قبل أيام قرأت خبراً أفردته صحيفة الحياة على صدر صفحتها الأولى، ينقل قول معالي وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة للصحافيين(خلاص خلاص) ثم يتركهم غير آسفاً ويرحل، مخلفاً وراؤه استفهامات غامضة بشأن سؤال مشروع أطلقه هؤلاء الصحافيون حول مصير الأخطاء الطبية الآخذ في الزيادة في كثير من المستشفيات، بدون استثناء.

السؤال يا معالي الوزير لم يكن إثماً، أو خروجاً عن آداب الالتقاء بمعاليكم حتى تنتفض غاضباً وترحل، وتتركهم ضاربين أخماس في أسداس.
كما أن السؤال يا معالي الوزير لم يكن خاصاً بك، وأنت العالم الطبيب الذي يشار إليه بالبنان في كافة وسائل الإعلام الغربية والعربية بصفتك طبيب عالمي أنجز العديد من الجراحات الناجحة، في عمليات التصاق التوائم، وهو نجاح رفع بلا شك من قيمة الجراح والطبيب السعودي، لكن ما تبنيه في سيرتك العلمية والمهنية، تخفق في تحقيق ولو 50% منه في إدارتك للمنظومة الصحية في المملكة، رغم إشفاقنا عليك من هذه التركة الصعبة، التي خلفها لك وزراء سابقون.

لا ننكر ولا يمكن أن ينكر أي سعودي انه استبشر خيراً باختيار خادم الحرمين الشريفين لك وتشريفك بمنصب وزير الصحة، في بلد ينهض على كافة المستويات، لكننا وبعد تلمس كثير من الأخطاء التي لا يصلح معها أي علاج، خاصة وأن نتيجتها الحتمية كانت الموت، وتغييب المرضى، فوجئنا بزيادة عدد المرضى الغير قادرين على إيجاد سرير لهم، وزادت وتيرة الأخبار المرتبطة بعمليات الخطأ الطبي، وصولاً إلى ارتكاب أسماء مستشفيات طبية كبرى، ينظر لها في الظاهر على أنها منظومة طبية جديرة بالثقة، فإذا بنا نقرأ ونسمع، وتتسرب إلينا أخبار بأنها غير ذلك، وأنها تتعامل مع صحة مراجعيها بكثير من الصلف والتعنت والاستهتار والتسيب.

ليس أدل على ذلك يا معالي الوزير من الخطأ القاتل الذي ارتكبته (المستشفى السعودي الألماني) حسب ما أخبرني مصدر خاص، من تسترها على طبيب تجميل مصري، أوقفته اللجنة التشريعية الخاصة المكلفة من قبلكم بإيقافه عن العمل، لعدم قدرته على الرؤية بشكل يسمح له بإجراء عمليات جراحية، فإذا بالمستشفى المذكور يضرب بهذا القرار عرض الحائط، وإمعاناً في الاستهتار والتسيب، يسمح له بإجراء ليس عملية واحدة فقط، بل عدة عمليات، كانت نتيجتها جميعاً الوفاة.

الوفاة يا معالي الوزير، ومع ذلك لم تشر الصحف لدينا إلى الخبر إلا على استحياء، دون أن يرد ذكر اسم المستشفى أو اسم الطبيب، لاعتبارات تتعلق بحصيلتها الإعلانية، وخوفاً من أن تتأثر هذه الحصيلة، وتقلل من عائداتها.
المعادلة يا معالي الوزير أصبحت مختلة في أكثر من طرف، بداية من بعض الصحف التي تتستر هي الأخرى على نشر هذه الأخبار حرصاً على نصيبها من الكعكة الإعلانية، وليذهب المريض إلى الجحيم، ومروراً بإدارات هذه المستشفيات التي يقوم عليها أجانب لا يراعون الله ولا يخشونه، ويبحثون عن الربح المادي دون النظر إلى نوعية الخدمة المقدمة، أو جودتها، وانتهاءاً بكم بعد أن تسرب إلينا إحساس بأنكم أصبحتم تضيقون ذرعاً بأي نقد يوجه لكم أو لأي مستشفى بالمملكة.

قد تعلم أو لا تعلم يا معالي الوزير وأنت تولي ظهرك للصحافيين وأسئلتهم أن هناك الكثير من مستشفياتنا خاصة الاستثمارية منها أصبحت تدار بمفهوم البقالان والسوبر ماركت، يتعاملون مع المريض كرقم وليس كروح، يتعاطون معه من منطلق مادي بحت، ومن منظور ادفع بالتي هي أحسن، وإلا سننتقم منك بأسلوبنا وبطريقتنا، والنتيجة يا معالي الوزير أخطاء لا تنتهي ولا تغتفر، ومرضى ينامون في الطرقات لا يجدون لهم أسرة، ومواعيد تضرب لمريض يتكالب عليه المرض، لشهور حتى يتعطف طبيب ويتلقاه، ثم يقذف به لموعد آخر وحده الله يعلم إن كان سيبقى حياً لمراجعته، أم سيسبقه الأجل، وينتقل إلى دار رحيم حنان، عالم به وبأوضاعه.

إنني هنا أقولها لك يا معالي الوزير، فجهدك الذي لا ينكره احد في إدارتك للقطاع الصحي، ووجودك على رأس فريق جراحي عالمي يشار له في العالم بالبنان، لا يعطيانك أي حق في أن تتولي غاضباً وتقول( خلاص خلاص) فهذه الكلمة تزيد في رقبتك أعداد الضحايا والمرضى المنومين في طرقات المستشفيات، والمراجعين الذين لا يجدون موعداً إلا بعد شهور، وتسيب المستشفيات وتساهلها في تعيين واستقدام أطباء من الخارج، جراحين يا معالي الوزير ولا يرون ونظرهم ضعيف، يقبع المريض المسكين المغلوب على أمره بين ايديهم، منتظراً مصيره الذي لا مفر من مواجهته... فهل يرضيك ذلك يا معال الوزير، وهل هذه هي الأمانة التي ستلقى بها الله عز وجل يوم العرض عليه.
سؤال أترك إجابته لضميرك قبل أي شيء آخر ولك الفضل.

[email protected]