يبدو لفظ الحب لغزاً أشبه بأسرار الغيب وهو يرفل ويتنعم بأهازيج وأغاني وأشعار العشاق والرومانسيين والأدباء، ومن سوء حظ الحب انه مفهوم فضفاض قابل لمختلف الأراء والتفسيرات والتأويلات والشطحات الخيالية الانشائية في ظل غياب أي ضابط منطقي عقلاني يضع مقاييس محددة للمشاعر ويفرزها ويصنفها هل هي حباً أم لا، فالحب أستغرقته اللغة وأحاطته بمختلف التعريفات والأوصاف، والمقلق في الأمر ان معظم مفاهيم الحب مأخوذة عن أفواه الشعراء والرومانسيين الذين تاهوا في غياهبه وفقدوا البصيرة والتمييز وجرفهم طوفان الحب الذي أول شيء يعطله في الانسان قدراته العقلية.

ماهو الحب؟

الحب الذي نعنيه هو الرابطة العاطفية الإيجابية التي تربط بين المرأة والرجل، وهذه العلاقة تعرضت للتورية والتمويه وأستعمال اللغة المجازية لأخفاء حقيقته الأساسية وهي انه عبارة عن شهوة جنسية متبادلة بين الطرفين تتأجج حينما يشعر كل منهما ان الآخر ينسجم ويماثل نموذجه الجنسي الذي يحلم به، وهذا النموذج الجنسي لدى المرأة والرجل سواء المتواجد في الوعي أو في اللاوعي هو مزيج من أرث الجينات الوراثية والتجارب اليومية المختلفة التي بلورت داخل كل منا نموذجه الجنسي الذي ما ان يصادفه في الحياة حتى تندلع شرارة الشوق والرغبة العارمة للإلتقاء والإلتحام به وتتويج هذه العلاقة بالممارسة الجنسية.

ولكن الأعراف والتقاليد والقيم فرضت على العشاق دائما تمويه الأمر، ومحاولة تسويق هذه الشهوة الجنسية المتبادلة بأجمل الأوصاف والتعابير الرومانسية، واضفاء النعوت الحضارية والأنسانية عليها، في محاولة دفاعية للتصدي المسبق لأي تهمة تصف هذه المشاعر بأنه عبارة عن شهوة جنسية، علما ان الجنس كرغبة وشعور من حيث الأهمية والتغلغل في حياة البشر هو أكبر واوسع من جميع اسماء وأوصاف الحب الذي أريد لها ان تكون ستاراً يخفي الشهوة الجنسية التي تحكم علاقة الرجل والمرأة.

أما بشأن بقية الروابط العائلية والأجتماعية.. فلا يمكن أطلاق وصف الحب عليها، فالروابط العائلية مفروضة علينا غريزيا بحكم الضرورة وهي تخضع لمفاهيم الأعجاب والأحترام والاخلاص والوفاء... وبالنسبة للعلاقات الأجتماعية كالصداقة والزمالة وسائر التعاملات اليومية فهي الأخرى خاضعة لمفاهيم: الأعجاب والأحترام والتقدير والأخلاص وغيرها من المفاهيم.

على أية حال.. لاتوجد مشكلة في التعبير عن الشهوة الجنسية من خلال المجاز اللغوي والابتعاد عن الكلام المباشر، ولكن المشكلة في ان يكون سبب هذا التمويه والهروب من الحديث عن الشهوة الجنسية دافعه تشويه تربوي ثقافي يرى ان الجنس فعل مدنس شيطاني من العيب الكلام عنه والأحتفاء به بألفاظ صريحة.

ختاما: لو ان العاشق الأسطوري مجنون ليلى مارس الجنس منذ أول اسبوع شعر بالشهوة الجنسية التي تسمى حباً نحو محبوبته ليلى.. هل كان كتب كل تلك الأشعار والأشواق... وهام على وجهه؟.. الجواب: طبعا لا، فالموضوع لدى جميع العشاق هو حرمان جنسي يتحول الى معاناة مؤلمة، وهذه الحقيقة تنفي ما يقال عن وجود (( حب عذري )) الذي هو الآخر خدعة لغوية فرضتها قيود المجتمع والثقافة التي تمنع التعبير عن الشهوة الجنسية بشكل صريح!

تنويه:
ماكتبته في هذه المقالة من أفكار سبق أن تحدث عنها الكثير من الباحثين والكتاب، وأنا هنا أعبر عن أنسجامي معهم في الوقت الحالي، وربما أبدل رأيي مستقبلا في حال ظهرت تفاسير جديدة للحب مقنعة لي.

[email protected]