دأب مركز تراث ومتحف يهود العراق في مدينة أور-يهودا، كل عام على إحياء أمسية تذكارية لضحايا فرهود عام 1941 في العراق، تقام فيه الصلوات على ارواح الضحايا الابرياء العزل تتلى فيه أسماء الضحايا، وتعالج فيه العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقوى الخاريحية والداخلية التي لعبت دورها في هذه المأساة.
تميزت الامسية التذكارية هذا العام (2010) بحدثين جديدين هامين، هما صدور كتاب الاديب والإعلامي السيد سليم فتال (الذي قتل خاله مئير خليف في الساعات الاولى لاندلاع المذبحة في باب الشيخ)، عن الفرهود بعنوان quot;صنم في حرم الاكاديمية الاسرائيليةquot;، يدحض فيه الادعاء الكاذب الذي اشاعه من نصب نفسه مؤرخا ليهود العراق والذي يقول فيه إن يهود العراق تناسوا وقائع الفرهود الأليمة وضحاياها، مدعيا انه بعد فترة قصيرة من وقوع الفرهود تناسى يهود العراق احداثه في أعقاب الرفاه الاقتصادي الذي ساد اثناء الحرب العالمية الثانية. واضاف هذا المدعي اختلاق قصة وقوع 200 من الشهداء المسلمين سقطوا أثناء دفاعهم عن جيرانهم اليهود في يومي الفرهود في الفاتح من شهر حزيران عام 1941. أي ان عدد المسلمين، حسب هذا الادعاء، فاق عدد اليهود البالغ عددهم حسب قائمة باسمائهم، 145 نسمة بين امرأة ورجل وطفل وشيخ، بالاضافة الى المئات من حوادث الاغتصاب والخطف والنهب والسلب واضرام النار في البيوت المنهوبة. وقد قام الاستاذ سليم فتال بدحض هذه التخرصات وافحم من ادعاها.
أما الحـدث الثاني فهـو صدور كتاب quot;الفرهود، مذبحة 1941 في العراقquot; ( (AL-RARHUD، The 1941 Pogrom in Iraqِِ، باللغة الإنكليزية، اعداد شموئيل موريه و تصفي يهودا، اصدار مركز فيدال ساسون العالمي لدراسة اللاسامية، مطبعة ماغنيس التابعة للجامعة العبرية، ومركز تراث يهود العراق، يونيو 2010، في 382 صفحة. ويضم هذا الكتاب مقالات علمية تاريخية ووثائق يكشف النقاب عنها لأول مرة، عن الفرهود بقلم كبار الباحثين في العالم، كالأساتذة ستيفان ويلد (بون)، وايلي كدوري (خضوري) (لندن)، وحاييم كوهين (نيويورك)، ونسيم قزاز (جامعة بن جريون) واستير مئير-جليزنشتاين (جامعة بن جريون) وشموئيل موريه (الجامعة العبرية) الذي ساهم فيه بثلاث مقالات، وتصفي يهودا (مدير معهد أبحاث يهود العراق في مركز تراث يهود العراق) الذي أعد قائمة باسماء الضحايا وخارطة الاحياء اليهودية في بغداد ووثائق مختارة عن الفرهود، بالاضافة الى مقاله القيم quot;فرهود عام 1941 في ضوء مصادر جديدةquot;.
اعلن رئيس إدارة مركز تراث يهود العراق، السيد مردخاي بن- بورات، في كلمته الافتتاحية، رغبته في اقتراح اتجاه جديد نحو أحداث فرهود عام 1941 في العراق، بقوله: quot;إن الشعب اليهودي عانى من أبشع جريمة نكراء في الحرب العالمية الثانية وهي المحرقة النازية، ومع ذلك فإننا نجد اليوم علاقات سياسية حميمة مع المانيا الديمقراطية، وعليه فبإمكان يهود العراق ودولة اسرائيل اتباع سياسة ودية نحو العراق، فليس لحكام العراق اليوم ولزعمائه أية علاقة بمذبحة فرهود عام 1941، وواجبنا اليوم ان نأخذ بنظر الاعتبار الواقع الجديد وأن نبادر الى ابداء الصداقة وحسن النية نحو العراق الحديث في جميع المجالات والتصريحات التي ندلي بها والتي تدلي بها دولة اسرائيل. وموقفنا هذا لا يقف حائلا امامنا دون مواصلة عقد امسيات تذكارية للفرهود في المستقبلquot;. وقد قوبل اقتراحه بالارتياح والموافقة.
