المجلس وسيلة وليس غاية، وسيلة لتمثيل الثورة ولفترة انتقالية، ولكونه وسيلة للثورة التي يشارك فيها معظم شعبنا السوري، فمن حق هذا الشعب الذي يقدم الغالي والرخيص ان يعرف ما يدور في مؤسساته التمثيلية، ونحن كما أزعم ليس لدينا ملفات تحتاج إلى أن نرجئ الحديث عنها، لكونها تشوه صورة المعارضة، أو تنعكس سلبا على الثورة، الثورة تتفتح بمزيد من الحرية والنقد المتواصل..بالتالي إذا كانت الوسيلة غير ناجعة فالتمسك بها كما هي غير ناجع أيضا ولا يخدم الثورة..وهذه الوسيلة جزء أساسي من تاريخ الحرية في سورية، فلايجب أن يبقى فيه زوايا مظلمة، خاصة إذا كانت أيضا يمكن أن تنعكس سلبا على الثورة..

هذا الشهر كان حافلا بمجريات الحدث داخل المجلس الوطني، حيث اعيد انتخاب الدكتور برهان غليون للمرة الثالثة كرئيس للمجلس من قبل الامانة العامة للمجلس التي يمتلك فيها جماعة الاخوان المسلمين أكثرية نسبية واضحة إذا ما اضيف إليهم اسلاميين مستقلين وعلمانيين متحالفين معهم على طول الخط! بالتالي لايوجد خلاف بين الاسلاميين والعلمانيين كما ادعى الدكتور برهان غليون بعد ذلك بأيام. لأن من صوت للتمديد له كانوا اسلاميين وعلمانيين..والتمديد له لم يأت أيضا نتيجة لأن الدكتور برهان يشكل حالة توافقية بين التيارين، بل لأن الدكتور برهان بوصفه رئيسا للمجلس ترك المساحة الكاملة للاصدقاء في الاخوان المسلمين للتحرك بحرية على أرضيةquot; اشارك في المجلس وما يمثله وأعمل لوحدي ولمصلحة تنظيمي واهدافهquot; وهذه قضية ميزت كل تحالفات الاخوان في المعارضة سابقا وحاليا. وهذا أمر يسبب دوما اشكاليات عديدة..سنعود إليها في مقال لاحق. لهذا وجد الاخوان ضالتهم في الدكتور برهان!! وبعد التمديد الذي حاول أن يتجاوز صوت اكثرية اعضاء المجلس التي ترفض التمديد للدكتور برهان، اضافة إلى نبض الشارع، وجد الدكتور برهان غليون نفسه أمام حالة من اللامشروعية الادبية، فاعلن استقالته ورمى الكرة في ملعب البقية معتقدا أنه بذلك إنما يحرج الجميع!!

وبهذا يبقى الدكتور برهان غليون ينتقل من خطأ إلى آخر لكثرة مستشاريه!!! لكن ما فاجئ الجميع أيضا هي التصريحات التي أدلى بها الدكتور برهان للاعلام بعد استقالته فورا والتي تتلخص quot; قال لوكالة فرانس برس بعدما أمضى سبعة أشهر في رئاسة المجلس: quot;لم نتمكن أن نرقى إلى تضحيات الشعب السوري. بالتاكيد لم نلب بالسرعة الكافية وبشكل كاف احتياجات الثورةquot;. وعن سبب البطء قال: إن quot;بطءquot; رد المجلس ناتج عن عمله بموجب quot;قاعدة التوافقquot;. وفي ذم التوافق قال: إن الصيغة الحالية هي صيغة ائتلاف عدة أحزاب أو تشكيلات سياسية تحتكر القرار، ولا تعطي أي فرصة للاعضاء في المشاركة فعليا في القرار، ما أدى إلى جمود كبيرquot;. اضافة لتصريحه أن هنالك خلافات بين العلمانيين والاسلاميين في المجلس. والحل عنده هو الدعوة إلى إنعقاد الهيئة العامة للمجلس والتحول من التوافق إلى الانتخاب. هذه التصريحات الجيدة شكلا تخفي أنه وإن كانت صحيحة أول من ساهم بترسيخها هو الدكتور برهان نفسه، ومن يعود لتفاصيل مؤتمر تونس يجد أن ما أقوله هنا صحيحا..أكثرية من أعضاء المجلس رفضت قضية التوافق هذه ولولاها لما أعيد انتخاب الدكتور غليون والتمديد له في تونس، وكلنا يذكر موقف الدكتور برهان وبعض النافذين من الاخوان ومعهم الاصدقاء في إعلان دمشق، ومن صاروا بعد مؤتمر تونس أعضاء في الامانة العامة والمكتب التنفيذي، كلهم وقفوا بوجه دعوتنا للانتخاب الحر المباشر لهيئات المجلس بما فيهم الدكتور برهان نفسه. ثمة أمر آخر أيضا لايقل أهمية عن غيره هو أن الدكتور برهان نفسه كان لايستمع لأحد من اعضاء الهيئة إلا إذا كان مقربا له أو عضوا في المكتب التنفيذي!! ومن ساهم في ألا يرقى المجلس لطموحات شعبنا كما يقول: هو تمسك الدكتور برهان غليون بإرثه الايديولوجي والسياسي على حساب برنامج المجلس ومشروعه المقر في تونس من قبل أعضاءه، ويكفينا مثالا هناquot; توقيع الدكتور برهان لاتفاق مع هيئة التنسيق في القاهرة، يقبل بما لاتقبله الكتلة الثائرة في سورية، وأراد تمريره على اعضاء المجلس سرا كما قال هوquot; أنه اتفاق سري ويجب ألا ينشر للاعلام وهاجم السيد هيثم مناع لأنه فضحه، علما أن اعضاء في المجلس هم من فضحوا الاتفاق واسقطوه في المجلس قبل أن يعلنه هيثم مناع نفسه!! لكن كنا نحب أن يبقى الموضوع داخل المجلس واعتبار الاتفاق ساقط وزوبعة في فنجانquot; اتفاق خطير لم يستشر به الدكتور برهان ومن كان معه في الوفد أحدا من أعضاء المجلس، والآن يتحدث عن تهميش بقية أعضاء المجلس!! كان للمجلس مهمتين:

