صبايا ليبيا بانتظار الفرح

يرى العديد من رجال الثورة الليبية، الذين حرمهم الفقر في عهد القذافي من الزواج، ضوءاً ساطعاً في نهاية النفق بعد تخلّصهممرّة وإلى الأبدمن استبداده، الذي جثم على صدورهم عقودًا. وتحوّل هؤلاء فجأة إلى محط أنظار الجميلات اللواتي يتسابقن للحديث معهم وسماع أخبار بطولاتهم.


يعمل الليبي أحمد نوري (33 عامًا) سائقًا لشاحنة. وهو يقرّ لمراسلة مجلة laquo;فورين بوليسيraquo;، الأميركية - الليبية، التي أعدت تقريرًا عن نوع التحول المحتمل في حياة الشباب الليبي الاجتماعية، بأن الفقر الذي طال معظم الأسر في عهد القذافي شغله عن البحث عن زوجة ودار خاصته وأبناء يمرحون من حوله.

يبتسم نوري ليكشف عن أسنان تراصّت بغير انتظام قائلاً: laquo;من تريد زوجًا بهذا القبح؟ لو كانت أسرتي تتمتع بشيء من اليسر لأخذتني إلى طبيب الأسنان، ولخرجت بصفّين منهما أُحسد عليهماraquo;. لكن المؤكد هو أن نوري ndash; وأمثاله من رجال الثورة الذين ظلوا بلا زواج ndash; يرون الضوء ساطعًا في نهاية النفق، بفضل الإنجاز الهائل الذي تحقق على أيديهم، وهو خلاصهم من استبداد العقيد مرة وإلى الأبد.

يرتدي نوري زياّ مموهاّ شبه عسكري، ويلف رأسه بـlaquo;منديل القراصنةraquo;، ويحمل بندقيته بفخر جارف... وكل هذا يقول إنه من أولئك الشباب الذين حملوا السلاح ضد النظام الشرس، الذي جثم على صدر البلاد زمنًا أطول من أعمارهم جميعًا.

الآن وبعدما كان نوري وأمثاله يبحثون عن جميلات على استعداد لسماع ما يقولون، صاروا فجأة محط أنظار الجميلات اللائي يتسابقن إلى الحديث إليهم.

عين على ما يمكن أن يأتي به العهد الجديد

يقول نوري - ويتفق معه صحبه الرجال -: laquo;يأتين إلينا ويقلن أشياء على شاكلة laquo;شكرًا لكم، أنقذتمونا، وملأتم صدورنا بالفخر وأسعدتموناraquo;. وكان يلقي بحديثه هذا وسط مأدبة عامرة عامّة أقامها أهل حيّه في إحدى ضواحي طرابلس، وذبحوا فيها عشرة جمال على شرف laquo;أبطال المنطقة المغاويرraquo;.

قريبًا من هؤلاء، وقفت مجموعة من الشابات، معظمهن بالتنورة الطويلة والبلوزة والحجاب، يضحكن، وكل منهن تقرر مَن مِن الشباب أمامها تختار ليكون عريسًا لها. ومن هؤلاء الصبايا تقول إسراء القاضي (20 عامًا): laquo;قبل الثورة كان كل ما يفعله هؤلاء الشباب العاطل هو التسكع بلا هدف في الطرقات، ولذا فلم نكن نأبه بأي منهمraquo;.

وتمضي قائلة: laquo;لكن الصورة اختلفت الآن، وصاروا أبطالاً في نظرنا، لأنهم هم الذين أتوا إلينا وإلى البلاد بالحرية والكرامةraquo;. تتفق معها أخرى اسمها ريحانة (19 عامًا) بالقول: laquo;بصراحة ما كنا نعتقد أن بوسعهم تحقيق الإنجاز التاريخي الذي قاموا به. لكنهم أثبتوا أنهم من معدن نفيس حقًا وأغلى ما نملكه في هذه البلادraquo;.

مع هواء الحرية الجديدة يأتي أيضًا خطاب جديد مفعم بالضحك المنسي. فتقول الرسائل المتبادلة على رسائل الجوال والإنترنت: laquo;هل تبحثين عن ثائر للزواج؟ اضغطي على الحرف laquo;بraquo; إذا كنت تريدينه من بنغازي، أو laquo;مraquo; إذا كنت تفضلينه من مصراتهraquo;!.

