إيلاف من لندن: في وقت يشهد فيه العالم تراجعاً مقلقاً في خصوبة الرجال، حيث ينخفض عدد الحيوانات المنوية سنوياً بنسبة تتراوح بين 1% و2.6%، كشفت دراسة جديدة وصادمة عن عدو خفي يتسلل إلى أجسادنا عبر طعامنا: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تشن حرباً صامتة داخل الخصيتين، وتجبر خلايا الحيوانات المنوية على "الانتحار".
الدراسة، التي نشرت نتائجها مجلة "نيوز ميديكال" العلمية، لا تكتفي بتأكيد وجود هذه الجسيمات في السائل المنوي، بل تكشف لأول مرة عن الآلية الجزيئية المروعة التي تتبعها لتدمير جودة الحيوانات المنوية، من الداخل إلى الخارج.
فإلى جانب عوامل الخطر المعروفة التي تؤثر على الخصوبة كالسمنة والتوتر، يبرز الآن دور الملوثات البيئية، وعلى رأسها البلاستيك، كعامل رئيسي في هذه الأزمة العالمية.
ماذا كشفت الدراسة؟
اعتمد الباحثون على تحليل عينات من 200 رجل في سن الإنجاب، وكشفت النتائج عن وجود جسيمات بلاستيكية دقيقة في 55.5% من عينات السائل المنوي، مع تركيز أعلى لدى الرجال الذين يستخدمون أدوات المائدة البلاستيكية بشكل يومي.
لكن الجزء الأكثر إثارة للقلق جاء من التجارب على الفئران، حيث أدى تعريضها لجسيمات بوليستيرين دقيقة إلى نتائج كارثية:
- انخفاض تركيز الحيوانات المنوية بنسبة 33%.
- انخفاض حركتها الكلية بنسبة 21%.
- زيادة كبيرة في الأشكال المشوهة وغير الطبيعية.
الآلية الخلوية: كيف تجبر الجسيمات البلاستيكية الحيوانات المنوية على "الانتحار"؟
كشفت الدراسة أن الخطر لا يكمن في مجرد وجود هذه الجسيمات، بل في قدرتها على اختراق نظام الاتصالات الداخلي للخلية ودفعها إلى تدمير نفسها. يمكن تبسيط هذه العملية المعقدة بالخطوات التالية:
الإنذار الكاذب: عندما تتسلل الجسيمات البلاستيكية إلى الخلايا، تستقبلها بروتينات FOXA1 التي تعمل كـ"أجهزة استشعار"، وتطلق إشارات خطر.
نقل الرسالة: تقوم هذه المستشعرات بتنشيط بروتينات MAP3K1، التي تعمل كـ"مركز تحكم" ينقل الإنذار عبر سلسلة من الأوامر المتتالية.
إطلاق صفارة الإنذار: تصل السلسلة في النهاية إلى بروتين p38، الذي يشبه "جهاز إنذار" يطلق إشارات طوارئ في جميع أنحاء الخلية عبر بروتين آخر هو p-c-fos.
قرارات كارثية: هذه الإشارات المضللة تدفع الخلية إلى اتخاذ قرارين مدمرين:
الالتهام الذاتي (Autophagy): تبدأ الخلية في هضم مكوناتها الداخلية الأساسية، وكأنها تأكل نفسها من الداخل.
الموت المبرمج (Apoptosis): تبدأ الخلايا في تدمير نفسها بشكل انتحاري.
هذه الحرب الخلوية هي ما يفسر لماذا لا يقتصر الضرر على انخفاض أعداد الحيوانات المنوية فحسب، بل يمتد إلى إضعاف حركتها وزيادة تشوهاتها، محولةً "خط الإنتاج" الحيوي إلى "ورشة مليئة بالأعطال".
ماذا يعني هذا لمستقبل الخصوبة؟
تشكل هذه النتائج تحذيراً خطيراً من المخاطر الإنجابية للتعرض اليومي للبلاستيك، خاصة من أدوات المائدة التي تتفاعل مباشرة مع طعامنا. وتسلط الدراسة الضوء على الحاجة الملحة لسياسات صحية تحد من استخدام البلاستيك وتشجع على بدائل أكثر أماناً، كما تفتح الباب أمام أبحاث أوسع لفهم التأثيرات طويلة المدى لهذه الجسيمات على الصحة الإنجابية للأجيال القادمة.
















التعليقات