لاادري لمصلحة من تتصاعد وتيرة الصراع بين الطائفتين الاسلاميتين الكبيرتين quot;السنة والشيعةquot; بالشكل الجنوني الذي نراه اليوم، وقد اخذ هذا الصراع منحى خطيرا يصعب التكهن بعواقبه، بعد ان دخلت وسائل الاعلام الحديثة كالانترنت والمواقع الالكترونية والفضائيات على الخط بقوة..
اكيد ثمة اياد خفية وراء محاولة لاذكاء نار الفتنة الطائفية التي ظلت نائمة حقبا طويلة، ولكن يبدو ان اعداء الاسلام بدأوا ينبشون ماضي الطرفين المثخن بالخلافات السياسية والفقهية لخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المجتمعات الاسلامية واشغالها بامور داخلية لا طائل من ورائها، ولكن مع ذلك فإن الجزء الاكبر من المسؤولية يقع على عاتقنا نحن المسلمين من غير ان نبعد ــ بالطبع ــ الدور الخارجي في اشعال أي فتنة محتملة..
ربما كان لنجاح الثورة في ايران ومحاولاتها المستميتة لتصديرها الى البلدان الاسلامية وسقوط الطاغية صدام ومن ثم تولي الاحزاب الشيعية الحكم في العراق فيما بعد، دور كبير في توسيع مساحة الصراع بين الطرفين.
ومن الطبيعي ان تثير هذه النجاحات السياسية quot;للشيعةquot; التي انعكست على الجانب الديني ايضا، مخاوف كبيرة لدى معظم اهل السنة والسياسيين منهم بشكل خاص، الذين بحثوا عن وسائل عملية غير وسائل المواجهة المباشرة التقليدية لوقف هذا المد quot;المرعبquot; ولم يجدوا انجع من الالتجاء الى وسائل الاعلام، فانشأوا فضائيتي (صفا) و(الوصال) لهذا الغرض، في حين ردت عليهم الشيعة بقناتي ( الانوار) و( اهل البيت ) الفضائيتين، ودخل الطرفان في معركة اعلامية شعواء مكشوفة، لم يتركا فيها مسبة ولانقيصةولاتهمة شنيعة الا وجهاها الى بعضهما دون ان يردعهما رادع اخلاقي..
ومن الطبيعي جدا ان تتحول تلك التراشقات الاعلامية يوما الى مواجهة حقيقية لاتحمد عقباها، ان لم يتدخل اهل الحكمة من الطرفين في فض الاشتباك quot;الاعلاميquot; بينهما ووضع حد لهذا العبث الذي يجري.
ومن السهل جدا كذلك ان نصل بسهولة البرق الى ارقام خيالية من الخسائر في الارواح والممتلكات، لو ظل كل واحد منا على عناده الطائفي، وقد تفوق خسارتنا الخسارة التي تكبدتها الدول الاوروبية من جراء حربها الثلاثينية (1618ــ 1648) التي جرت بين الطائفة الكاثوليكية والبروتستانتية والتي راح بسببها الملايين من الضحايا بين الطرفين، يكفي ان هذه الحرب هبطت بسكان المانيا من عشرين مليون الى ثلاثة عشر ونصف مليون، أي انها فقدت سبعة ملايين ونصف انسان لوحدها !
واذا ما قدر للعالم الاسلامي ان يكرر التجربة الغربية الدموية ــ لاسامح الله ــ فهل نستطيع ان نقوم بما اضطرت بريطانيا العظمى الى القيام به بهدف وضع حد للصراع الدموي المستمر بين الكاثوليك والبروتستانت من اهل ايرلندا عندما وضعت 80 جدارا عازلا اسمتها quot;جدار السلامquot; للفصل بين الطائفتين المتناحرتين ؟
ياترى كم جدارا نحتاجه ليفصل اكثر من الف وخمسمائة مليون بشر هم عدد المسلمين عن بعضهم؟ ولماذا ننفصل اصلا، ولا نتقارب؟
واذا كنا نحاول دائما ان نجد نقاط التقاء بيننا وبين اهل الاديان الاخرى، وندعوا الى حوار معها، افليس من الاجدى ان نحاور انفسنا و نلتقي في اهداف مشتركة فيما بيننا وهي كثيرة... كانت ثمة محاولة جادة لتقريب وجهات نظر الطرفين، قامت بها كوكبة صالحة منهم ؛ الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ محمد حسين فضل الله والشيخ محمد التسخيري ولكن يبدو انها وئدت في مهدها، ولا اعرف لحد الان سبب فشل هذه المحاولة الرائدة، التي لو امكن لها ان تنجح لما كنا نواجه بعضنا اليوم في حرب اعلامي ضروس نتبادل التهم والشتائم على مسمع ومرأى من الناس بدون حياء ولا حشمة...
التعليقات