قام الدكتور نسيم قزاز الذي قتل والده المرحوم ناحوم قزاز مع المرحوم مئير خليف خال سليم فتال، في حادث انزال اليهود من الباصات المارة بباب الشيخ وقتلهم، بايقاد الشموع وتلاوة الصلاة على ارواح القتلى.
ثم قرأ الدكتور تصفي يهودا أسماء 145 طفل رجل وامرأة من قتلى الفرهود التي جمعها خلال ثلاثين عاما من شهادات أقرباء المقتولين. وتطرق الدكتور يهودا، مدير معهد أبحاث يهود العراق، إلى أهمية صدور كتاب quot;الفرهود، مذبحة 1941 في العراقquot; باللغة الأنجليزية لدحض أدعائات مسترزقي صدام حسين الوهمية، بأن مذبحة 1-2 من حزيران سنة 1941 هي من صنع quot;الموسادquot; ومنظمات اليهود في فلسطين. كما كتب شامل عبد القادر في مقاله quot;بريطانيا... المخطط والشريكquot;، الذي نشر في مجلة quot;ألف باءquot;، عدد 1342، 15 حزيران 1994، التهمة التالية بدون ان يدعمها بوثائق، بقوله: quot;يجب الأعتراف بكل أسف أن الموساد قد quot;نجحquot; بتدبير quot;الفرهودquot; والقاء مسؤولية ما حدث على عاتق غير اليهود...quot;
ويتضمن كتاب quot;الفرهود، مذبحة 1941 في العراقquot; بالاضافة الى الابحاث العلمية المستندة على وثائق حكومية ودبلوماسية وارشيف حكومة المانيا النازية ومذكرات سياسيين، الرسائل التي بعثها سفير المانيا النازية الدكتور فريتز جروبا في بغداد لأسياده في برلين. وهي تزيح الستار عن فحوى الدعاية التي بثها هذا السفير في العراق وهو يحث الشعب العراقي على قتل اليهود لكونهم، حسب ادعائه، عملاء لبريطانيا. وقد أكد الواقع كذب هذه الأفترائات عندما ترك الأنجليز quot;عملائهمquot; يذبحون بأيدي الرعاع وهم يسمعون صراخ يهود بغداد طالبين النجدة وصوت اطلاق النار عليهم دون أن يحركوا ساكن، حسبما دوّنه الدبلوماسيون الأنكيز أنفسهم في مذكراتهم.
ثم القى شموئيل موريه محاضرة بعنوان quot;موقف المثقفين العرب اليوم من الفرهودquot;، أشاد فيه بالتعاطف الذي أبداه القراء العرب عامة والعراقيون خاصة، مع اليهود لما عانوه من الظلم والاضطهاد أثناء quot;الفرهودquot; وفي العقود التي تلته، وعبر الكثير منهم عن أسفهم لوقوع هذه المذبحة، بل وأعلن بعضهم طلب الصفح عما اقترفه انصار النازية من العراقيين من جرائم نكراء في حق اليهود الذين كونوا عنصرا مخلصا للعراق وللوطنية العراقية وساهموا في احياء الاقتصاد والمال والادارة والعلوم والادب والفنون، وأشاد بالموقف المشرف لجريدة quot;ايلافquot; الغراء ومجلة quot;الأخبارquot; وغيرهما من الصحف الالكترونية والمطبوعة في العراق، في افساح المجال أمام القراء للتعليق على سلسلة quot;يهود العراق، ذكريات وشجونquot; التي نشرها شموئيل (سامي) موريه، والتي ذكر فيها بعض القراء المعلقين ما رواه لهم آباؤهم وأجدادهم عن quot;الفرهودquot; وموقفهم المستنكر من هذا الحدث الرهيب، وعن يهود العراق الذين كونوا نسيجا مهما في المجتمع العراقي وفي طليعة العناصر الوطنية المثقفة الساعية للسير قدما بالعراق معلنين ان الجيل الجديد من العراقيين قد قلب صفحة جديدة أعرب فيها أبناؤه عن اعجابهم بما قدم يهود العراق من خدمات جليلة لوطنهم ولما بلغه يهود العراق في إسرائيل من مكانة أدبية وعلمية وسياسية واقتصادية مرموقة، متمنين لو ساهم يهود العراق في المشاركة في بناء العراق الحر الديموقراطي الجديد. وهناك قائمة طويلة من كبار الاساتذة الجامعيين في العالم والمثقفين والشعراء والادباء والمؤرخين والصحفيين العراقيين الذين قاموا في اعقاب نشر سلسلة quot;يهود العراق، ذكريات وشجونquot;، بكتابة المقالات والذكريات والتحقيقات الصحفية عن يهود العراق أنصفوهم فيها واشادوا بمساهمتهم في نهضة العراق في النصف الاول من القرن العشرين، وهو يرى في هذا الجيل الجديد من المثقفات والمثقفين العراقيين أمل العراق في بناء دولته الحرة الديموقراطية الجديدة الساعية الى المساواة والتضامن.
