يوما بعد يوم، يتقدم رئيس الحكومة نوري المالكي نحو الامام محققا انتصارات شخصية لتثبيت اركان حكمه وحزبه الدعوة وتحالفه دولة القانون بشتى الوسائل، وبعد ان تمكن من تشتيت القائمة العراقية وابعادها عن تشكيل الحكومة تمكن من ازاحة رئيسها اياد علاوي دون مجابهة عسيرة، وتلاه تشدد موقفه من الكرد والتحالف الكردستاني وابقاء الخلافات العالقة بين بغداد واربيل على حالها، ومع كل هذه الخطوات كان المالكي يخرج منها بقوة أكثر، وآخرها اخراج نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي من حلبة الموازنة السياسية ولم يقف عند هذا الحد بل عمد الى تشويه صورته واحراج قائمته، ولم يقف عند هذا الحد بخطوته هذه بل بادر الى فتح صفحة جديدة وهي اطلاق النار على المحافظات المطالبة بالفيدرالية منها صلاح الدين والانبار والكوت والبصرة والموصل، فعمد الى الاتصال بهم لمنحهم صلاحيات واهية وزيادة تخصيصاتهم المالية لابعادهم عن فكرة الفيدرالية، والغريب ان المالكي كان من المدافعين والمؤيدين لفكرة الفيدراليات العراقية التي ثبتت في الدستور الدائم عام الفين وخمسة وكان هو عضوا في لجنة صياغته.
ولا يخفى ان الفيدرالية التي يتميز بها اقليم كردستان، وما تحقق فيه من تحسن وتقدم وتطور في شتى مجالات الحياة بالرغم من فساد السلطة والحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني برئاسة جلال الطالباني، وبسبب تميز الفيدرالية الكردية بتحسن الخدمات فيها وتطور الحياة فيها فقد تحولت الى تجربة مميزة للاقتداء بها من قبل المحافظات العراقية، وأول من حاول الاقتداء بهذا النموذج المتقدم محافظة صلاح الدين ومن ثم الانبار ومن ثم البصرة.
ويذكر ان برلمان كردستان صادق عام 1992 على اتخاذ الفيدرالية كنظام للحكم للتعايش مع العراقيين داخل الدولة العراقية، وبهذا المكسب الذي حققه الكرد بعد الانتفاضة الشهيرة جعله ان يتحرر من عقدة الحكم الذاتي وان يتقرب من تحقيق حلمه في حق تقرير المصير، ولكن الغريب ان احتفال الاقليم بالسنوات الاخيرة بهذه المناسبة بدأ بالخفوت، وهذا التوجه أثار تساؤلات عديدة خاصة وانها تأتي توازيا مع ظهور جهات سياسية وحكومية داخل السلطة الاتحادية تحاب الفيدرالية بقوة ومنها رئيس الوزراء نوري المالكي، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المسار هو هل ان بغداد والجهات المؤثرة في العاصمة ام السلطات الكردستانية هي المسؤولة في فقدان بريق الفيدرالية في وقت بدأت دول متحررة من ربيع العالم العربي تتجه نحة تبني الفيدرالية لتأسيس دولها على بنية سياسية وادارية جديدة.
وهنا لابد ان نبين ان الاهداف التي يسعى اليها المالكي من خلال محاربة الفيدرالية تتدحرج ضمن نفس الغايات التي يعمل من اجلها وهي ارساء وتثبيت السلطة المركزية وابقاء الصلاحيات الواسعة والمطلقة بيد رئيس الحكومة، خاصة الصلاحيات المالية التي تقدر بعشرات المليارات من الدولار، وهو في هذا المجال يعمل بشتى الوسائل الى محاربة اللامركزية والفيدرالية المثبتة في الدستور كحق من حقوق المحافظات حسب الية قانونية معتمدة في حالة المطالبة بتحويل اي محافظة الى اقليم، وبالرغم من ادعاء المالكي بمنح صلاحيات اوسع الى المحافظات لغرض ابعادهم عن المطالبة بتحقيق الفيدرالية، الا ان التوجه الاخير له باعتبار الفيدرالية عامل لتقسيم العراق يخفي سطورا من الغموض والتراجع الفكري والالتزام المبدئي عن ديمقراطية وفيدرالية الدولة العراقية، والتوجه المتعمد للمالكي في تثبيت مركزية شديدة للحكم في بغداد يحمل مخاطر حقيقية لاستمرار دولة العراق، وينحصر هذه المخاطر بما يلي:
bull; العودة الى ايديولوجية القائد الواحد والحزب الواحد، والمالكي في ولايته الثانية تحول الى شخصية دكتاتورية كما اتهم من قبل بعض السياسيين العراقيين، واتهم ايضا انه حول حزب الدعوة الى حزب مسيطر على جميع مقدرات الحكم في بغداد، وهذه الحقائق لم تبنى من اوراق خالية من وقائع حقيقة تمر بها العملية السياسية في العراق.
