بعد استهداف سفينتين كانتا تعبران قناة السويس أخيرًا، تبنت جماعة إرهابية جهادية تطلق على نفسها quot;كتائب الفرقانquot; هذه العمليات، عبر نشرها مقطع فيديو يظهر تفاصيل قصف سفينة، ما اضطر السلطات للاعتراف للمرة الأولى باستهداف مدبّر للقناة.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: تشهد مصر تطورات خطيرة على صعيد الأعمال الإرهابية، التي اشتدت بعد تدخل الجيش المصري من أجل عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي، فبعدما كانت تستهدف السياحة ومرافقها والأجانب في مصر، صارت تستهدف قوات الجيش والشرطة في سيناء.

وطرأت تطورات أشد خطورة تتمثل في استهداف السفن العابرة من قناة السويس، ما يؤثرفي الاقتصاد المصري، ويوجّه إليه طعنات قاتلة في القلب، لاسيما أن إيرادات القناة تمثل المورد الأهم في الدخل القومي المصري، خاصة في ظل تدهور حركة السياحة، وتوقف حركة التجارة والتصدير، بسبب توقف أكثر من 4800 مصنع عن العمل منذ اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

صناديق الذخيرة... لا الانتخاب
في تطور جديد للأوضاع الأمنية المتدهورة في مصر، تتعرّض السفن العابرة من قناة السويس للاستهداف من قبل مجموعات إرهابية. ورغم نفي مسؤولي القناة لتعرّض السفن للهجمات، إلا أن جماعة إرهابية مجهولة، تطلق على نفسها اسم quot;كتائب الفرقانquot;، نشرت مقطع فيديو على موقع يوتيوب، أظهر سفينة تتعرّض للهجوم بقذائف quot;آر بي جيquot;. ويبدو مجموعة من الأشخاص الملثمين، يقفون في منطقة أحراش بجوار المجرى المائي للقناة، وهم يطلقون القذائف على سفينة شحن صينية، بينما يرددون صيحات quot;الله أكبرquot;، ثم يولون هاربين داخل المنطقة المليئة بالحشائش.

وأعلنت الجماعة، التي تطلق على نفسها اسم quot;كتائب الفرقانquot;، في بيان لها مسؤوليتها عن الهجمات، وتوعدت بشنّ المزيد منها، وقالت: quot;سنعاود مهاجمة المجرى، وتوجيه ضربات قاصمة إلى النظام وأعوانه ومؤسساته، والقادم أدهى وأمرّ، ولتكن كلمة الله العليا هي صناديق الذخيرة، لا صناديق الانتخابquot;.

اعتراف رسمي
وللمرة الأولى يعترف مسؤولون مصريون باستهداف السفن المارة في القناة. فقال إيهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، في تصريحات له، إن مقطع الفيديو الذي بثته الجماعة الإرهابية صحيح، مشيرًا إلى أن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي اتصل به، وقرر إمداد القناة بكل الكوادر والمعدات وتأمينها بشكل كامل، بما يضمن عبور السفن في أمان وسلام.

أضاف مميش: quot;الفيديو المجهول المصدر، الذي نُشر على موقع يوتيوب، ما هو إلا تصوير للمحاولة الفاشلة للتأثير على حركة السفن في المجرى الملاحي، التي وقعت يوم 31 أغسطس/آب الماضي، مستهدفة السفينة كوسكو آسيا من دون أن يلحق بها أي أذىquot;، وتابع: quot;تم إخطار الجهات السيادية والاستخباراتية لاتخاذ اللازم حيال الفيديو المنشور وتحليلهquot;.

فردية لا تنظيمية
وتعرّضت سفينة بنمية لهجوم مشابه، إلا أن المسؤولين المصريين نفوا تلك الأنباء. ويستهدف الإرهابيون في مصر الممر الدولي، بهدف ممارسة ضغوط شديدة على السلطات المصرية، لإجبارها على التفاوض مع جماعة الإخوان المسلمين، بعد إزاحتها من الحكم.

وقال مصدر عسكري لـquot;إيلافquot; إن تلك الهجمات فردية، مشيرًا إلى أن قوات الأمن ألقت القبض على ثلاثة أشخاص يشتبه في ضلوعهم في الهجوم الذي تعرّضت لهالسفينة البنمية. ولفت إلى أن الهجوم لم يؤثر في السفينة. وأضاف أن الهجوم الآخر الذي تعرّضت له السفينة الصينية لم يؤثر فيها بشكل كبير، منوهًا بأن أحد أبراجها أصيب بأضرار بسيطة. وأفاد المصدر بأن ممر قناة السويس يخضع للتأمين من قبل الجيش الثالث، ويحظى بأقصى درجات التأمين، نظرًا إلى أهميته الدولية، وأيضًا لسمعة مصر دوليًا.

