تشير التوقعات إلى هزيمة الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية حتى أصبحت النتيجة واقعاً مفروغاً منه.


من المتوقع ان يتكبد الديمقراطيون خسائر كبيرة في انتخابات الكونغرس النصفية الشهر المقبل. وباتت هذه الهزيمة نتيجة مفروغا منها حتى ان المحللين شرعوا من الآن في البحث عن اسباب هذا الانقلاب في موقف الناخب الاميركي بعد سنتين على فوز باراك أوباما والديمقراطيين. ويكتب المحلل الاميركي مايكل بارون في صحيفة الديلي تلغراف ان نفور الناخب الاميركي من تدخل الحكومة في الحياة الاقتصادية يأتي في مقدمة الاسباب.

فاز أوباما في عام 2008 بنسبة 53 في المئة مقابل 46 في المئة لمنافسه الجمهوري. ولم يكن هذا فوزا ساحقا لكن أوباما حصد من الاصوات اكثر مما حققه اي مرشح رئاسي ديمقراطي باستثناء اندرو جاكسون وفرانكلن روزفلت وليندن جونسون. وتزيد اصوات أوباما على الاصوات التي حصل عليها جون كندي وودرو ولسن وجيمي كارتر وبيل كلنتون من بين رؤساء ديمقراطيين آخرين.

وفاز الديمقراطيون بأغلبية الاصوات في انتخابات مجلس النواب الذي يعتبر مؤشرا مهما للتأييد الشعبي فحصدوا 54 في المئة من الاصوات مقابل 43 في المئة للجمهوريين. ولكن استطلاعات الرأي تنذر بأن هذه النسب والارقام يمكن ان تنقلب بالاتجاه المعاكس.

ووقع الديمقراطيون ضحية تنظيرات اصحابها علماء سياسيون تقدميون يذهبون الى ان التاريخ يتحرك بصورة حتمية وصائبة نحو اليسار، من غياب دور الحكومة الى تدخلها بقوة في تنظيم الحياة الاقتصادية. وقال مؤرخون متأثرون بالسياسة الجديدة التي انتهجها روزفلت في مواجهة الكساد العظيم ان الناخبين في اوقات الضائقة الاقتصادية يؤيدون توسيع دور الحكومة أو يقبلون به على أقل تقدير.

وإذ تسلم أوباما وقادة الكونغرس مقاليد الحكم في أعقاب أزمة مالية وفي غمرة ركود عميق فانهم عملوا ورسموا سياساتهم على اساس هذه التنظيرات. فأقر الديمقراطيون رزمة بقيمة 787 مليار دولار لتحفيز النمو الاقتصادي رافدين بالمال ادارات حكومية متعددة.

وذهب ثلث هذه الحوافز الى حكومات الولايات والحكومات المحلية ولحماية العاملين في قطاع الدولة من آثار الركود. كما اصدروا قانونا في مجال العناية الصحية لاقى معارضة شديدة من غالبية الرأي العام الاميركي. ومن المتوقع ان يتبدى دور هذه المعارضة حين يستيقظ الديمقراطيون على نتائج الانتخابات النصفية صبيحة 3 تشرين الثاني/نوفمبر.

أخضع الديمقراطيون نظريات العلماء السياسيين التقدميين ومؤرخي سياسة روزفلت المعروفة باسم quot;الصفقة الجديدةquot; في الثلاثينات للاختبار ففشلت فيه فشلا لا يقبل اللبس. واحد اسباب الفشل ان التاريخ الذي يشفعون به نظرياتهم لا يقف معهم بشكل مطلق. صحيح ان الناخبين ضمنوا للحزب الديمقراطي بزعامة روزفلت اغلبية كبيرة في 1936 و1936 بعدما بدا ان سياسات quot;الصفقة الجديدةquot; اوقفت دوامة التضخم واعادت وضع الاقتصاد على سكة النمو.

