بالتأكيد أن هدف المعارضة السورية ككل - تقريباً - هو التغيير، وكلمة تقريباً نقصد بها،وجود جزء صغير جداً يمكننا تسميته، المعارضة المصطنعة،أو المُفتعلة، وتبدأ وظيفتها حالما يمر النظام بأزمةٍ ما، فنراها تنشط في وسائل الأعلام وتبني ثورات على الورق، لتوهم المعارضة quot; الحقيقية quot; والمراقبين ومتابعي الشأن السوري، إنها البديل المنتظر إما ظناً منها أن المعارضة ستتأثر بها، وقد تنتظر وتعتمد عليها، بعد بطولاتها وشعاراتها quot; الشباطية quot;التي تتغيّر كل ساعة وفترة،كما حالة الطقس المشهورة بالتغير في شهر شباط، أو تحاول الاقتراب والانضمام إلى المعارضة بغرض عرقلة جهودها وإجهاض أية مشاريع مرسومة قد تعود بالفائدة للشعب السوري المغلوب على أمره، ولكنها تبقى أولاً وأخيراً مكشوفة الأوراق والنوايا، خاصة بعد تجارب المعارضة معها سابقاً، لذا عندما يكون حديثنا عن المعارضة فهي بلا شك لا تشمل القسم الموصوف آنفاً ويبقى خارج نطاق التعميم.

التغيير الذي تنشده المعارضة بشكل عام، ليس له شكل ثابت أو معالم واضحة أو سياسات جادة مطروحة،فمن المعارضة من يود تغيير مجرى سير الحياة الراهنة وطريقة نظام الحكم السائدة منذ ما يقارب الأربعة عقود، وما تضمنتها من سياسات فاشلة في شتى المجالات، السياسية والاقتصادية مع تباين نسبي مداً وجذراً بين الغير مقبول والسيئ والأسوأ، سواء أكان على مستوى الداخل السوري،أو فيما يتعلق بمحيطه الإقليمي أو الدولي.ومنهم من يود تغيير الكراسي والأشكال غير واردٍ في جعبتها مشاريع تحديثية تـُقال، ومنهم من يؤجل الحديث والخطط إلى وقته.

يمكننا تقسيم المعارضة السورية إلى قسمين رئيسيين، المعارضة الكردية والمعارضة العربية،والتي تتقاطع أهدافها في نقطة ثابتة وهي، تغيير النظام بعد تجاوزهما نقطة اليأس من إصلاحه،،والقاسم المشترك الحقيقي للمعارضة ( الكرد والعرب ) هو الظلم الذي يلحق بهما سواء مجتمعين أو على حدا، وما مورس ويمارس على الشعب السوري من أساليب وسياسات تسببت في هدر كرامته وإذلاله وتخلفه، ثم تأتي بعد ذلك نقاط الالتقاء النظرية كالديمقراطية وحقوق المواطنة والإخاء، التي ما تلبث أن تهتز عند أول خطوة عملية في اتجاه التغيير المنشود.

وللحديث عن المعارضة العربية يمكننا صنفها إلى ثلاث وجوه، فإخوان المسلمين وهو الرقم المعارض الموجود دائما،وإن تباين نشاطه وأساليبه من فترة لأخرى،والذين سعوا ويسعون لاستلام السلطة وإبدال أهداف حزب البعث ومبادئه و منطلقاته النظرية إلى قوانين وسيرة السلف الصالح وتطبيق قشور الشريعة الإسلامية، أي ترك المضمون الحقيقي لرسالة الإسلام التي تنص على العدالة والسلام والمُماثلة والمساواة، والإقبال على إطلاق اللحى و أختيار شكل وموديل اللبس والشعر، أي دون طرح مشاريع مستقبلية مرجوة قد تدفع عجلة البلد للحاق ولو متأخراً بركب الحضارة و البشرية، أو إحداث أي تغيير إيجابي أو تقدم يُذكر، والتغيير الجوهري لديهم تكمن في حصر المرأة في البيت أو صنع منها خيمة سوداء متحركة في الخارج مع ثقب صغيرة في الأعلى للتهوية والرؤية وإخضاعها لمراقبة صارمة من الأهل والمحارم،و النقطة الأخرى توزيع ما تبقى من قيم الإسلام السمح على شكل شعارات على العروبة ومشتقاتها لتغذيتها للحنين بالعروبيين إلى عصر الأمجاد والانتصارات الوهمية، تلك الشعارات التي طالما أثقلت كاهل المواطن السوري وجعلته يدفع حياته ومستقبله ثمن لها وأصبحت وبالاً عليه.

الوجه الأخر من المعارضة هو القسم الذي يتحسر على فشل النظام في الوصول إلى أقصى أهدافه العنصرية سواء أكان المقصود من وجهة نظرهم تقصير النظام في ممارسة المزيد من الظلم على أطياف الشعب السوري الذي لم يولد عربياً، ولوم النظام لعدم تمكنه من تعريب المجتمع السوري كلياً وهذا يظهر جلياً لديهم عند تقبلهم بصمت وسكون ممارسات النظام المطبقة حيال الكرد مما يعني رضاهم بها، بل وترحابهم، متناسين بذلك شراكة الكرد ووجودهم الجاد في خندق التغيير،وهي النقطة التي كانوا يستطيعون البناء عليها وشحن المزيد من الكرد حيال التغيير، بالإضافة إلى حث النظام وعتبه، لعدم خوضه حروبا تُذكر مع إسرائيل أو غيرها لتعيد لسوريا كرامتها المزعومة وكأن كرامة السوري لا تكمن في مدى امتلاك المواطن السوري قدراً أكبر من الحرية والتعبير والاستقلالية والديمقراطية والمشاركة الجماعية والديمقراطية في حكم البلد واعتباره شريك مقدرات وثروات البلد.

