كاروان أنور


كنت متابعاً وقارئا نهما للتاريخ الكوردي قديما وحديثا، لم أسمع ولم أقرأ خلال متابعاتي وقراءاتي حادثة واحدة، أو معركة، أو أزمة سياسية، يكون الكورد فيها البادئ والمبتدئ، بل كان طوال حقبات نضاله الطويل مدافعا صلبا عن حقوقه وحقوق أبنائه، وحاميا لمن يدخل داره وإن كان غريبا.. كانت الجبال صديقه الوفي الذي أنقذه عشرات المرات من الحملات التي نفذت بغرض قلع جذوره وإبادة عرقه، لا مجال هنا لسرد تلك الحملات والمعارك التي بدأتها الجيوش الجرارة والآلة الحربية العراقية أو الايرانية او التركية او السورية أو السوفيتية ضد هذا الشعب المسالم، لكننا نود أن نشير الى تلك الحملات التي تنفذ ضد الكورد إعلاميا وتشوه صورتنا في أنظار العالم وأنظار من لا علم لديهم بتأريخ هذا الشعب..

اذا تابعنا ما نشر وينشر منذ عدة أشهر، في الصحف والمجلات وبقية وسائل الإعلام العربية وغير العربية ومن مواقع الانترنيت والمحاورات الهوائية الـ(chat) لَتيقّنا بأن هناك أيادٍ خفية وراء تلك الحملة الشعواء التي تمارس ضد الكورد، تحت ذرائع واهية وبمسميات طائفية ومذهبية، كون الكورد وحكومته في إقليم كوردستان يحمون المجرمين والفارين من وجه العدالة.. والجميع يعرف حقيقة الموقف بأن القضية لم تحسم قانونيا ودور الكورد في قضية الهاشمي دعاة سلام وهم من يريدون إطفاء تلك النار وحماية الهاشمي لحين إصدار حكم قانوني يرضي الجميع وآنذاك لا يبقى للكورد دور سوى تطبيق بنود تلك القرارات التي تصدر في المحاكم العليا..

من هنا يحصل أعداء الكورد على لقمة سهلة للتهجم على رموز الكورد في كوردستان العراق وتجربته الديمقراطية.. فليس هناك من مبرر معقول يبرر تلك الاتهامات الموجهة ضد الكورد واتهامه بشتى الذرائع والتهم الباطلة تحت اسم حماية المجرمين، في حين إن العدالة لم تؤخذ مجراها بعد، والمحاكم لم تصدر قراراتها النهائية.. كما ان اتهامات أخرى تردد هنا وهناك تحت مسميات العامل الكوردي في تقسيم العراق، وانشاء الدولة الكوردية، واقتطاع جزء من الوطن العربي، وغيرها من الاتهامات التي حتى حبكتها وصياغتها بعيدة عن الواقع،حيث قام البعض من الكتاب المأجورين بتشويه تأريخ الكورد وجذوره، فمنهم من نسب الكورد الى شعوب القوقاز ومن نسبه الى الترك والفرس والعرب وغيره من الأكاذيب، وهناك من اتهمنا بالمجوسية وعبدة النار جزافا، ناسين أو متناسين بأن النظام البعثي في العراق دمر أكثر من 6000 مسجد وجامع في كردستان وسواها مع الأرض.. فتعلق الكورد بالدين الإسلامي تعلق جنوني، وحماية من يدخل داره عُرفٌ كوردي وجزء من تعاليم دينه، وديدنه القومي، كما أن الأعراف السماوية لا تسمح بتسليم أية روح الى يدٍ لا تعرف ماذا تفعل بها وتكون النتائج غير معروفة، حتى واذا كانت تلك الروح روحا شريرة.. فهناك قصص وأساطير كوردية عديدة تسرد هذه الحالات التي يحمي الكوردي عدوه الشخصي أو يحمي قاتل أبنائه من أعداء أعدائه، ويضحي بنفسه وماله في سبيل حماية حدود داره وحماية من طلب عونه، ودخل داره..فللكوردي تضحيات جسام من دمه وماله وحقوقه من أجل الدين الإسلامي وتعاليمه الحنيفة وأمثلة صلاح الدين الأيوبي والشيخ محمود الحفيد والقاضي محمد شواهد حية على صحة ما أريد البوح به.

لكن هؤلاء الكُتّاب لكي يحولوا بالأنظار الى الناحية العاطفية والتعاطف السياسي مع قضيتهم، والوقوف بوجه عدوهم الذي يحميه أناس لا يمثلون دورا سوى سلاما وخيرا ومحبةً، لا توجد لديهم وسيلة أفضل من تشويه صورة الكورد أمام أنظار العالم والمسلمين، وتشويه صورته من دعاة سلام الى حمالة الحطب، والتضحية بالحقيقة والتأريخ والتعايش السلمي والتعاون التأريخي فيما بين الكورد والعرب، عن طريق كتاباتهم الدوغماتية والطوباوية محلياً ودولياً عن طريق ذلك الإعلام الذي أستطيع أن أسميه الإعلام المضاد.

فمن تابع اخبار الكورد منذ الانتفاضة الخالدة للشعب العراقي وما جرى قبل الانتفاضة والتغيرات الجذرية التي حدثت في كوردستان، يتيقن بأن الكورد حمامة سلام في العراق وليس حمالات الحطب، حيث كان الكوردي صمام الأمان للعراق والعملية السياسية في البلد، فلمن لا يعرف تلك الحقائق لايحق له ان يمس هذا الموضوع ولا يحق أن يقترب منه، وإن كان في الموضوع جوانب اخرى فهذا شأن آخر.

هل هناك ما يخيف الآخرين في الخطاب السلمي الكوردي منذ العام 1992 والى يومنا هذا؟!

لاريب كلا.. اذن لم هذا الخوف من المجهول ومن الفيدرالية وتقسيم العراق؟

سؤال بسيط والاجابة عنه في غاية البساطة، لأن اصحاب تلك الأقلام لا يريدون خير العراق وشعبه ليس الآن ولا في المستقبل، فالكورد قدّم الحل الجذري لمشكلة العراق الأزلية على طبق من ذهب ولاحل غير التعايش السلمي فيما بين القوميات في ظل دولة فيدرالية تحترم فيها المواطن دون النظر الى قوميته ومذهبه ودينه، هكذا يتخلص العراق من شبح الحروب التي تنتظره ويترك وراءه الأيام السود والحروب التي يئن تحت وطأتها منذ نصف قرن.. والخطاب الكوردي خطاب موحد لا لبث ولاغموض فيه.. ومن يطبل لتقسيم العراق والحروب الطائفية والمذهبية هم أعداء السلام وليسوا الكورد.. ومن يجعل من الكورد أشباحاً في الإعلام يضع هوة في التعايش السلمي بين الكورد والعرب وبرزخاً بين هذين الشعبين الشقيقين والا أي منطق يقبل باستبداد شعب قوامه (40) مليونا، في حين هناك دول مستقلة لا يتجاوز عدد سكانها ربع مليون نسمة ولديها أعلام وحدود دولية..

فهل من مجيب؟؟