وألقى في هذه الأمسية التذكارية الاستاذ الأديب والصحفي الكبير سليم فتال محاضرة عنوانها quot;الفرهود في وسائل الاعلام العربيquot;، قال فيها: ان مذبحة بغداد عام 1941 استهدفت الجالية اليهودية التي وقع ضحيتها حوالي 150 من افرادها. كانت هذه المذبحة من ابشع الجرائم التي ارتكبت بحق مواطنين يهود، مسالمين وعزل أحبوا العراق وأسهموا قدر الامكان بتطويره في مختلف المجالات. ولكن العراق رفضهم واضطهدهم وعاملهم أسوأ معاملة. وتجاهلت وسائل الاعلام العربي في العراق وخارج العراق هذه المذبحة جملة وتفصيلا. كانت سنة 1941 سنة حاسمة حثت اليهود على الدفاع عن حياتهم وممتلكاتهم واعراضهم وادت في نهاية المطاف الى هجرتهم او بالاحرى الى تهجيرهم بعد ان اسقطت جنسيتهم. وكانت عملية التسقيط اجراء عقابيا فرضته السلطات العراقية ضد اليهود، وهو اجراء لم يفرض على اليهود في اي دولة من الدول العربية. وتلت عملية التسقيط عملية عقابية اخرى هي عملية مصادرة الاموال والممتلكات التابعة لليهود.
وفي نهاية الامسية علق كاتب هذه السطور بقوله: كل ما نطلبه من هذا الذي يدعي سقوط مائتين من القتلى المسلمين أثناء دفاعهم عن جيرانهم في quot;الفرهودquot;، هو تزويدنا بالوثائق التي تؤكد ما ذهب اليه، وأن يذكر اسماء الضحايا من المسلمين المدافعين عن اليهود، لا الذين سقطوا في نزاعهم الدموي حول المنهوبات وسلبها من الناهبين. فإذا كان حقا ما يدعيه فسنقوم، بموجب ما يحتمه علينا واجبنا وضميرنا كباحثين محايدين تهمنا الحقيقة فحسب، بتصحيح وقائع هذه المذبحة في كتب التاريخ. فإذا عجز عن ذلك، فسيصبح ادعاءه تخرصات من باب quot;المقامة الساسانية في الشطحات الساسونيةquot;. كما نلتمس من المؤرخين العراقيين ومن عاصر احداث الفرهود أن يزودوننا بوثائق تاريخية تؤكد هذا الادعاء أو تدحضه، فإذا كان ذلك صحيحا فسنكتب اسماء القتلى من المسلمين الذين يدعي إنهم سقطوا في الدفاع عن جيرانهم اليهود quot;بحروف من نور ونارquot;، نكتبها الى جانب أسماء القتلى من اليهود، ولنقيم نصبا تذكاريا لهؤلاء المائتين من الشهداء، ونسجل اسماءهم في متحف الكارثة والبطولة في وسط اورشليم القدس كما فعلنا عند ذكرنا لاسماء بعض المسلمين المخلصين الاوفياء الذين حاموا جيرانهم اليهود في بغداد، بل سيجب علينا آنذاك أن نلتمس من الحكومة العراقية الجديدة إقامة نصب تذكاري لهم الى جانب نصب آخر يجب ان يقام لتخليد ضحايا الفرهود من اليهود بدل القبر التذكاري الجماعي لهؤلاء الضحايا الذي كان قد أقيم في المقبرة اليهود في بغداد، والذي دُكّ وأزيل عندما أزيلت المقبرة لاقامة برج عبد الكريم قاسم.
فمنذ عدة سنوات يقوم متحف الكراثة والبطولة لضحايا المحرقة النازية في اوروبا، المقام في اورشليم- القدس، بجمع اسماء الاشخاص الذين أنقذوا اليهود وحموهم في الحرب العالمية الثانية في اوروبا والبلاد العربية، وقد بعثنا ببعض أسماء الجيران المسلمين الشرفاء الابطال الذين حاموا جيرانهم اليهود العراقيين من الناهبين والمغتصبين الى هذا المتحف في اسرائيل والى متحف واشنطون للكارثة، لتخليد اسمائهم في سفر quot;انصار اليهود من بين أمم العالم أيام الكارثةquot; الذي يحتفظ به هذا المتحف.
التعليقات