الأولى- أن يعمل على تأمين حماية دولية للمدنيين.. وهذه كانت بالضد من قناعة برهان غليون صاحب نظرية الحفاظ على السيادة الوطنية، لهذا فشل المجلس في إقامة نشاطات فاعلة تضغط على الرأي العام الدولي من أجل تحقيق هذه المهمة، واحد أسباب الفشل هو الدكتور برهان غليون نفسه، وهنا لايهم إن كان المجتمع الدولي جاهز ويريد، ام غير جاهز ولا يريد التدخل، نحن نعمل ما نراه يخدم شعبنا وما هو متفق عليه في برنامجنا. هذه مهمتنا سواء استجاب أم لم يستجب المجتمع الدولي، لأن برهان نفسه يعلم أن غالبية كاسحة ممن يتحدث عن رفضه للتدخل الاجنبي إنما يعبر عن هذا الرفض لكي يبقى آل الأسد طرفا في المعادلة السورية!!

الثانية- تأمين دعم مالي ولوجستي وإعلامي للثورة من قبل المجلس ولاستمرار التظاهرات السلمية وتأمين الدعم للجيش الحر...هنا أعتقد ان اعضاء المجلس ساهموا جميعا بتحقيق بعض النتائج الايجابية غير الكافية لاعتبارات كثيرة لسنا بصددها الآن..لكننا سنعرج عليها في مقال لاحق...
ما كتبته هنا جزء من حوارات سابقة خضتها كلها مع الدكتور برهان غليون مباشرة وعلى صفحات اعضاء المجلس وفي مقالات سابقة، لكنه كان رئيسا للمجلس!!

والآن أتمنى أن تكون هذه الرضة الطرابيشية: نسبة لجورج طرابيشي، رضة تصيب المثقفين العرب!! مقدمة لتأسيس حالة مؤسساتية ديمقراطية، وأنا رغم كل ما وجهته من نقد هنا غايته التواصل والتوصل لانجع الوسائل التي تخدم ثورتنا، فأنا مع العمل وفق البرنامج الذي طرحه الدكتور برهان غليون في بيان استقالته، نحن جميعا نتعلم من اخطاءنا، وكذلك الدكتور برهان لأنه مفكر نقدي أساسا...وسنقف معا من أجل تبني المجلس لما جاء في بيان استقالته ومطالبه...وربما لو اعيد طرح انتخاب الدكتور برهان غليون من قبل اعضاء المجلس مباشرة، وفقا لهذا البرنامج سأكون أول من ينتخبه...لأنني ضد مبدأ التوافق التحاصصي اللاديمقراطي...كنت أتمنى من الدكتور برهان أن يبدأ النقد للمجلس من نفسه...مع ذلك حصل خير...بهذا المناسبة أتمنى أيضا من الاصدقاء في الكتل كلها أن يقبلوا بالحد الادني انتخاب رئيس للمجلس على الأقل مباشرة عبر الاقتراع السري من قبل اعضاء المجلس في مؤتمر عام يعقد سريعا، ففي ذلك بداية خطوة ديمقراطية صحيحة، وعلى ارضية ما يقدمه المرشح من برنامج متكامل ورؤية نقدية للمرحلة السابقة...
وفي الهامش على القوى التي لا تتبنى تسيس الاسلام أن تتعاون وتشكل تيارا مدنيا قويا سواء داخل المجلس أم خارجه، وهنا لا اتحدث عن العلمانية المطروحة في السوق الآن!! وهذا يعطي دفعا مدنيا لسلمية الثورة واستمرارها...وهذا ما نعمل عليه في الكتلة الوطنية الديمقراطية داخل المجلس الآن.