يؤكد علماء النفس والاجتماع على عدم اطلاق صفات التمجيد المبالغ بها على الاشخاص خصوصاً الاطفال، لانها ستؤدي للاستبداد والتزمت وعدم تقبل راي الاخر، وسترسخ لديهم القناعة بان ما يطلق حقيقة كامنة وجزء من حقهم الشرعي.
وبتمعن قليل نجد ان الموسيقى من الوسائل الاعلامية الاكثر فعالية لمن يريد استغلالها لاغداق صفات التمجيد والمبالغة والتهويل في صناعة البطل الوهمي. التأثير الموسيقي يكمن في الايقاع المتسق مع الايقاع الشعري والنغمات التي توُلحن الشعر، لذا وصف العرب شعراءهم المنشدين، بانهم يلحنون قصائدهم، وذلك لزيادة التأثير اثناء الالقاء باضافة تعبير صوتي مموسق على معنى القصيدة، فيسهل حفظ القصيدة، ليصبح التحلين بالالقاء اكثر تأثيرا من اللقاء الغير ملحون، و التاثير الاكثر فعالية هو في الاغنية التي يغلب فيها اللحن على الشعر، والتي تعيش معنا فترات طويلة زماناً ومكان.
لذا فقد اكدت الدكتاتورية على اقامة مهرجانات للاغنية الحربية كل شهر تقريباً، وانفقت الاموال الطائلة لتنتج الالاف من الاغاني الزائفة، فمثلاً شاعر يكتب للدكتاتور( من تحكي والله نعوف(نترك) كل شي و نستمع ماء و هواء ومنك ابد ما ينشبع) وحين قامت انتفاضة شعبية، كان المداحون اول الهاربين، فاكتشف الدكتاتور بانه ليس سوى مجرم يعيش وحيداً ولا يسمعه احد.
اليوم وبعد سقوط الصنم وذهاب الخوف من بطشه وهي حجة يتحجج بها اغلب المداحون، رغم ان المغني كاظم الساهر يقول في برنامج quot;العرابquot;: لم يُجبر اياً من المطربين على الغناء لصدام، و يكذب من يقول انني مجبر. بمعنى ان الساهر غني لصدام برغبته وربما بحب. نقول ما نراه اليوم معاكس للمطلوب فعله حيث ادهشنا مشهد ممثل عراقي يعتبره البعض معلم كبير في المسرح، شهدناه يقدم مسرحية عن الصدر بعد 2003، و قبلها قدم مسرحية عن رواية الدكتاتور المزعومة (زبيبة والملك)، فهل يفكر الان بتقديم عمل جديد بعنوان (زبيبة والصدر)؟ لكي يضمن مصالحه في حال عودة اعوان الدكتاتور ومع التيار الجديد المتشدد.
الحالة الثانية هي مغني غنى اخر اغنية للدكتاتور العراقي بعنوان quot; فوت بيها وعلى الزلم خليها quot; وكان اول الهاربين الى دولة عربية بعد السقوط، واليوم يغني لرئيس كتلة عراقية سياسية ليعيد تجربة الامس، واخر يغني لصاحب نفس القائمة العراقية ويقول (نحب الذي يحبك نضل والمايحبك نرفضة).
صناعة الدكتاتور تمت بأياد عراقي ومنهمquot; شعراء و مطربين وموسيقيين واعلاميين بلا اخلاقquot; فأن اراد رئيس الكتلة تلك ان يصبح دكتاتوراً فما عليه الى ان يبدء بالسماح لمن مجد صدام بالامس ان يمجده اليوم ويمجد تكتله، فهي البداية الصحيحة على طريق الدكتاتورية.
وحين يسمح السياسي بهذه الممارسات الدكتاتورية فانه يريب الاخرين في محاولة اعادة ظاهرة استغلال الموسيقي بعد ان اعتقدنا انها ولت مع الدكتاتور السابق، و من حقنا ان نقف بوجة هذا الرياء مستقبلاً وادانته الان، ومن حق اي سياسي وطني منع المداحيين من باب المحافظة على سمعته ومشروعه السياسي من التشويه ولا يغرنه التبرير المجافي للواقع، وليتذكر من نسي من السياسيون ان زمن الحاكم المطلق قد ولى في العراق.
ومن هنا ادعو الى رفع دعوة قضائية ضد كل من غنى لصدام ولتُقبل حجة الغناء بالاجبار(يُستثنى من ذلك كاظم الساهر باعتباره غير مجبر على الغناء لصدام على حد قوله) وليقدم المطرب المُجبر اعتذارا للشعب وللضحايا وغرامة مالية رمزية بأعتبار الفنان والمثقف قدوة في الاعتذار، ولابد من سن قانون جديد ضد كل تمجيد ومديح منافي للحقيقة لاي سياسي او قائمة او كتلة اوائتلاف او منصب حكومي حتى لو كان رئيس الجمهورية، كي لا نكرر مئساتنا و نعود الى مربع النظام السابق و نصنع دكتاتورا بداءاً بالغناء والموسيقى من جديد.
التعليقات