أضاف المصدر أن الجيش لديه خطط سابقة التجهيز للتصدي لأية هجمات ضد السفن العابرة من القناة، مشيرًا إلى أن هناك توقعات بالهجوم عليها في إطار مخططات الجماعات الإرهابية لضرب أحد أهم أعمدة الاقتصاد المصري. وشدد على أن الجيش لن يتهاون مع الإرهابيين، الذين يسعون إلى الإضرار بالأمن القومي للبلاد.

أهم مصدر للدخل
وتعتبر قناة السويس أقصر وأكثر الطرق أمنًا بين قارتي الغرب والشرق، وتساهم في الدخل القومي المصري بنحو خمسة مليارات دولار سنويًا، بما يعادل 10% من إجمالي الدخل المحلي المصري. ولم يسبق أن تعرّضت القناة لمثل تلك الهجمات في السابق، ما يشير إلى أن هناك تطورات نوعية في استراتيجيات الجماعات الإرهابية في مصر. وافتتحت القناة للملاحة الدولية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1869، في عهد الخديوي إسماعيل.

وضع الرئيس المعزول محمد مرسي خططًا للاستفادة القصوى من القناة، من خلال تدشين مشروع عملاق أطلق عليه اسم محور قناة السويس، بهدف زيادة دخل مصر من القناة بما يعادل 100 مليار دولار، إلا أن المشروع تعرّض لانتقادات إعلامية شديدة، معتبرة إياها بمثابة إعلان استقلال لإقليم قناة السويس، ما يؤدي إلى تقسيم مصر، وتم إيقاف العمل في المشروع، إلا أن حازم الببلاوي رئيس الحكومة أعاد العمل فيه مرة أخرى، ودعا الخبراء والاستشاريين إلى استئناف العمل مرة أخرى.

ويتولى الجيش الثالث المصري تأمين القناة بشكل أساسي، وتعاونه قوات من الشرطة، لاسيما أن ممر القناة يقع في النطاق العسكري للجيش الثالث. وتفقد اللواء أسامة عسكر قائد الجيش الثالث الميداني القوات وكمائن التأمين في شاطئ المدخل الجنوبي للمجرى الملاحي لقناة السويس في مدينة بورتو فيق في السويس، وذلك للاطمئنان إلى سلامة مرور السفن وتأمين المجرى الملاحي للقناة. وقال إن quot;المجرى الملاحي وعبور السفن لقناة السويس مؤمّن تمامًاquot;.

تدعيم مشروع إسرائيل
يؤكد الدكتور محمد عبد السلام، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أن جماعة quot;كتائب الفرقانquot; غير معروفة، مشيرًا إلى أنها في الغالب أحد فروع تنظيم التوحيد والجهاد، التنظيم الأكبر في سيناء. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن التنظيمات المسلحة في سيناء تلجأ إلى تغيير أسمائها من حين إلى آخر، لإرباك الأجهزة الأمنية المصرية، منوهًا بأنها عادة ما ترفع رايات الجهاد السوداء، للإيحاء بأن ثمة ارتباطا بينها وبين تنظيم القاعدة، لإطفاء هالة من الرعب والخوف.

وأوضح عبد السلام أن استهداف الجماعات الإرهابية لقناة السويس يمثل تطورًا نوعيًا في استراتيجية تلك الجماعات، وأنها صارت أكثر وعيًا بمكامن الخطر في الجسد المصري، وتوجّه إلى الأمن القومي ضربات في العمق، مشيرًا إلى أن إشاعة أجواء من عدم الأمن حول قناة السويس من شأنه ضرب أهم شريان من شرايين الاقتصاد المصري، بل يساهم في تدعيم المشروع البديل، الذي تروّج له إسرائيل منذ سنوات عدة، وهو قناة بديلة وموازية لقناة السويس.

ولفت إلى أن نجاح بعض الأفراد أو الجماعات في استهداف السفن يؤكد أن عملية تأمين القناة يشوبها الكثير من الثغرات، التي يجب على الجيش وقوات الأمن سدّها.