الواقع أن كل ذلك المزاح يحمل وراءه قضية جادة لا تخصّ ليبيا وحدها، وإنما مجتمعات laquo;ربيع العربraquo; التي أحالها حكامها ndash; باسم الدين وغيره ndash; إلى كيانات مقسمة بين الذكر والأنثى. وهو تقسيم يظل قائمًا، وإن كان على حساب الرفاه الاقتصادي، الذي يعود على البلادكلها، عبر إطلاق طاقات الشباب الهدّارة بغضّ النظر عن الجنس.

يهمل أولئك الحكام أن المنطقة العربية تتمتع بثاني أكبر نسبة مئوية للشباب على وجه البسيطة، إذ إن قرابة ثلثي العرب دون سنّ الثلاثين. وفي تباين صارخ ومؤلم مع هذه الحقيقة فإن هذه المنطقة نفسها تعاني أكبر نسبة عطالة في العالم وسط السكان عمومًا من جهة، والشباب خصوصًا من الجهة الأخرى.

والواقع أن بعض أكاديميي العلوم السياسية الغربيين ابتدعوا مصطلح waithood - التي يمكن ترجمتها بشكل فضفاض إلى laquo;مرحلة الانتظارraquo; - لوصف حالة الملايين من الشباب العربي laquo;الكسيح اقتصاديًاraquo;. فهو لا يجد فرص العمل أو نوع الوظائف التي تتيح له العيش الكريم والقدرة على الزواج في مجتمع لا يسمح بلقاء المرأة والرجل الغريبين منفردين الا إذا كانا زوجين.

ثورة الشباب.. هل تُغيِّر حال الشباب؟

بالنسبة إلى ليبيا، فقد كانت سنوات القذافي عجافًا في ما يتعلق بالزواج. فنظامه لم يخفق في خلق الوظائف الجيدة المناسبة للشباب وحسب، وإنما دمّر تلك التي كانت قائمة أصلاً بسبب مشاريعه الجماهيرية والاشتراكية العشوائية وغير المدروسة، سواء من ناحية الجدوى أو التطبيق أو النتائج.

وبلغ الأمر حدّ أن سلطات النظام القديم نفسها أقرّت بأن نسبة البطالة وسط الشباب الليبي تصل إلى 20%، أي قرابة ضعف المتوسط في المنطقة.

وفي بلاد تتمتع بثروة نفطية هائلة وبأحد أجود أنواع النفط في العالم، فإن المراقب يحار إزاء الحقيقة القائلة إن معدل الرواتب لا يزيد عن القليل من مئات الدولارات، وإن متوسط دخل الفرد السنوي يقل عن 10 آلاف دولار. فكيف يتسنّى للشباب الزواج، وتكاليفه وحدها لا تقلّ عن هذا المبلغ بكامله، ناهيك عن متطلبات الحياة الزوجية نفسها ونوع الدخل المنتظم الذي يجب أن يتوافر لها؟.

لذا فإن الشعور الذي ظل سائدًا وسط الصبايا هو أن بلادهن تعاني نقصًا حادًا في عدد القادرين على الزواج ومسؤولياته: أولاً بسبب الخسائر البشرية التي عاد بها القذافي من مغامراته العسكرية في تشاد وغيرها، وثانيًا بسبب تفشّي العطالة والنقص المريع في الوظائف أيًا كانت.

يبدو أن المجلس الوطني الانتقالي، الذي حاول حلّ هذه المشكلة بإعلانه تشجيع تعدد الزوجات، ينسى أن شرط الإسلام لهذا الأمر هو العدل بينهن. فإذا كان الشاب عاجزًا من الناحية المالية عن الزواج بواحدة، فكيف له أن يعدل بين اثنتين إن لم يكن أربعًا.

مع ذلك، فهناك سبب قوي للتفاؤل بمستقبل مختلف وأفضل عشرات المرات مما كان سائدًا. فقد صارت البلاد حرّة الآن من جنون العقيد وتجاربه ومغامراته، التي لم تعد على ليبيا إلا بالوبال والخراب. وصار بالوسع أن يذوق أهل البلاد طعم النِعم التي يمكن أن تأتي بها ثروة مثل التي يتمتعون بها.

ومما لا شك فيه الآن هو أن عهد الحرية الجديد المثقل بالأماني وبشائر القدرة على تحقيقها فصل مثير في تاريخ ليبيا. ولربما كان لتلك الزغاريد التي انطلقت تحتفل بنيل هذه الحرية أن تُسمع مجددًا وهي تزفّ العرسان إلى عروساتهم كل يوم.