أكد خبير اسرائيلي أن الفشل سيلاحق المرأة المصرية إذا قررت دخول المعترك السياسي، فرغم مشاركة المرأة المصرية في صناعة المشهد السياسي، الا أن ثقافة المصريين مازالت تفرض نفسها على الواقع، واستشهد الخبير بمريم ميلاد التي فشلت في الانتخابات 3 مرات، الا أنها مازالت تقبل التحدي.


القاهرة: اثارت مشاركة المرأة المصرية في صياغة الحياة السياسية قبل وبعد ثورتي الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير)، والثلاثين من حزيران (يونيو) انتباه المراقبين، ففي المقابل مازالت المرأة تجلس على مقاعد المشاهدين حين الحديث عن ممارسة العمل السياسي على ارض الواقع. وكان الخبير الاسرائيلي تسيفي بارئيل من بين مراقبي واقع المرأة المصرية، وترجم وجهة نظره في تلك الاشكالية الى تقرير مطول نشره بصحيفة هاآرتس العبرية، واكد أن عمل المرأة السياسي على ارض الواقع، بات محكوماً عليه بالفشل، حتى بعد ثورتين غيّرتا ضمنياً ملامح الواقع السياسي في الدولة المصرية.

واستشهد الخبير الاسرائيلي بالدكتورة مريم ميلاد رئيسة حزب quot;الحقquot;، مشيراً الى أنها اول امرأة مسيحية تدشن حزباً سياسياً في بلادها، واضاف: quot;ثلاث مرات خاضت فيها ميلاد المنافسة في الانتخابات البرلمانية، الا أنها منيت في نهاية المطاف بالفشل، لكنها لم تصب بالاحباط أو اليأس وقررت خوض المنافسة خلال الانتخابات المرتقبة، التي لا يدري أحد حتى الآن موعدها، ولمن لا يعرف ميلاد، فهي مدججة بأفكار تهدف الى اصلاح المجتمع المصري، خاصة وضع المرأة في هذا المجتمعquot;.

شجاعة واصرار وراء العمل السياسي

وقال بارئيل إن ميلاد البالغة من العمر 30 عاماً تقريباً، انهت دراستها في جامعتي quot;ميزوريquot; بالولايات المتحدة، وquot;اكسفوردquot; ببريطانيا، الا أنها تبدو كما لو كانت طالبة حتى الآن. وخلال لقاءات صحافية تداولتها شبكة الانترنت على موقع الـ quot;يوتيوبquot;، قالت ميلاد: quot;الاصرار والشجاعة هما سبب ضلوعي في العمل السياسيquot;، ففي البداية كانت ميلاد عضواً في الحزب الوطني الديمقراطي خلال حكم مبارك، الا أنها اصطدمت بسياج ذكوري معادٍ للمرأة داخل الحزب، وعن ذلك تقول مريم بحسب الخبير الاسرائيلي: quot;الرجال الذين سيطروا على الحزب الحاكم حينئذ، بذلوا قصارى جهدهم لتزييف نتيجة الانتخابات البرلمانية، ولم يدخروا وسعاً في محاولات إفشال المرأة، رغم أن المرأة المصرية شاركت في الانتخابات بنسب تزيد عن الرجلquot;.

ويكشف بارئيل النقاب عن أن ميلاد ليست في حاجة لدعم مادي من أحد، إذ أنها تمتلك عدة شركات، وتبرم العديد من الصفقات التجارية الناجحة، كما انها تنفق من مالها الخاص على حزب quot;الحقquot; الذي تترأسه. وبحسب ما نقلته الصحيفة العبرية عن صحافي مصري بجريدة الاهرام: quot;المعروف عن ميلاد تعمدها تحريك المياه الراكدة، واهتمامها بالحوار المجتمعي في مصر، الا أنه يبدو أنها تسبق زمانها، فلا يزال المصريون اسرى للثقافة السياسية، التي تفضل الرجل على المرأة.

وأضاف بارئيل أنه يبدو أن تلك الثقافة التي المح اليها الصحافي المصري هى التحدي الذي حملته مريم ميلاد على عاتقها، خاصة أنها كانت طالبت اللجنة المعنية بصياغة الدستور quot;لجنة الخمسينquot; بإدراج بند ضمن مواد الدستور يمنح المرأة نسبة تمثيل ثابتة في البرلمان quot;نظام الكوتةquot;، الا أن طلبها واجه تجاهلاً من اللجنة، ما يضطر النساء الى خوض المنافسة في الانتخابات على قائمة الاحزاب أو كمرشحات مستقلات. وابدى بارئيل دهشة وحسرة، حينما قال: quot;للاسف الثورة التي احتفل المصريون بذكراها الثالثة مؤخراً، لم تستطع الحفاظ على حق المرأة في نسبة ثابتة في البرلمان، كما كان عليه الحال في عهد مباركquot;.