bull; السيطرة على الموارد المالية للحكومة والاحتفاظ بصلاحيات صرف واسعة ومطلقة لرئيس الوزراء للتحكم بالكتلة المالية واستغلالها لمصالح ذاتية وشخصية وحزبية، ومسألة صرف سبعة مليار دولار من قبل المالكي خارج الميزانية المخصصة كما اشارت اليها بعض التقارير برهان على التوجهات غير السليمة لرئيس الوزراء للسيطرة على اموال الحكومة واستغلالها لغايات اخرى.
bull; تراجع الخدمات وعدم حصول اي تحسن في كافة مجالات الحياة للمواطنين مؤشرات على تخلف الحكومة عن تطبيق اي التزام تجاه عامة الشعب، وبالرغم من وجود ميزانية كبيرة واموال كثيرة من واردات النفط العراقي.
bull; حرمان العراقيين من اي أمل لتوفير فرص العمل وتفشي البطالة بنسب كبيرة، وتقشي الفقر بنسب كبيرة بين العوائل العراقية.
bull; تراجع التربية والصحة وتفشي الفساد في كل مفاصل الحكومة وتحويل مكاتب الحكومة الى مكاتب حزبية وشخصية تتحكم بها حزب رئيس الوزراء جهارا ونهارا.
أمام هذا الواقع المرير، وبعكس تطلعات الكرد والمكون السني، يقف المالكي ضد الفيدرالية وبدأ يعمل على تشويهها من خلال استخدام لغة جديدة مامعناه quot;ان الفيدرالية تعني تقسيم العراق وهذا غير مقبولquot;، وهنا لابد ان اشير بأسف شديد الى ان مفهوم الفيدرالية مازال بعيدا عن الفهم الصحيح للكلمة، ولهذا نجد ان بعضاً من القوى المناهضة للفيدرالية لا يعرف المعاني الصحيحة لهذا النظام الاداري والسياسي لادارة الدولة.
ولغرض العمل على تقليل الاثار السلبية من المحاربة الشديدة التي بدئها المالكي للنظام الفيدرالي بالامكان التشديد على الحملات الاعلامية لنشر الثقافة الفيدرالية والتوعية بها لضمان الارضية السليمة لارساء الاسس الصحيحة في بنيان البنية التحتية السياسية للنظام في العراق، ولا بد للكرد في تحمل مسؤوليتهم الكبيرة في هذا المسار لتوضيح الصورة عن الفيدرالية للعراقيين.
ولهذا فقد حان الآن الوقت التحدث بوضوح بين جميع الاطراف العراقية الاخرى للتفكير بجدية عن توجهات التفرد بالحكم وتثبيت النظام المركزي للادارة من قبل المالكي وحزبه، وما يقوم به سيخلق لدى الكرد والسنة شكوكاً مشروعة حول تملك رغبة التفرد وتثبيت السلطة واستغلالها وهذه تخفي نوايا مبيتة تجاه الاخرين كقوى مشاركة في الحكم، ومن الافضل والاجدى ان ينظر حزب الدعوة ورئيسه المالكي الى المنظر العام للعراق على ضوء التطورات والتغييرات العميقة التي حدثت بعد عام الفين وثلاثة وان يدرك تماما بأنه ليس من السهل الاستفراد بالحكم والعمل على الغاء الاخر سياسة قديمة مضى عليا الزمن.
وأخيراً نؤكد إن العودة الى الفيدرالية هي التي تبقي العراق موحدا في ظل سيادة وطنية واحدة، والعمل على محاربتها والغائها يعني الغائها وهذا يعني تعرض حاضر ومستقبل العراق الى مخاطر حقيقية، ونأمل ان لا نتجه نحو هذا المسار لانه يعيد لنا عراق ما قبل الفين وثلاثة.
اربيل ndash; كردستان العراق
[email protected]
التعليقات