لايبدو أن الدول الغربية تتعظ او تأخذ الدروس و العبر من ماراثوناتهاquot;التفاوضيةquot;المضنية مع النظام الايراني بخصوص ملفه النووي، وانها تبدو أحيانا مثلquot;جحاquot;الذي صدق کذبة أطلقها بنفسه بين الناس، ذلك أن إصرارها على المراهنة على مسألة التفاوض مع هذا النظامquot;الخارج على الإجماع الدوليquot;، هو بمثابة السعي لتشييد صرح على الفراغ او اللاشئ!

نظام الملالي الذي تعلم جميع الاوساط السياسية الملمة بالشأن الايراني، مدى خبرته و تمرسه في توظيف مسألة التفاوض و المحادثات مع الدول الغربية و إستغلالها بصورة خبيثة من أجل الاهداف الحقيقية التي يسعى إليها و التي أهمها و أخطرها إمتلاکه للسلاح النووي، مازال ينجح أيما نجاح في إستدراج هذه الدول و التمويه عليها بشتى السبل من خلال جولات من المحادثات التي يمکن تشبيهها بالنفق الذي لايمکن أن يبصر مرء نهايته.

جولات التفاوض مع هذا النظام في اوربا، أثبتت الايام أنها لم تکن سوى جدلا بيزنطيا لم يقد الى أية نتيجة ملموسة على أرض الواقع، لابد من أنها قد إعطت ثمة قناعة و نوع من الانطباع من أن ثمة شئ مريب يحدث في إيران بعيدا عن انظار المجتمع الدولي، لکن المشکلة تتجلى في کيفية التعاطي و التعامل مع هذه القناعة و کيفية تفعيل موقف دولي واضح و محدد يتسم بالحدية و العملية معا، إذ مازال هنالك نوع من التباين و الاختلاف بين دول العالم بصورة عامة و فيما بين الدول الغربية نفسها بصورة خاصة بشأن الملف النووي الايراني، وهذا ماکان دائما عونا للنظام الايراني يتمکن دائما من خلال المساحات المتوفرة من جرائها اللعب بالطريقة و الاسلوب الذي يرتأيه.

مفاوضات 5 زائد واحد في بغداد بشأن الملف النووي للنظام الايراني، والتي تزداد التکهنات بشأنها و تکاد على أن تجمع من أنه قد يحصل ثمة تقدم ما، رغم ان هناك أيضا في نفس الوقت تشاؤم يکاد أن يکون هو الاعلى کعبا و مقاما بشأن هذا الموضوع الحساس، لکن، وعند التمعن في الخط العام لسير الاحداث و طبيعة الاوضاع السائدة في إيران و المنطقة و العالم، يمکن الخروج بقناعات محددة من أن النظام الايراني قد لايجد مساحة کافية للعب بنفس الاساليب السابقة التي کان يتبعها مع المجتمع الدولي.

إزدياد وطأة العقوبات المفروضة على النظام الايراني و إنعکاد تأثيرات هذا الامر سلبيا على الواقع الاقتصادي و الاجتماعي في داخل إيران، وظهور ثمة بوادر تبلور موقف دولي موحد الى حد ما بشأن الملف النووي للنظام، وإزدياد الاحتمالات بشأن إخراج منظمة مجاهدي خلق من لائحة المنظمات الارهابية في الولايات المتحدة الامريکية، وقبل کل ذلك الاوضاع الحرجة جدا التي يمر بها النظام السوري حليف النظام الايراني الرئيسي في المنطقة من جراء الانتفاضة الشعبية السورية العارمة بوجهه، و تراجع اداء حزب الله و إنکسار شوکته و هيبته أمام القوى اللبنانية من جهة و دول المنطقة من جهة أخرى، و الاوضاع الحرجة التي يمر بها الحليف العراقي نوري المالکي و إزدياد التکهنات بشأن سحب الثقة منه، کل هذه الامور بصورة عامة، من شأنها أن تقود النظام الايراني لکي يلعب لعبة جديدة تختلف عن کل أنواع الالعاب التي مارسها من قبل مع المجتمع الدولي، فهناك إحتمال کبير بأن يبادر النظام الى تقديم تنازلquot;نسبيquot;لمفاوضيه في بغداد من أجل إمتصاص زخم وطأة الاحداث الواقعة عليه خلال هذه الفترة، لکنه وفي نفس الوقت سيکثف مساعيه لجبر هذا التنازل بتقدم آخر يقوم به لصالح ملفه النووي المثير للقلق و الريبة، وهذا الامر وارد جدا ولاسيما وان لهذا النظام خبرة و ممارسة کبيرة في مجال مراوغة المجتمع الدولي و اللعب عليه، ومن الواضح أن النظام سيقدم هذا التنازلquot;النسبيquot;، من أجل الحفاظ على مناطق نفوذه في لبنان و العراق و توفير مناخ أفضل للدفاع عن النظام السوري.

للنظام الايراني تأريخ طويل ولکن غير مشرف في مجال إخلاف الوعود مع المجتمع الدولي، وحتى يمکن القول أن عرقوب الذي ذهب مثلا في إخلافه للمواعيد، قد لايمثل المسکين شيئا ما أما ما عمله و يعمله هذا النظام بشأن إخلافه للمواعيد، غير ان هذا الموعد الجديد الذي سيقطعه للمجتمع الدولي سيکون من أخطر المواعيد و أکثرها تهديدا للأمن و الاستقرار في العالم، إذ قد تکون بعد ذلك مفاجأته الکبرى بدخوله النادي النووي کعضو غير مرحب به، ولذلك فإن من واجب مفاوضيه في بغداد أن ينتبهوا جيدا و يعرفوا أن لهذا الاجتماع باب قد يقود الى جهنم، وعليهم أن يتفادوا ذلك و يمهدوا فعلا لذهاب هذا النظام و ليس الامن و الاستقرار في المنطقة و العالم الى جهنم!