64 مقعداً برلمانياً للمرأة في عهد مبارك

ففي عام 2009 اوعز الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك بتخصيص ما لا يقل عن 64 مقعداً للمرأة من اجمالي مقاعد البرلمان البالغ عددها 518 مقعداً، الا أن هذه المادة لم تجد مكاناً خلال انتخابات البرلمان السابق بعد ثورة كانون الثاني (يناير)، وكانت النتيجة تمثيلاً ضئيلاً للمرأة في البرلمان لم يتجاوز الـ 12% من اجمالي المقاعد التي كانت مخصصة للمرأة في عهد مبارك، ولم تمثل المرأة في برلمان ما بعد الثورة سوى بنسبة 2% فقط، وتنتمي تلك النسبة في مجملها لحزب quot;الحرية والعدالةquot;، الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين، وكانت هذه النسبة اقل بكثير عند المقارنة بنسبة تمثيل المرأة في البرلمان التونسي، إذ بلغت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان 23% من مجالس البرلمان، وكذلك الحال بالنسبة لليبيا، التي بلغت نسبة تمثيل المرأة في برلمانها 17%.

وتشير المعطيات الى أنه في إطار الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في مصر، عقد المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة ميرفت التلاوي جلسة نقاش مطولة، للتداول حول سبل ادراج المرأة على القوائم التي تخوض المنافسة في الانتخابات المقبلة، وبحسب الخبير الاسرائيلي، اكتشف المشاركون في الجلسة النقاشية أن المشكلة التي تقف في مقابل اسلوب quot;الكوتةquot;، هي أن الدستور الجديد ينص دون تفصيل على التزام الدولة بعدم التمييز بين الرجل والمرأة في مختلف النواحي، الا أنه يبدو - وفقاً لبارئيل - أن المادة الخاصة بذلك يخيم عليها الضباب، إذ أنه حتى مجلس الدولة وهي الهيئة المعنية باصدار الفتاوى القضائية، اعربت عن اعتقادها بأن القانون لا يحدد عدداً معيناً من النساء اللواتي ينبغي تعيينهن في الهيئات القضائية أو البرلمان.

قيادة الاحزاب في أيدي الرجال

وفي هذا السياق، يشير الخبير الاسرائيلي الى أنه ليست هناك حاجة لتفسيرات أو لفتاوى بعيدة المدى، لاستشعار رغبة الاحزاب المصرية في اقصاء المرأة لمواقع متأخرة، والابقاء على قيادة الاحزاب في أيدي الرجال مع تفادي الاصطدام بخرق ايعازات الدستور، إذ ان مجلس الدولة اوصى بعدم تعيين المرأة بين صفوفه، أو بعبارة أخرى استبعاد المرأة من تعيينات القضاة.

واستند المجلس الى توصيات اللجنة السابقة التي انعقدت عام 2010، واوصت بعدم تعيين المرأة قاضياً، مشيرة الى أن المرأة لا تستطيع الانتقال والاقامة في محافظات بعيدة عن القاهرة، بسبب انعدام الظروف المناسبة لعمل المرأة القاضي، ومن بينها انعدام توفير الظروف المناسبة لها خاصة اذا كانت أماً، كما قالت اللجنة في توصياتها: quot;ان تجربة تعيين القاضيات فشلت تماماً، خاصة بعد أن فشلت اربع قاضيات في الحفاظ على حياتهن الاسرية، وانفصلن عن ازواجهن بعد تعيينهن في منصب القاضيquot;.

اذا كانت تلك هي توصيات مجلس الدولة، المعني بتفسير مواد الدستور الجديد، فمن المستحيل أن تفوز مريم ميلاد أو غيرها من المرشحات في الانتخابات البرلمانية المقبلة. واقتبس الخبير الاسرائيلي حديث الدكتور باسم كامل عضو quot;الحزب المصري الديمقراطيquot;، حينما قال: quot;تستغل المرأة لدينا في العمل السياسي، ففي حين كانت المرأة سباقة في التصويت على الدستور وغيره من الاستحقاقات، الا أننا في المقابل لا ننشر صورها في قائمة مرشحي الانتخاباتquot;.

