أجرت صحيفة النيويورك تايمز تحقيقاً أشارت فيه إلى ما توصلت إليه شركات شحن عدة من أن خفض السرعة القصوى لوسائل نقلها قللت استهلاك الوقود وخففت انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون.

في عصر تحكمه السرعة ابتداء من ايصال الطرود في الوقت الذي يحدده الزبون مرورا بالقطارات فائقة السرعة وانتهاء بالحصول على نقود في غضون ثوان من ماكنات الصرف الآلي، توصلت شركة دنماركية الى نتيجة تشذ عن هذه القاعدة وأثارت في البداية استغراب نظيراتها من الشركات. إذ اكتشفت شركة ميرسك الدنماركية للشحن البحري ان quot;ابطأ يكون أحسنquot;. واكدت الشركة انها بخفض السرعة القصوى لسفنها الى النصف خلال العامين الماضيين قللت استهلاك الوقود على الطرق البحرية الرئيسة بنسبة تصل الى 30 في المئة ومن خلال ذلك خفض التكاليف ايضا بدرجة كبيرة. ولكن الشركة حققت خفضا لا يقل أهمية بتقليل انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مدير الحفاظ على البيئة في الشركة سورين شتيغ نيلسن ان التركيز كان في السابق على معرفة التكاليف وإيصال البضاعة بأسرع وقت ممكن مشيرا الى ان الاقتصاد في استهلاك الوقود بخفض سرعة سفن الحاويات بدأ عام 2008 عندما قفز سعر النفط الى 145 دولارا للبرميل.

ولكنه اضاف ان هناك الآن بعدا ثالثا هو حساب كمية ثاني اوكسيد الكاربون المنبعثة. ولفت في هذا الشأن الى ان تسيير سفن الشحن بسرعة أبطأ فرصة كبيرة لخفض انبعاثات ثاني اوكسيد الكاربون دون ان تترتب على ذلك تكاليف كبيرة في التجديد والابتكار.

عملا بهذه السياسية أفادت شركة ميرسك للشحن البحري زبائنها الذين يريدون وصول بضاعتهم في اقرب وقت بأن quot;تسيير السفن بسرعة قصوى مسألة مشكوك فيها اقتصاديا وبيئياquot;.

وكانت الانبعاثات الناجمة عن النشاط الاقتصادي في قطاع النقل ازدادت بحدة خلال العقود الثلاثة الماضية مع تنامي معدلات التجارة العالمية بوتائر متسارعة، وخاصة نقل البضائع عبر مسافات طويلة من آسيا. فان تجارة سفن الحاويات تضاعفت ثماني مرات خلال الفترة الواقعة بين 1985 و2007. وظلت القاعدة المتبعة تتمثل في ايصال البضاعة الى السوق بلا تأخير ولكن النتيجة كانت انطلاق الطائرات والسفن والشاحنات بسرعة كثيرا ما تكون على حساب الكفاية في استهلاك الوقود.

واكتشفت شركة ميرسك الدنماركية ان تخفيف السرعة يقلل الانبعاثات لأنه يحد من قوة الاحتكاك ومقاومة الماء عندما تشق السفينة طريقها عبر البحار. ويصح هذا المبدأ الفيزيائي على الهواء والبر. فالطائرات تستطيع خفض الانبعاثات بتخفيف السرعة بنسبة 10 في المئة مثلا وبذلك اضافة 5 أو 6 دقائق فقط الى رحلة بين نيويورك وبوسطن أو بين كوبنهاغن وبروكسل، كما قال بيدر ينسن، خبير النقل في وكالة البيئة الاوروبية.

من جهة أخرى تؤكد وكالة البيئة الدولية ان قيادة السيارة بسرعة 55 ميلا في الساعة بدلا من 65 ميلا في الساعة تخفض انبعاثات الكاربون من السيارات الاميركية بنحو 20 في المئة.

وبالطبع فان تسيير السفن حتى بالسرعة المتعارف عليها أشد فاعلية واعلى كفاية من النقل البري. فان نقل طن من لعب الأطفال من شنغهاي الى شمال المانيا يسبب انبعاثات اقل مما يسببه نقلها برا فيما بعد الى برلين في الجنوب.

في البداية وقفت بعض شركات الشحن ضد فكرة تخفيف السرعة محتجة بأن لا غنى عن السرعة لخدمة زبائنها. ولكن فيليب داماس مدير قسم حركة النقل البحري في شركة دروري الاستشارية المختصة بقطاع الشحن في لندن قال ان شركات من المانيا الى الصين بدأت تنفذ استراتيجية التخفيف من السرعة.

وتعتمد هذه السياسة الآن اكثر من 220 سفينة تبحر بسرعة 20 ميلا بحريا في المياه المفتوحة بدلا من 24 أو 25 ميلا بحريا هي السرعة المتعارف عليها، بل ان شركة ميرسك الدنماركية خفضت سرعة سفنها الى 12 ميلا بحريا واخذت على عاتقها دفع التكاليف المترتبة على بقاء اطقم السفن فترات اطول في البحر. ويقول خبراء ان اي زيادة في اسعار المحروقات أو الضرائب ستزيد من افضليات الابحار بسرعة أبطأ.

يقول الباحث ديفيد بونيلا من جامعة اوكسفورد ان خفض السرعة فكرة جيدة لكنها لا تكفي بمفردها للحد من الانبعاثات الغازية المتنامية بتأثير انماط التجارة في عالم اليوم حيث تُنتج كميات هائلة من البضائع في آسيا لكنها تُستهلك في اوروبا أو الولايات المتحدة. وهو يقترح رفع تكاليف الوقود في عمليات الشحن ذات المسافات البعيدة لدفع شركات النقل البحري الى الاستثمار في سفن جديدة تعمل بكفاية اعلى أو الانتقال الى طرق بحرية أقصر.

في غضون ذلك تعمل شركة ميرسك الدنماركية مع زبائنها بأمل خفض سرعة عدد اكبر من سفنها وتفكر في فرض رسوم متغيرة على الزبائن تتناسب تناسبا طرديا مع سرعة السفينة التي يريدها الزبون.

ويذكر في هذا الإطار أن في مؤتمر كوبنهاغن حول التغير المناخي الذي عقد في كانون الأول/ديسمبر اقترحت وزيرة البيئة الدنماركية حينذاك ووزيرة المناخ في الاتحاد الاوروبي حاليا كوني هيديغارد فرض ضريبة على الوقود الذي يُستهلك في عمليات الشحن واستخدام الايرادات المتحققة من ذلك لمساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع ارتفاع حرارة الأرض.