يجد الشعب السوري نفسه أمام حصار مزدوج يدور في حلقة مفرغة في ظلّ انتهاكات حادّة لحقوق الانسان، فلا المعارضة السورية تمكنت من التوحد حول آلية عمل مشتركة، ولا المجتمع الدولي أثبت تأثيره الحاسم في مسار الأحداث حيث الموازين الدولية هشة وغير مستقرة وتحكمها المصالح المستقبلية، ولا النظام تمكن من اجراء اصلاحات جذرية تحقق الآمال وتنهي الآلام، فالانتخابات من قبل النظام والاصلاحات الشكلية لم تثمر اي نتيجة ملحوظة على خلاف ما وعد وتوقع وهويستمر في مسرحيته الهزلية السياسية الداخلية دافعا بالبلد الى نفق لا نهاية له.

ومنذ بداية الاحتجاجات الشعبية في درعا والنظام لا زال يعتمد الحل الأمني والعسكري كخيار مباشر في قمعها مما عجل في اشتعال لهيب الأزمة وانفجارها، بحيث فقد النظام كثيرين ممن حاولوا ان يقفوا على الحياد تجاهه حيث لم يعد الحياد ممكنا في ظل سقوط القتلى بمعدل يتجاوز ال50 قتيل يوميا منذ بداية الأزمة و حتى الآن، وباتت القضية انسانية وأخلاقية أكثر منها سياسية وتتجاوز الاصلاحات لصالح حقن الدماء.

وفي ظل المتغيرات الحاصلة بعد فشل كل من المبادرة العربية وفشل خطة كوفي عنان وعدم تمكن المراقبين العرب ومن ثم المراقبين الدوليين من خفض مستوى العنف والمجازر، فإنه من الصعب الآن توقع سيناريوهات الحل او توقع ما ستؤول اليه الأمور؛ بيد انه يمكن حصر النقاط التالية التي باتت شبه مؤكدة وهي :
oاستمرار الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة للنظام حيث لم يعد بالامكان اعادة آمال الشعب الى الوراء بعدما اختبر امكانية التعبير عن حقه بالاعتراض والمطالبة بكرامته، ولم يعد بالامكان احتواء حرية التعبير وتلفيقها في ظل انتشار وسائل الاتصال.

oاستمرار النظام السوري والقوات الامنية باعتماد quot;الحل الأمنيquot; وقصف مناطق الاحتجاج بحجة وجود ارهابيين يريدون quot;بث الفوضىquot;، وسيظل النظام يتكلم عن quot;مؤامرات يدبرها الآخرونquot; للنيل من ممانعة quot;سوريا الأسدquot;، مما يؤكد ان سلوك النظام لن يتغير كما ان تعامله مع اي مبادرة عربية او دولية لن يخرج عن اطار المماطلة كما حصل في كل المبادرات السابقة.

oالمعارضة السورية من الخارج تبدو الى الآن مشتتة، ويصفها بعض المحللين بانها عبارة عن quot;أجندات شخصية quot;، بيد انها وان كانت غير موحدة فبامكانها ان تكون فاعلة لا سيما وان الخطوط العريضة متفق على الحد الأدنى منها.

oبات من شبه المؤكد ان المجتمع الدولي المتمثل بحلف الناتو والولايات المتحدة والدول الغربية لا يرغب في جعل سوريا على غرار العراق، وهذه الدول قلقة من تداعيات انهيار النظام السوري الحالي لان ذلك سيضع منطقة الشرق الاوسط كلها في حالة حرجة إذ لا ضمانات ملموسة عن مصير quot;أمن اسرائيل quot; والجوار العربي عقب انهيار النظام، فالبعد الجيوسياسي لسوريا من الحساسية بحيث يجعل التدخل العسكري المباشر او حتى تسليح المعارضة أمرا غير محبذا، لذلك فان الطروحات البديلة تدور حول حلّ الموضوع على الطريقة اليمنية.

oاستمرار التضييق والضغوط الدولية بعد فشل الدبلوماسيات العربية والتركية في الحصول على غطاء دولي للتدخل.

oالمرحلة القادمة ستشهد مزيد من الانشقاقات في الجيش النظامي، كما ستشهد ازدياد المجموعات الثائرة التي سئمت من ممارسات النظام كما يئست من حلول المجتمع الدولي او المساندة الخارجية، حيث يبدو بالنسبة لها ان الخيار الوحيد هو الاعتماد التام على القدرات الذاتية والبدائية في مواجهة الجيش النظامي مما سيؤدي بالتالي الى مزيد من العنف والعنف المضاد.

أمام هذه المعطيات جميعها يبقى عامل الوقت هو الحاسم في ضوء التطورات المتوقعة لتفادي الخيارات الصعبة، فازدياد عدد الضحايا سيدفع على الأقل بالمنظمات الحقوقية العالمية بدفع الدول الغربية نحو ايجاد اي مخرج يضمن سلامة المدنيين كما سيضع العالم أمام مأزق أخلاقي حاسم ؛ وإلا سيترك الباب مفتوحا لعبثية حرب أهلية ذات ابعاد مذهبية لا تبقي ولا تذر.