العلاقات الإيرانية الأذربيجانية قديمة وتاريخية وعميقة، وهكذا حال العلاقات الإيرانية ليس مع أذربيجان وحسب؛ وإنما مع أغلب دول وسط وشرق آسيا. والشعب الإيراني بمختلف أطيافه قابل للتعاون والشراكة والتفاعل مع جميع شعوب العالم وليس فقط الشعوب التي تشاركه اللغة أو الدين أو حتي الحدود الجغرافية، ولكن يحول بين هذا الشعب وإرادته الثلة الحاكمة التي تؤله نفسها وتضع آراءها في مصاف الآيات القرآنية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها!
ونحن في تحليلاتنا لا نستدعي أهواءنا أو رفضنا لهذه الطبقة الدينية الفاشية الحاكمة، بقدر ما نحلل تتابع المواقف والقرارات التي تأتي عنها، وتدعم فكرتنا ورؤيتنا. فحين نقف أمام علاقة بعمق علاقات طهران وباكو، ونشاهد هذه الأفعال غير المسئولة من الحاكمين الإيرانيين عبرت عنها ما أعلنته في 21 فبراير / شباط الماضي وزارة الأمن الوطني في أذربيجان عن توقيف 22 من مواطنيها الذين جندتهم إيران منذ 1999، وتدريبهم بمعسكرات ايرانية علي تنفيذ تفجيرات داخل أذربيجان ضد سفارات أمركا والكيان الصهيوني ودول غربية أخري.
يتضح من ذلك أن إيران الشعب ستبقي أسيرة لتركيبة حاكمة أصابها خلل في الفكر، وارتباك في القرار، وقصر في النظر، بل انعدام للبصيرة بحيث لم يعد هناك تفريق بين الصديق والعدو، إلا إذا سلمنا وتأكدنا أن صديق هؤلاء فقط من يحارب الدنيا لأجلهم، سواء كانوا علي حق أم علي باطل!
الشعب الآذري هو شعب يدين أغلبيته بالمذهب الشيعي، وما يربطه بإيران الدولة أكثر مما قد يربطه بأية دولة أخري، لكن أن يبلغ بالحاكمية الإيرانية الجرأة إلي حد التدخل في الشئون الأذربيجانية، وفرض الوصاية، وانتهاك السيادة الوطنية، فهذا ما رفضه الشعب الآذري وعبر عنه من خلال تظاهراته الأخيرة أمام السفارة الإيرانية، وتنديده بسياسة إيران في أذربيجان، بل وردد الآذريون هتافات وعبارات مهينة للمرشد علي خامنئي.
ويبدو أن الرئيس الهام علييف ومستشاريه في رئاسة الدولة كانوا يبحثون عن خطة رادعة يردون بها علي التصرفات غير المسؤولة للملالي منذ القبض علي هؤلاء العملاء الإيرانيين، حيث كثف علييف من لقاءاته بمسئولين غربيين وأتراك، وطلب من أمين عام حلف الناتو مساعدة بلاده ودعمه في ظل علاقاته المتوترة مع إيران، مقابل بذل أذربيجان جهدا أكبر في حل الأزمة الأفغانية!
وأكد سهيل الدين أكبر مدير مركز التعاون الأطلسي في باكو على ضرورة تعزيز التعاون الاستخباري والأمني مع الولايات المتحدة الاميركية ومع تركيا، مشيرا أن الأجهزة الأمنية الاذربيجانية غير قادرة وحدها على وضع حد لأنشطة ايران.
وبالطبع الذي استفاد من هذا الخطأ الجسيم للملالي هي دولة الكيان، وستستفيد منه أكثر وأكثر طالما ظلت نعرة الاستعلاء السياسي لدي الحاكمية الدينية في طهران، واستدعاء سفير طهران في باكو من قبل خامنئي ما هو إلا استمرار لحالة التدهور في العلاقات السياسية بين البلدين، وشخصيا أتوقع أن السياسة الآذرية لن تتجه نحو هجر دول العالم لأجل عيون ساسة طهران.

باحث ومحلل سياسي
[email protected]