عبد الجبار العتابي من بيروت: كثيرون هم الاطفال المصابون بمرض السكري ، ولكن الطفلة تالين من سوريا أنموذج للمعاناة الحقيقية بالاضافة الى التحدي الكبير الذي واجهته أسرتها لتجاوز المضاعفات ولابعاد شبح الموت عنها .
كانت علامة تلفت النظر والانتباه بجسدها المنتفخ وشكلها الطفولي المتعب ووجهها المائل للاصفرار ومشيتها الوئيدة حيث تقودها امها ، وحين انعقد المؤتمر الخاص بالبرنامج التوعوي المبتكر الذي اطلقته شركة (سانوفي ndash; افينتيس) تحت اسم (حكايتي مع السكري) في فندق فينيسيا في بيروت، كانت تتصدر المكان وهو ما يؤكد انها مصابة بمرض السكري وان ما يحمله جسدها من تغيرات هو بسببه ، هذه الطفلة ذات الاثني عشر ربيعا اسمها (تالين حزواني) جاءت مع والدتها من سورية لتشارك في المؤتمر بصورتها وهيئتها وتترك لامها المساهمة في عرض شهادتها حول خبرتها الشخصية في معاناتها مع حالة ابنتها من النوع الأول للمرض ولتشرح تأثيرات العائلة والمجتمع على ما تعانيه ابنتها .
وبالتأكيد .. ليست هي الطفلة الوحيدة المصابة بمرض السكري ، ولكنها (انموذج) كان من الضروري عرضه والتعريف به من أجل التثقيف والتوعية للتعامل مع المصابين بالمرض من أجل حياة أسهل لكل مريض حيث يهدف البرنامج الى إظهار أن مرضى السكري يمكنهم الاستمتاع بحياة ناجحة رغم مرضهم، وكان انموذج (تالين) صورة معبرة بالفعل عن قدرة الاهل على التفاعل مع مرض ابنائهم وتمكنهم من السيطرة على السكر في الدم .
حاولنا ان نتحدث مع (تالين) لكنها لم تعرف غير الصمت ، ولم تنطق بكلمة واحدة على الرغم من تأكيدات والدتها بأنها ليست خرساء، ولا تفعل سوى النظر والاستسلام لأوامر أمها بالوقوف أمام الكاميرا لالتقاط صور كانت هي الأكثر بين المشاركين ، فيما كانت ابتسامتها لا تشاهد الا نادرا ،حينما تعبر عن حيائها فقط ، ويبدو انها لا تعرف سوى انها تختلف عن الاخرين وبالتحديد الاطفال من أقرانها ، فيما ملامح البراءة واضحة على وجهها وان ارتسمت عليه علامات المرض الواضحة التي عبرت عن وجه أنهكته جرعات الانسولين، فالمرض في سنواته الطويلة كما تؤكد أمها اثر فيها كثيرا .
سألنا أمها رزان حزواني عن تالين فقالت : هي واحدة من أربعة ابناء لي لكنها الأصغر بينهم، والوحيدة التي تعرضت للاصابة بالمرض، وحين اكتشفنا المرض لاول مرة كان عمرها سنة وشهرين تقريبا ، وقد لاحظنا ذلك لظهور حالات مثل نقص في وزنها وظهر ذلك بشكل واضح خلال عشرة ايام ، واصابها خمول وتكرار في التبول ، واصابها جفاف ايضا بالاضافة الى كونها مرهقة جدا ، ولم تكن طبيعية ابدا ، فأخذناها الى الاطباء واجرينا التحاليل وظهرت الاصابة ، وعلى الفور باشرنا بأعطائها الانسولين على عكس الكثيرين الذين يعتقدون ان الانسولين لايمكن ان يعطى في بداية المرض ، وهكذا عاشت تالين طوال الاحدى عشرة سنة على الانسولين .
وأضافت : كان العبء الاكبر علينا كعائلة فهي صغيرة ولا تعرف ماذا يحدث لها ، ليس عبء علاجها فقط بل عبء الناس والمجتمع بشكل عام والذي جعلنا نمر في حالات صعبة ، كان كل من يراها يتعاطف معها كونها طفلة واعراض المرض بادية عليها ولكن هناك من يرمي باللوم علينا، ويطالبنا برعايتها ، او يبدأ بتقديم النصائح والارشادات وما يجب علينا ان نفعله وكأنهم يعرفون كل شيء فيما نحن لا نعرف شيئا ، وهذا وحده أضاف الينا تعبنا وجهدا اضافيين فوق قلقنا ووجعنا على ما أصاب تالين، يريدون ان يقولوا انهم وحدهم الذين يعرفون كل شيء عن المرض ويعرفون طرق علاجه ووحدنا الذين لا نعرف شيئا ، ولم نكن مقصرين معها ابدا ، بل انني دخلت دورات تثقيفية خاصة حول كيفية التعامل مع مريض السكري ، واستفدت منها كثيرا واستطعت ان اعرف كل ما يخص المرض وكيفية التعامل معه ومع ابنتي المريضة وصرت اعرف التعامل مع السكر حين يرتفع في الدم وحين يهبط ، وقد صادفتني الكثير من الحالات هذه وقد استطعت بفضل الدورات التثقيفية ان اكون قريبة من ابنتي جدا ، وكان لديّ اصرار وتحدي على ان اقوم بدور كبير في علاجها وتوفير سبل الراحة لها على الرغم من المدة الطويلة ، ولهذا انا أنصح كل ام لديها طفل مصاب بالسكري ان تعمل على تثفيف نفسها والدخول في دورات توعية مما يجعلها تقوم بالدور اللازم ولا تذهب الى المستشفى او الطبيب كلما شعرت ان وضع المريض غير مستقر ، فأنا اعمل على فحص نسبة السكري عند تالين صباحا ومساء وأعرف كيف أرعاها وأحافظ عليها .
وتابعت السيدة حزواني : طفلتي تذهب الى المدرسة ولم تكن تحمل كتبها فقد بل تحمل حقن الانسولين معها التي لا تعالج إلا به كونه من النوع الاول ، وبالتأكيد هي ليست كباقي الأطفال وهي تعرف أنها مريضة ولكننا نحاول ان نجعلها تبدو طبيعية ونجنبها قدر الامكان قسوة المرض .
وأثنت السيدة حزواني على البرنامج التوعوي الإقليمي (حكايتي مع السكري)، الذي نظمته شركة (سانوفي أفينتيس) كونه يهدف إلى مناقشة مرض السكري ، ولانه أعطى إرشادات طبية توعوية للمجتمع العربي في كيفية التعامل مع مرضى السكري وكيفية ادارتهم للمرض عند اكتشافه من اجل العيش بتفوق مع تلقي العلاج والدعم المعنوي حيث لابد للاهل ان يعرفوا كل شيء عن المرض .
وفي المقابل اثنى عدد من الاطباء المشاركين على حزواني وتحديها للمرض بمساعدة ابنتها وتغلبها على الكثير من الظروف الصعبة خلال أحد عشر عاما وكانت بمثابة ممرضة حقيقية ،مؤكدين اعتمادها على مبدأ العلاج والتشجيع المتواصل لكي تعيش ابنتها حياة ناجحة وتدعوها الى التفاؤل .
التعليقات