانيس في احد الورش بمنطقة باب الخلق التى يتمركز فيها شيوخ الصناعة وأشاوستها والمتخصصين فى إعداد الفانوس في مصر، يقول بخيت لايلاف منذ سنوات والاوضاع تغيرات بعد ان اصبحت الصين تصنع الفوانيس الصغيرة وتغرق بها السوق، وكل عام انتاجنا يقل عن العام السابق وحتى عندما قرر اغلب اصحاب الورش التركيز اكثر في تصنيع الفوانيس الكبيرة التي لها سوق حتى بين العرب وجدنا الصين تقوم بتنزيل فوانيس كبيرة تقليد لنا وان كانت مازالت على نطاق ضيق مع ان الفارق بين الفانوس المصنوع يدوي و المصنوع بواسطة الة كبير، نحن الاصل بينما هم تقليد ليس فيه فن، هنا في الورشة نعمل الفانوس ( الكبير باولاد) وهو مربع عدل وفي أركانه الأربعة فوانيس أخرى أصغر حجماً، و (مقرنس أو مبزبز كبير) وهو بشكل نجمة كبيرة متشعبة ذات إثنى عشر ذراعاً وكلها اشكال فن اسلامي بعكس فانوس الصين الذي يفتقد للروح والمعني، بالفعل مازالت اغلب الورش تعمل حتى اليوم وتنتقل فيها المهنة من جيل الى جيل يقول هذا وهو ينظر الى صبيين يجلسا بجوار الحائط وكل منهم يمسك قطع من الصاج يقطعها الى قطع اصغر ذات شكل معين و يضيف بخيت لايلاف لم يتوقف العمل تماما ولكن هذا ما اتوقعه في المستقبل وبالتالي هذه المهنة لا تكون ذات جدوي في المستقبل لمن يتعلم هذه المهنة الان.

الحفاظ على الحرف والمهن المرتبطة بالتراث تحديدا ليس ترف ولكن واجب للحفاظ على الهواية الثقافية في احد جوانبه و هذا ما فطن له الباحثيين بجمعية اصالة وقام الباحثون بالجمعية بتوثيق الحرف المصرية والبحث عن اسباب مشاكلها و التقصي عن أسباب تدهور بعض الحرف واندثار البعض الآخر، والبحث في كيفية علاج ذلك وعرض الوجه المشرف لتراثنا الحرفي والفني الأصيل، وهذا ما يقول عنه عزالدين نجيب رئيس الجمعية كان من اهم اوجه القصور هي نقطة الاتصال بين الصانع والمستهلك لهذا نقوم بعمل اسواق للمنتجات التراثية ونقوم بتنظيم دورات في بعض المهن اليدوي لندرب شباب على ايدي حرفيين مهرة وهذا كله مجرد خطوة على الطريق واعتقد انها يجب ان النظر اليها باهتمام من جانب الدولة حيث اغلب هذه المهن تستعمل خامات محلية و تستوعب ايضا ايدي عاملة كثيرة وهناك تجربة مهمة في هذا المجال قامت بها احد الدول العربية وهي المغرب حيث سن قانون فيها الزام اصحاب من يبني بان يكون 20 % من مكونات العقار من منتجات العمل اليدوي وهذا وصل باصحاب الحرف اليدوية هناك الى خمس ملايين عامل مغربي وبالتالي ساعد بشكل كبير في حل مشكلة البطالة و كذلك فتح اسواق خارجية والحفاظ علي الهوية الثقافية لهذا يجب على مصر ان تنظر لهذه المهن بشكل افضل وان تكون هناك خطة من جانب الدولة للحفاظ عليها من الاندثار.

تصوير محمد علي الدين