بدأت قضية السيد الهاشمي تخفت شيئآ فشيئآ وتكاد تكون تختفي من وسائل الإعلام بعد أن خضعت على مدى أسابيع ماضية لتسخين إعلامي عارم رافقه سلسلة من الإبتزازات والمساومات بين مختلف الكتل السياسية وخاصة كتلة التحالف الكردستاني التي إستثمرت هذه القضية الى أقصاها في محاولة مكشوفة للضغط على الحكومة المركزية وإبتزازها وفي نفس الوقت العمل على بقاء الملف الأمني ساخنآ ، فجعلت من هذه القضية ورقتها الرابحة لتساوم من خلالها على كثير من الملفات التي يعتبرها الأكراد ملفات عالقة لم تحسم بعد...

ورغم كون هذه القضية هي قضية جنائية بحته ،لذلك فمن المعيب أن تخضع للمساومة والإبتزاز السياسي الرخيص ،حيث أن هنالك المئات بل الآلاف من ذوي الضحايا الذين ينتظرون تطبيق العدالة والإقتصاص من المجرمين بغض النظر عن موقعهم السياسي والإجتماعي وهؤلاء لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبلوا بالمساومة على دماء
أبناءهم وأحبتهم وفلذات أكبادهم ، علاوة على أن الشعب العراقي بكل فئاته يرفض تسييس القضاء وإخضاعه لأمزجة السياسيين وسطوتهم ، وقد أصدر القضاء العراقي أوامره بضبط وإحضار المتهم الأول السيد طارق الهاشمي وأفراد حمايته الهاربين الى إقليم كردستان العراق والمتمتعين بحماية السيد مسعود برزاني رئيس الإقليم الذي رمى بتحدٍ آخر في وجه حكومة بغداد المركزية عندما رفض تسليم المتهمين للقضاء العراقي ليؤكد بذلك إزدراءه حتى بالقضاء والدستور العراقي الذي يدعي الإلتزام به وهو في الحقيقة يخرق مواده وبنوده ويحرقها ليل نهار ولا يهمه من هذا الدستور إلا
المادة 140 السيئة الصيت وهي بالأساس مادة منتهية الصلاحية بنص دستوري واضح لأنها لم تطبق في مدة الستة أشهر المحددة لها بعد تطبيع الأوضاع في ما يسمونه بالمناطق المتنازع عليها ، وبهذه الخروقات لدستور العراق وقضاءه يؤكد السيد مسعود برزاني مرة أخرى على ضبابية وعدم وضوح العلاقة التي تربط إقليم كردستان بباقي أجزاء العراق فهي ليست بالتأكيد علاقة تخضع لأسس ومتطلبات النظام الفيدرالي كما يروج البعض له ولا حتى كونفدرالية ، بل إن هذه العلاقة المعقدة أصبحت تشابه الى حد كبير العلاقة الشائكة والمتداخلة بين العراق والكويت مع إختلاف إن الكويت قد فصلت عمليآ من جسد العراق وتم الإعتراف بها...

إن القيادات الكردية عملت ومنذ فترة ليست بالقليلة على نزع أي روح أو إنتماء وطني للكرد في العراق وتركزت أطروحت هذه القيادات وأيدلوجياتها وبرامج عملها على بث النزعة القومية المتطرفة للكرد وإشاعتها والحث عليها ،وهم بذلك وضعوا حواجز وأسوار عالية بين الكرد وباقي مكونات الشعب العراقي وبذلك يكونون قد إستبعدوا خيار التقارب والإندماج وإستعاضوا عنه بخيار العزلة والإنعزال ، وقد تناسوا بأن هذه السياسة سوف تؤدي حتمآ للدخول الغير إرادي في خيار التنازع والتقاتل والصراع المتعدد الوجوه بين الكرد من جهة وباقي العراقيين من جهة أخرى وهذا ما لا نرضاه ولا يرضاه أي عراقي محب لبلده.

لذلك لا بد من تصحيح العلاقة التي تربط إقليم كردستان بالعراق ووضعها في مسارها الصحيح فإذا كانت فيدرالية فلا بد لها أن تخضع لأسس وقوانين النظام الفيدرالي والمعمول به في العديد من دول العالم وإن كانت غير ذلك فالشعب العراقي يريد تحديدها اليوم قبل الغد أي قبل أن يحرق هذا الإقليم نصف العراق ويلتهم النصف الآخر وعندها لا ينفع ندم.