أما القسم الهام من المعارضة العربية والذي يؤمل منه الخير للسوريين وتكمن لديهم الرغبة الجادة بإحداث تغيير حقيقي للبلد نحو الانفتاح والديمقراطية والتقدم وتحقيق الرفاهية للمواطن السوري والسير بسورية لوضعها في الطريق الصحيح التي قد تصله يوما إلى مصاف الدول المتقدمة، بالإضافة إلى أحاديث كثيرة يتم تداولها عن التنوع والحرية، وهذا القسم الذي ينضوي اغلبه تحت مظلة وثيقة إعلان دمشق وهم الفئة المثقفة والواعية التي تنظر بعين الغيرة والألم والحسرة على ما حل بالبلد من تخلف وفساد في القيم الإنسانية والاجتماعية وتفكك النسيج الوطني، وتعتبر وثيقة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي في سوريا المظلة الأوسع للمعارضة السورية حتى الوقت الراهن،حيث تستظل بها اكبر تشكيل معارض للنظام الحاكم، من العرب والكرد و الأثوريين.

أما القسم الثاني من المعارضة السورية فهم الكرد إجمالاً، و يشتركون مع جميع المعارضين تلقائياً، ولكن بشكل نسبي في النقطة الرئيسية وهي التخلص من الظلم الممارس بحقهم من قبل النظام، ولكنهم يتقاطعون ويشتركون بشكل رئيسي مع القسم الديمقراطي الذي ينشد المساواة والحرية والذي اشرنا اليهم الأغلبية المنضوية تحت وثيقة إعلان دمشق أو مع غيرهم من المتنورين والديمقراطيين، أما لماذا الكرد إجمالاً، فبالتأكيد ليس لأنهم جميعا ذو ثقافة عالية وينشدون التغيير رغبة في التقدم لا غيره، أو وصلوا الى مراحل متقدمة من التطور الفكري للنضال من اجل الديمقراطية والتطوير،وهذا واضح في انقسامات أحزابنا الكردية على نفسها من أجل مصالح حزبية ضيقة لا تهدف قضيتنا بشيء وهم النخبة الكردية المناضلة والواعية فما بالك بالقسم المُهمَل المُمارس بحقه كل أساليب التفقير والتخلف وجعله بعيد عن الثقافة، السبب واضح وبسيط لان المعاناة تشمل الكرد جميعا، لذا فهم كالغريق الذي يتمسك بأية قشة تؤمل منها تغيير وضعه الراهن وترفع عن كاهله ما لحق ويلحق به من سياسات عنصرية، والتي تزداد وتيرتها باستمرار. وهذا ما جعلهم يتفقون مع كل المعارضة نسبياً، لاشتراكهم مع كل من يتلقى أي تصرف ظالم، تطال المواطن السوري.

خلاصة القول أن الكرد أكثر جدية في السعي للتغيير ومهما يكن حجم وثقافة ووعي وإنسانية المعارضين العرب للنظام، إلا أنهم لا يشعرون بالمأساة الحقيقية لما يقارب لثلاثة ملايين كردي سوري، مع عدم وجود إحصائيات دقيقة، ويبقى المعارضين العرب غير مستعجلين للتغير كما الكرد ولا يعملون بالوتيرة الجدية نفسها، لأنه في كل الأحوال مكتوب في بطاقتهم الشخصية، مواطن عربي سوري، ويكتب على بطاقة الشخصية للكردي أيضا مواطن عربي سوري،هذا عدا عن قسم من الكرد الذي لم يشموا رائحة البطاقة الشخصية نهائياً، ولان اسم الدولة هي الجمهورية السورية طبعاً بالإضافة لكلمة العربية، والمدارس من الروضة إلى الجامعة تدرس باللغة العربية بالإضافة إلى لغات ثانوية كالفرنسية والانكليزية بينما حسرة في قلوب الكرد وجود مدرسة واحدة تدرس ساعة واحدة بالكردية سواء للصغار أو للكبار، بينما الحكومة ليست لها أي موانع من فتح مدارس باللغات اليابانية و السنسكريتية، العرب لا تمنعهم أصولهم العربية من استلام أي وظيفة ما، بينما الكردي حتى وظيفة مستخدم في دائرة ما يحتاج إلى فحص وتمحيص من الفروع الأمنية العديدة، العرب سواء كانوا سكان المدن الداخلية أو في الأرياف على الحدود السورية، أية حدود كانت، يستطيعون بناء بيوت ومشاريع بعد اجرءات روتينية في أصعب الأحوال تنتهي بإكراميات للموظفين تضاف الى قوتهم، بينما كل المناطق الكردية تعتبر مناطق حدودية ولا يستطيعون بعد المرسوم 49 من بناء حمام،قد يتطور الحمام بنظر السلطات ويصبح مركزاً للمؤامرات على أمن البلد.

ولو إن المواطن العربي السوري كان محروم من لغته أو كان قد غُير أسماء قراه ومدنه، وأستولي على أراضيه الزراعية وأعتقل أو قتل لمجرد الاحتفال بعيده القومي،عندها لرأيناهم يسارعون في التغيير ويبحثون عن نقاط الالتقاء دون البحث عن الحجج والفلسفات عن الدولة الأمة والدولة المواطنة وما هنالك، حتى إن أكثر المنشدين للديمقراطية وحتى حقوق المواطنة يقصدون بها المواطنة العربية قبل السورية أي تكريم الكردي بجعله عربيا معززا متناسين ابسط حقوق الإنسان الذي يختلف معهم بالقومية وكأنهم يتحدون إرادة الله في الاختلاف أو يسعون إلى سحق التاريخ وإلغائه.

[email protected]