ولكن توسيع قطاع الدولة لم يخفض البطالة الى اقل من 10 في المئة إبان عقد الثلاثينات. وكانت استطلاعات تلك الفترة تشير الى ان غالبية الاميركيين يرون ان الحكومة تسرف في الانفاق وان الغموض الذي يكتنف مستويات الضربية والضوابط لا يشجع الشركات على ايجاد فرص عمل وان النقابات تتمتع بقوة مفرطة. ومن الجائز القول ان الديمقراطيين كانوا سائرين نحو الهزيمة في عام 1940 لولا اندلاع الحرب.

بكلمات أخرى ان الناخبين في اوقات الضائقة الاقتصادية لا يؤديون بالضرورة السياسات التي تنيط دورا كبيرا بالدولة والحكومة. والبريطانيون مثلا يعرفون ذلك حق المعرفة. فهم رفضوا سياسات حزب العمال في انتخابات 1931 و1935. كما رفض الناخبون في كندا واستراليا الأحزاب الداعية الى توسيع دور الدولة في ذلك العقد نفسه. ولم يصوت البريطانيون لصالح حزب العمال إلا بعد الانتصار في الحرب وما اقترن به من تنامي سمعة الدولة وأهمية دورها.

اعلن الديمقراطيون بزعامة أوباما انهم يصنعون التاريخ وقت نجحوا في تمرير قانون الضمان الصحي على الضد من اعتراضات غالبية الناخبين الاميركيين معبرا عنها في استطلاعات الرأي. وما كان ماثلا في اذهان الديمقراطيين هو نسخة من التاريخ كتبها مؤيدو سياسات الصفقة الجديدة إبان الثلاثينات. ولكنها لم تكن نسخة دقيقة في وصف ذلك العقد وان اميركا اليوم حتى اقل تحمسا لانتخاب حكومة quot;توزع الثروة على رقعة واسعةquot;، كما قال باراك أوباما للسباك جو في مدينة توليدو بولاية اوهايو في تشرين الأول/اكتوبر 2008.

ان اعادة توزيع الثروة ليست فكرة عصرية بل فكرة بالية اول من دعا اليها منظرون اكاديميون نخبويون قبل قرن أو أكثر. فهم رأوا من حولهم مجتمعا انشأت فيه فئة صغيرة من الأفراد شركات عملاقة وجمعت ثروات طائلة فيما كانت الجماهير تعيش في احياء مكتظة داخل مدن صناعية كئيبة حيث لم يتمكن الانسان البسيط ذات يوم من تكوين ملكية يُعتد بها، بل لم يكن يعرف حتى الحساب المصرفي، وكان الكثير من هذه الجماهير مهاجرين وفدوا من اماكن لم تألف هذه الحياة. وتصور هؤلاء المنظرون ان اعادة توزيع الثروة على رقعة اجتماعية اوسع من شأنه تحسين اوضاع هؤلاء ويمنع قيام ثورة ايضا. وما كانوا يعرفون ان الثورات الدموية على طريقة باريس أو بتروغراد لن تحدث في بريطانيا او اميركا.

فالاميركي الاعتيادي يراكم في زمن حياته ثروة لا يُستهان بها من خلال الاستثمار في السكن والاوراق المالية. وقد تضررت هذه العملية تحت وطأة الركود ولكن غالبية الاميركيين لم يتخلوا عن هذا المسعى وهم يعتقدون ان السياسات التي تنيط دورا كبيرا بالدولة تخنق النمو الاقتصادي الذي يتيح تراكم الثروة وان 400 دولار من الاعفاءات الضريبية التي تدخل جيوبهم لا تعوض عن ذلك.

لا يُعرف على وجه الدقة حجم الهزيمة التي سيمنى بها الديمقراطيون وليس واضحا ما إذا كان الجمهوريون سيطرحون سياسات جدية لرد التوسع الديمقراطي في دور الدولة على اعقابه وما إذا كان الناخبون سيؤيدونهم أن هم فعلوا ذلك. ولكن الاميركيين الذين اقلبوا على quot;الأمل والتغييرquot; قبل عامين رفضوا التغيير الذي قُدم لهم.

* مايكل بارون محلل اقتصادي يعمل في مجلة quot;واشنطن اكزامينرquot; وزميل في معهد اميركان انتربرايز.