مساحة ضيقة في المشاركة السياسية

وفي تعليقه قال بارئيل: quot;إن الدكتور كامل لم يُضف جديداً في حديثه، إذ تشير المعطيات الموثقة الى أن المرأة المصرية شكلت نسبة تفوق الـ 50% في نسبة المشاركة في التظاهرات التي صنعت الثورات المصرية، خاصة ثورتي كانون الثاني (يناير) 2011، و30 حزيران (يونيو) 2013، وخلال الاستفتاء الشعبي على الدستور المصري الجديد، بلغت نسبة تصويت المرأة 55%، وكان لها الفضل في ارتفاع نسبة التصويت على الدستور لـ 60%، وحتى اذا كانت تلك المعطيات غير دقيقة، الا أنها توضح بشكل لا يدع مجالاً للشك الفجوة الكبيرة بين حضور المرأة المصرية ومشاركتها في صنع الحياة السياسية، وبين المساحة الضيقة التي يحصلن عليها من الرجال عند المشاركة السياسية على أرض الواقعquot;.

الاتهامات الموجهة للرجال المصريين في هذا الصدد لا تحتاج الى برهان أو دليل، بحسب الخبير الاسرائيلي تسيفي بارئيل، إذ ان البيانات والارقام تتحدث عن نفسها، ومن الممكن في هذا الصدد التطرق الى تصريحات رئيس الوزراء المصري الدكتور حازم الببلاوي خلال حضوره مؤتمر ديفوس الاقتصادي بسويسرا، التي اشار فيها الى أن quot;غالبية نساء مصر ستختار الفريق اول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، نظراً لأنه quot;رجل وسيمquot;. ورغم أن تلك التصريحات لاقت سخطاً بالغاً وتعليقات ساخرة من الشارع السياسي المصري، الا ان الببلاوي لم يتراجع وحتى لم يعتذر عنها.

وعاد بارئيل للحديث عن الدكتورة مريم ميلاد، مشيراً الى أنه اذا اردنا الوقوف على اسباب فشل ناشطة بارزة مثل ميلاد في اقتحام المعترك السياسي، يتضح أنها هي عينها التي تجعل من الصعب على مناصريها تأييدها على طول الخط، فقبل انتخابات البرلمان عام 2011، اعلنت ميلاد القبطية أنها ستكون سعيدة بالتعاون مع سلفيين أو مؤيدي جماعة الاخوان المسلمين، واضافت: quot;حزبي ليس حزباً مسيحياً، لأنه يفتح ابوابه امام الجميعquot;، ولعل تلك التصريحات كانت سبباً في حالة السخط، التي سادت الاوساط المسيحية في مصر.

حملة انتقادات ضد المعزول

وبعدة عدة اسابيع عادت ميلاد لتقول: quot;إن منشقين عن حزب quot;الحرية والعدالةquot; الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين انضموا لحزبها quot;الحقquot;. بعد ذلك اجرت ميلاد حواراً مطولاً مع التلفزيون المصري، شنّت فيه حملة من الهجوم والاتهامات ضد الرئيس المعزول محمد مرسي على خلفية سوء ادارته للبلاد، لدرجة أن القائمين على التلفزيون المصري قطعوا عنها البث بشكل مفاجئ، وقبل شهر تقريباً وجهت انتقاداً لاذعاً لوزير الداخلية محمد ابراهيم، وقالت إن قرار ادراج جماعة الاخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الارهابية جاء متأخراً.

وزعم الخبير الاسرائيلي أن حركات المعارضة المصرية هي الأخرى لن تؤيد مريم ميلاد، إذ ان الاخيرة طالبت كل من يرغب في الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة كانون الثاني (يناير) بالحصول على تصريح بالتظاهر، وفقاً لما ينص عليه قانون التظاهر، وقالت: quot;إننا بدون رئيس وبدون برلمان لا يتبقى لنا سوى القانونquot;، لكن جبهات المعارضة المصرية ترفض جملة وتفصيلاً قانون التظاهر، ويعتبرونه تفريغاً صارخاً للثورة المصرية من مضمونها.

وخلص الخبير الاسرائيلي الى أنه لم يعد امام المرأة المصرية بعد ذلك سوى الوقوف امام ابواب الاحزاب quot;الذكوريةquot; مجدداً، حتى يتمكن من ممارسة العمل السياسي، فحتى رئيسة المجلس القومي للمرأة الدكتور ميرفت التلاوي، لا يمكنها بحسب تقديرات بارئيل منح صوتها لحزب quot;الحقquot;، الذي تترأسه مريم ميلاد، نظراً لأن الاخيرة ليست فقط نموذجاً شاذاً للحياة السياسية في مصر، وانما لأنها مسيحية وحديثة السن بما فيه الكفاية. ويبدو أن الثورة المصرية التي لوحت برايات المساواة، وهتفت بشعارات الوحدة الوطنية من دون تفرقة في الدين أو الجنس، لا تزال حبيسة مفاهيم محافظة حيال المرأة، وبات حتمياً أن مصر رائدة الحركات النسائية في منطقة الشرق الاوسط، انجرّت حالياً خلف تونس، وحتى وراء ايران.